الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
جريدة ((مصري اليوم)): ما وراء الحكايات.. الصين تنظر دائماً إلى الأمام
كثيرون يعتقدون أن قيم الليبرالية السياسية وفي القلب منها الديمقراطية بما يتفرع عنها من لوازم وآليات هي الشرط الجوهري وربما المفترض لكل حركة نهوض وطني كبير، وهي نظرة تبدو للوهلة الأولى صحيحة، ومن الصعب إنكار أسسها المنطقية والعملية، لكن المشكلة أن المأزق الحضاري الذي يعيشه العرب لا يمكن اختزاله في أزمة نظم سياسية فقط بل يكشف أيضاً عن أزمة قوى اجتماعية وضعف بنية التحديث الثقافي المطلوب.
وفي عبارة أخرى فالمأزق الحضاري العربي إنما يتعلق بدور الدولة وهمة المجتمع معاً، هناك نظم سياسية يجب تحديثها وثمة مجتمع أيضاً يتعين استنفار همته وطاقاته. جاء النموذج الصيني ليؤكد ذلك تماماً، فالنجاحان الاقتصادي والتكنولوجي الكبيران في الصين لم تصنعه فقط آلة الدولة بل يدين بالفضل أيضاً إلى همة مجتمع نشيط ومجتهد يعمل أكثر مما يتكلم، بل إن الصين تنتظرها تحديات على صعيد تحديث النظام السياسي للدولة وترسيخ القيم الحاكمة له، يبدو ذلك واضحاً في قضايا ومجالات مهمة مثل التعددية السياسية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، فبرغم التطور الهائل الحاصل الآن في الصين فهي لم تعرف بعد تعددية سياسية حقيقية إلا في إطار الرؤية الرسمية الواحدة حتى الآن، فما زال الحزب الشيوعي هو التنظيم المهيمن في الصين، حيث يصل عدد أعضائه إلى نحو ٧٥ مليون عضو!
وبالإضافة إلى الحزب الشيوعي الصيني توجد ثمانية أحزاب أخرى تدعى عموماً الأحزاب الديمقراطية، وهي أحزاب تنضوى تحت الرؤية السياسية للحزب الشيوعي، وإن كانت تتمتع بقدر من الاستقلالية وحرية التنظيم، ويتولى كثير من أعضاء هذه الأحزاب مناصب قيادية في الدوائر الحكومية والمؤسسات الاقتصادية والثقافية والتعليمية.
كيف يمكن تصنيف مثل هذه التعددية «التنظيمية» في إطار الرؤية الواحدة للحزب الشيوعي الصيني؟ الإجابة محيّرة ومثيرة للجدل إذ يبدو أن الصين بالمعيار الغربي أو بمعيار النظم السياسية المعاصرة لا تأخذ بتعددية سياسية حقيقية، لكن المدهش والإيجابي، رغم ذلك أن الصين بعد انفتاحها الكبير على العالم لم تستنزف قدراتها أو تهدر وقتها في التساؤل عن هويتها السياسية المعاصرة، إنهم يعملون أكثر مما ينظّرون!
أجل.. إنهم يجدّون ويزرعون ويصنعون ويخترعون تاركين لغيرهم أو ربما لأنفسهم بعد حين الانشغال بتصنيف هويتهم السياسية. هل هي مرحلة انتقالية تعيشها الصين اليوم على الصعيد السياسي يكون بعدها لكل حادث حديث ؟! أم هي البراجماتية التي جعلتهم تحت نشوة النجاح الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والارتفاع المطرد في مستويات الدخل والمعيشة يرجئون ولو مؤقتاً أسئلة التحديث السياسي الكبرى والمقلقة؟
هل تخاف الصين في داخلها من نتائج التحول السياسي المفاجئ وهي ترى ما حدث لغيرها من البلدان في مراحل التحول السريع؟ أم ترى هي الحكمة التي يتوارثها الصينيون من جدهم الكونفوشي الكبير «لاو تسى» في كتابه الشهير «الطريق والفضيلة» الذي ما زال متداولاً حتى اليوم؟! ربما الإجابة هي كل هذا معاً.. لكن المؤكد أن الصين تنتظرها استحقاقات كبيرة ليس فقط على صعيد التحديث السياسي بل أيضاً في مجالات حقوق الإنسان ومكافحة الفساد، فما زالت المؤشرات الدولية تضع الصين في مكانة متأخرة في هذه المجالات رغم نجاحها المدهش اقتصادياً وتكنولوجياً.
لكن الصين رغم كل ما يقال عنها لا تتوانى عن العمل والإنجاز والتطوير، ومن يتأمل تشكيل الحكومة الصينية أو ما يسمى لديهم «مجلس الدولة» يكاد يضع يده على مفاتيح رؤيتهم لهمومهم وتطلعاتهم القومية والاقتصادية والتكنولوجية، فالصين ما زالت مسكونة بهواجس الأمن والوحدة الوطنية حيث يوجد ثلاث وزارات للدفاع الوطني، والأمن العام، وأمن الدولة!
ولديهم منظومة تعليمية وعلمية تتوزع على ثلاث وزارات أخرى هي وزارة التربية والتعليم، ووزارة العلوم والتكنولوجيا، ووزارة للمعلوماتية تضم معها قطاع الصناعة، أما السكك الحديدية في الصين فلها بالمناسبة وزارة مستقلة تماماً عن وزارة المواصلات والنقل! وهناك في الصين اليوم، وعلى الرغم من ترتيبها المتأخر نسبياً على صعيد مكافحة الفساد (المركز ٧٩ في تقرير الشفافية الدولي للعام ٢٠٠٩) وزارة للرقابة إضافة إلى ما يسمى «مصلحة الدولة للتدقيق على الحسابات» التي تعادل الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر.
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |