كورونا وقرار الاصطفاف مع الصين

مع بداية العام 2020، بدأ الحديث عن تفش لفيروس جديد سمي فيما بعد "كوفيد-19". أتذكر تلك الرسائل والاتصالات الكثيرة والمتواصلة من الأهل والأصدقاء للاطمئنان على الأوضاع وصحة أسرتي، ومنهم من اقترح عودتنا إلى مصر حتى ينحصر ذلك الفيروس المستجد. لكني قرّرت عدم المغادرة إيمانا بقدرة الصين في تجاوز الصعاب والانتصار في أي معركة تخوضها.

كان الأمر بمثابة قضية أخلاقية قبل أن تكون صحية، فليس هناك أشرف من الاصطفاف مع أبناء الشعب الذي أعتبر نفسي واحدا منه، والتضامن معهم في هذا الظرف العصيب. بالتأكيد، الحياة وقتها لم تكن كالمعتاد، والشوارع باتت شبة خالية في ظل إجراءات الإغلاق التي طالت أماكن التجمعات. وكان هناك فرق طبية تقف على أبواب المجمعات السكنية تقيس درجة حرارة السكان، وأخرى من المتطوعين تنظم الأمور وتقضي الحاجات لتسهيل الحياة. فرق شجّعت ابنتي مريم على الانضمام إليها وتحمست هي، تطوف على الشقق 

وتعرض التعليمات، وتؤكد على ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية من المرض وارتداء الأقنعة وغسل اليدين بعد العودة وشرب الماء بانتظام. وجاءت قناعة طفلتي الصغيرة بأنه "لأنه لا يمكن فعل شيء كبير، لا يعني أنه لا يمكنك فعل شيء صغير".

وبعد السنوات الطويلة التي قضيتها في الصين وجميع ما مررت به، فإن أهم شيء جذب اهتمامي حقا في هذا البلد، هو تلك "النظرة الإيجابية" تجاه الحكومة والحزب الشيوعي الصيني. فمن خلال تجربتي هنا، سواء الحياتية أو العملية، تحدثت مع العديد من شرائح المجتمع، تلاميذ مدارس وطلاب جامعات وموظفين وفنيين وباعة ومثقفين، ولمست شعورا إيجابيا مشتركا تجاه الحكومة بقدرتها على تحويل الأوضاع للأفضل ومواصلة بل واستدامة التطور وتحقيق حياة رغيدة على نحو شامل.

وفي النهاية، أقول إننا لا نختار أين نولد أو ننتقي العرق أو الجنسية، ولكن كما يقول المثل الإنجليزي القديم "الوطن هو مكان القلب". فالوطن الذي نولد ونترعرع فيه يظل حبه دائما في القلب مهما باعدتنا عنه المسافات؛ موطن الذكريات والأهل والأحبة والجيران والأصدقاء. ولكن دائما ما يكون هناك وطن ثان يمنحنا الأمان والاستقرار وراحة البال. وطن نحبه ونسعد بالاندماج في نسيجه المجتمعي؛ وطن يقدر مساهمتنا ويدعمنا لتجاوز المحن.