الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

ثقافة المائدة عند الصينيين والعرب.. من "أكرم الضيف" إلى "أطعم الفم"-1 (صور)


حسين إسماعيل

أسرة صينية على مائدة طعام

تتكون ثقافات الشعوب من سلسلة متراكمة من العوامل التاريخية والبيئية والجغرافية والفكرية والعقائدية، بل والسياسية، وتتجلى في سلوكيات الفرد العامة والخاصة واختياراته وتفضيلاته وشخصيته وأذواقه. و لكل شعب أذواقه وآدابه على المائدة، حيث تعتبر ثقافة المائدة أحد أهم تجليات الثقافة الجمعية لأي أمة. وتحتل ثقافة المائدة مكانة هامة في حضارة الأمتين العربية والصينية، ونالت قدرا ملحوظا من الاهتمام من أدباء ومفكري وفلاسفة الأمتين، بل كان لها دور في تشكيل وصياغة الشخصيتين العربية والصينية، بإيجابياتها وسلبياتها، على المستوى الأخلاقي والفكري والاجتماعي. والمدقق في ثقافة المائدة عند الصينيين والعرب يدرك أوجه تشابه كثيرة بينهما، فإذا كان من آداب المائدة عند الصينيين أن يبدأ الفرد بأكل الطعام الأقرب إليه، فقد أوصى النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم بذلك، .. "سمّ الله وكُل بيمينك وكُل مما يليك". ويعلم الصينيون مقولة كونفوشيوس: "العالِم الذي يهاجم عقله الحقيقة، والذي يخجل من الملابس الرديئة والطعام السيئ لا يكون مناسبا للحديث معه"، كما يعلم العرب الحديث النبوي الشريف: "كفى ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"، وفي رواية أخرى "أوده".

 

المرء مخبوء في معدته

ويعتقد الصينيون أن شخصية المرء تظهر بوضوح خلال تناول الطعام. وقد قال كونفوشيوس: "المرء السامي يعطي الكثير للآخرين ويُبقي القليل لنفسه، يضع الآخرين أولا، ويضع نفسه أخيرا".، فالذين يبدأون بتناول الطعام قبل الآخرين، يأخذون أفضل الطعام لأنفسهم ومن ثم فهم يؤثرون أنفسهم، والذين لا يقدمون مزيدا من الطعام للآكلين الآخرين يُعتبرون أجلافا أنانيين. وخلال تناول الطعام ينبغي على المضيف أن يعرض على الضيوف أفضل الطعام من كل طبق وأن يلح عليهم مرارا ليأخذوا المزيد، تعبيرا عن الاحترام وإقامة الصداقات.

هذه المبادئ والآداب هي التي تحكم المائدة العربية أيضا، منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا. ولكن هناك أيضا اختلافات بين الأمتين العربية والصينية في ثقافة المائدة، نتيجة للظروف الجغرافية والتاريخية والعقائدية، فبعض من طعام الصينيين لا يأكله أو لا يستسيغه العرب وبعض من طعام العرب لا يقبل عليه الصينيون ولا يفضلونه كما أن ثمة اختلافات في آداب المائدة بين العرب والصينيين، فمن عادات الصينيين الموروثة والتي مازالت موجودة إلى اليوم أن يطلب المضيف، بأدب جم، من ضيفه أن يحمل معه إلى بيته ما بقي من الطعام الذي يحبه. وقديما، عندما كانت مأدبة الإمبراطور تنتهي ويهم الضيوف الكبار بالاستئذان للانصراف، إذا كان منهم من يحب طعاما بعينه، يكلف الإمبراطور الخدم بإعداد المزيد منه له، ومرافقته إلى بيته لتوصيل هذا الطعام. وهذه عادة غير موجودة عند العرب، وإن كانت لها وجوها أخرى، فحتى وقت قريب كان الجيران، وخاصة في المناطق الريفية، بمصر يتبادلون الطعام إذا طبخ أي منهم طعاما مميزا.



1   2   3   4    




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :