الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
موقع الصين بعيون عربية: تمدين الصين
ورغم أن المزارع "التعاونية" ظلت المالك الرسمي للأراضي الريفية، فإن الأسر الريفية تستطيع الحصول على كل "الفائض" في إنتاجها، الأمر الذي يخلق الحافز الضروري لاستخدام الأراضي على نحو منتج. بل وتتمتع الأسر الريفية بحق تأجير أراضيهم لأسر مزارعة أخرى إذا وجد أفرادها فرص عمل أفضل في المدن.
وبوسع الأسر الريفية أن تحتفظ بهذا الاستحقاق طيلة مدة عقد الإيجار (30 سنة الآن)، ولكن هذه الأسر لا تتمتع بحق ملكية الأرض ذاتها. وإذا واجه العمال الريفيون مصاعب مالية، وهو ما يؤدي غالباً في بلدان أخرى إلى بيع الأراضي، فبوسعهم أن يعملوا بقدر أعظم من الجهد للعثور على وظائف أخرى أو طلب المساعدة من الحكومة. ولكن الأرض لا يمكن بيعها أو رهنها، ولا يمكن تغيير استخدامها من الزراعة إلى أغراض تجارية أخرى من دون تصريح من الحكومة.
ولقد أدى هذا الترتيب الغريب إلى توليد نتيجة بالغة الأهمية: فإذا خسر العمال المهاجرون وظائفهم في المناطق الحضرية، فإنهم يحتفظون ببعض الدخل من تأجير أراضيهم ويمكنهم العودة إلى قراهم واسترداد الأرض (في غضون سنة واحدة عادة). وقد لا تكون القطع الصغيرة من الأراضي المخصصة للمزارعين طبقاً لنظام عقود الأسر الريفية كافية لجعلهم أثرياء، ولكنها تعمل بمثابة ملاذ أخير كشبكة أمان اجتماعي.
إن فهمنا لطبيعة هذه الترتيبات من شأنه أن يساعدنا كثيراً في تفسير الأسباب وراء تخلف عملية التمدين في الصين: فنظام حيازة الأراضي ـ الذي يبدو من المستحيل تطبيقه في بلدان نامية أخرى ـ يضمن بقاء الذخيرة الاحتياطية من العمالة اللازمة للتصنيع والتمدين في القرى بالريف وليس في الأحياء الفقيرة في المدن.
ورغم أن هذا الترتيب يشكل طريقاً سلساً إلى التمدين فإنه ترتيب انتقالي مؤقت وليس دائما. فما زال العمال المهاجرون يشعرون بالعجز عن الاندماج الحقيقي في المدن، وذلك لأن شبكة أمانهم الاجتماعي تظل مرتبطة بأصولهم الريفية. والواقع أن الفصل الناتج عن نظام الأراضي تسبب في توسيع الفوارق الاجتماعية بدلاً من تضييقها.
في ظل هذه الظروف، ونظراً لكثرة تنقل الصينيين، فإن تمدين البلاد بعيد عن الاستقرار. ولإنجاز هدف "التمدين الدائم" فإن الصين لابد وأن تنشئ شبكة أمان جديدة. وقد يكون الإعلان عن إلغاء نظام الفصل سهلاً يسيرا، ولكن إلغاءه لا يعني شيئاً في غياب المؤسسات القادرة على تخفيف المخاطر التي يواجهها العمال المهاجرين من الريف في المدن الصينية.
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |