الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
وو جيان مين: ماذا يبقى من إكسبو شانغهاي؟
(وو جيان من: دبلوماسي، عمل سفيرا للصين في هولندا وفرنسا. الرئيس الأسبق لجامعة الصين للشئون الخارجية. في سنة 2003، انتخب رئيسا للمكتب الدولي للمعارض. في سنة 2007، انتخب نائبا لرئيس الأكاديمية الأوروبية للعلوم. وهو حاليا الرئيس الفخري للمكتب الدولي للمعارض).
في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر لسنة 2010، أسدل الستار على إكسبو شانغهاي العالمي، الذي استمر مائة وأربعة وثمانين يوما. لقد تعهدت الصين أمام العالم بأن يكون إكسبو شانغهاي حدثا رائعا يبقى في الذاكرة إلى الأبد. الآن، وبعد اختتام فعاليات الإكسبو العالمي 2010 في شانغهاي، نستطيع أن نقول بفخر إن الصين أوفت بما وعدت وحققت هدفها بنجاح، وإن دورة شانغهاي ستظل نموذجا تحتذي به الدورات التالية. ماذا يبقى من إكسبو شانغهاي؟ سؤال يتطلب منا أن نفهم المغزى التاريخي لهذا المعرض العالمي. إن سر استمرار "الإكسبو العالمي" منذ أول دورة له سنة 1851، هو التزامه بالحث على تطور الحضارة البشرية. فماذا تركت لنا دورة شانغهاي في هذا المجال؟
حافز للتنمية في العالم
منذ دورته الأولى، قبل مائة وتسع وخمسين سنة، لم تستضف أي دولة نامية الإكسبو العالمي قبل دورة شانغهاي. وهذا جعل شانغهاي معلَما بارزا ونقطة هامة على درب تقدم البشرية. منذ بداية التاريخ، ظل الفقراء، ولا يزالون، يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم. إلا أن صعود عدد من الدول النامية، يقطنها نحو نصف سكان العالم، يعتبر مؤشرا مهما، يعني أن مئات الملايين من فقراء العالم تمكنوا من نفض الفقر عن كواهلهم، وفي طريقهم لتحقيق الحياة الميسورة. إن أهداف التنمية للألفية هي إعلان لحرب عالمية ضد الفقر والجوع والمرض. ولا غرو أن صعود الدول النامية دليل على ما تحقق من تقدم في هذا المجال، بشكل غير مسبوق. إن توسع الإكسبو العالمي واستضافة دولة نامية له، يعزز صعود الدول النامية كافة ويدفع تطورها. بهذا المعنى، حقق إكسبو شانغهاي العالمي نجاحا مرموقا في جهود دفع تطور الحضارة الإنسانية.
وإذا كانت الصين هي أول دولة نامية استضافت الإكسبو العالمي، فإن الفرص سوف تأتي لدول نامية أخرى لاستضافته، وهذا ميراث رائع تركته دورة شانغهاي.
محرك ممتاز لدفع الممارسات الحضرية
في سنة 2007، أصبح نصف سكان العالم يعيشون في المناطق الحضرية، وفي الصين يعيش حاليا 46% من السكان في الحضر. وإذا كانت مسيرة التحول الحضري حققت إنجازات هائلة، إلا أنها أفرزت العديد من المشاكل أيضا، فما هو الغرض من التحول الحضري؟ شعار إكسبو شانغهاي وهو: "مدينة أفضل، حياة أفضل"، يعني أن توفر المدن حياة أفضل لساكنيها. ولكن الذي حدث هو أن العديد من المدن خلقت، في مسيرة تحولها الحضري، فوضى كبيرة؛ غابات من ناطحات السحاب، توسيع طرق السيارات، مع تقليص مستمر لمساحات حارات الدراجات والأرصفة، وكل هذا لا ييسر على الإطلاق حياة السكان. خلال فترة إكسبو شانغهاي، جاءت بعض الأخبار الجيدة، ومنها أن بلدية نيويورك قررت منع مرور السيارات في جادة برودواي بطول ثلاثة أميال تم تخصيصها للمشاة فقط. وجادة برودواي شارع رئيسي بين شمال المدينة وجنوبها بطول حي مانهاتن وصولا إلى حي برونكس. الجزء الذي تم تحديثه من هذا الشارع فيه المزيد من المساحات الخضراء، وخلا من بعض مواقف السيارات، ووفر حارات للدراجات وأماكن للتنزه. هذا التوجه الصديق للإنسان يدل على ظهور مفاهيم جديدة للبناء بالمدينة، وقد رحب سكان نيويورك بهذا التغير الذي حسّن نوعية حياتهم. ما حدث في برودواي دليل على أن إدارة المدينة غيرت أفكارها القديمة وعادت إلى الهدف الأساسي للتحول الحضري، وهو أن توفر المدن حياة أفضل لسكانها. لقد توقع كثيرون، قبل إكسبو 2010، بأن تكون دورة شانغهاي فرصة عالمية لشحذ العقول خلال مائة وأربعة وثمانين يوما، وكان السؤال الجوهري هو، كيف يمكن أن يسهم التحول الحضري في تحسين حياة سكان المدن؟. وقد أظهر العديد من أجنحة الدول المشاركة أن هذا الأمر محل تفكير بالفعل. جناح الجزائر، على سبيل المثال، عرض مفهوم هذه الدولة وكل دول شمالي أفريقيا لفن عمارة محلي خالص، خال من تأثير العمارة الغربية، متمثلا في حي القصبة. لقد زرت القصبة بنفسي، ولاحظت أن هذا الحي الواقع في الجزائر العاصمة، مكتظ بالسكان، بناياته متلاصقة عند سفح جبل، فتبدو متدفقة، واحدة بعد أخرى. لكن ارتفاع سقف البنايات الأعلى كثيرا من البنايات المتعددة الطوابق يسمح بتهوية أفضل. سكان القصبة، بحكم تلاصق بيوتهم، يعرفون بعضهم البعض وبينهم علاقات جوار مميزة وقوية، ويشاطرون بعضهم بعضا في السراء والضراء، ويساعدون جيرانهم في الأوقات الصعبة. الإنسان كائن اجتماعي، والناس بحاجة إلى التواصل الدائم مع بعضهم البعض.
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |