الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
جريدة ((مصري اليوم)): ما وراء الحكايات.. الصين تنظر دائماً إلى الأمام
نشرت جريدة ((مصري اليوم)) 10 ديسمبر المقال الثاني عن الصين الذي كتبه أمين عام مؤسسة الفكر العربي د. سليمان عبد المنعم بعد زيارته للصين في نهاية نوفمبر.
عنوان المقال: ما وراء الحكايات.. الصين تنظر دائماً إلى الأمام
(١)
من يتأمل تفاصيل الحكايات التي تشهدها الصين اليوم يدرك على الفور قوانين التقدم ومعادلات النهوض في مسيرة الأوطان. ربما كانت أحد دروس قصة النجاح الصيني المبهر في العقود الأخيرة أن الصين تبدو مثل العدّاء الذي يركض وعيناه دائماً سهمان نافذان إلى الأمام! أجل.. فالعدّاؤون في مسابقات العدو لا ينظرون تحت أقدامهم وإلا تباطأوا أو تعثروا.. ومن المؤكد أنهم لا ينظرون أبداً إلى الخلف وإلا كان السقوط الكبير!
الصين مثلنا دولة عريقة ذات تاريخ موغل في القدم. والدول القديمة دائما ما تطرح على نفسها إشكاليات الهوية والتاريخ والخصوصية والحضارة، ولهذا لا يتوقف الجدل في مثل هذه الدول- ونحن منها بكل تأكيد- حول أسئلة الأصالة والمعاصرة، التاريخ والحداثة، الهوية والعولمة، إنها الإشكالية نفسها وإن تعددت مسميات التعبير عنها، وحين تبالغ الدول «التاريخية» في النظر إلى هويتها وما يرتبط بهذه الهوية من خصوصيات،
وحين تخفق في المصالحة بين هويتها وعصرها فإنها تبدو كمن يمشى وقدماه مقيدتان بالأثقال. وكل أثقال تحد بالضرورة من القدرة على الانطلاق. ولهذا يلاحظ أن الدول الحديثة مثل الولايات المتحدة الأمريكية انطلقت في مسيرة تقدمها بسرعة هائلة في أقل من قرنين من الزمان، لأنه لم يكن لديها إشكالية التاريخ والهوية والخصوصية فتحررت أقدامها من كل الأثقال والتبعات وربما «العقد» لتسابق العصر وترنو نحو الأفق وتلامس الفضاء!
ما تقدمه الصين من منظور هذه الإشكالية جدير بالتأمل، فهي لم تقيد نفسها بأثقال ماضيها القديم ولا حتى بتبعات ماضيها الحديث متمثلاً في الحقبة الشيوعية، لكن ليس معنى هذا أن الصين قد تنكرت لهويتها، ربما كان العكس هو الصحيح، فالذي حدث أن الصين قد نجحت في صياغة لا نبالغ إذا قلنا أنها عبقرية في المصالحة بين هويتها وتحديات حاضرها، فالصين تخاطب العالم بلغته وتعيش العصر بأدواته وتقنياته لكنها لم تفقد أبداً روحها!
(٢)
لا يعرف المرء إذا كان هناك في التاريخ الحديث دولة غير الصين استطاعت أن تبدأ بالإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي قبل التحديث السياسي أم لا؟ فمعظم إن لم يكن كل دول العالم التي تحوّلت من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي تعاصرت فيها برامج الإصلاح الاقتصادي جنباً إلى جنب مع متطلبات التحديث السياسي، حدث هذا في دول شرق أوروبا، وما كان يعرف بدول الاتحاد السوفيتي والعديد من دول أمريكا اللاتينية، حدث هذا أيضاً في دول شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وماليزيا، ففي هذه الدول لم تنفصل آليات السوق وقيم الليبرالية الاقتصادية عن قيم التعددية السياسية والحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير، ربما تحقق هذا بدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى، لكن التجربة الصينية ظلت فريدة من حيث أنها بدأت بالاقتصادي والاجتماعي قبل السياسي.
والصين بذلك لا تقدم فحسب بالدليل والبرهان قصة نجاح نهضوى على أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يلعب دور القاطرة التي تجر وراءها عربات الليبرالية السياسية وتداول السلطة والحريات العامة، بل إن الصين تطرح علينا السؤال الكبير حول ما إذا كانت نهضات الأمم تتحقق بدور الدولة فقط أم بهمة المجتمع أيضاً؟
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |