الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

لماذا "سِفْر الصين"؟ (صور)


لقد نصح الصينيون منذ قديم الزمان بأهمية "التدبر بعناية قبل مباشرة الفعل" وقال العماد الأصفهاني "إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتابا في يومه إلا قال في غده، لو غُير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل"، وأحسب أن هذا إن كان صحيحا بالنسبة لكل كتاب فإنه أكثر صوابا وصدقا بالنسبة لكتاب عن الصين. وأتمنى أن يكون هذا الكتاب عونا لمن يريد أن يعرف شيئا عن الصين، فرحلة الألف ميل - إلى الصين- تبدأ بالخطوة الأولى والتي هي في رأيي فهم الصينيين أنفسهم.

وقد شرفت بأن يكتب تقديما للكتاب السفير الدكتور محمد نعمان جلال، سفير مصر السابق لدى الصين وأحد أبرز المتخصصين في الشئون الصينية، والذي لم ينكر أن الكتابة عن الصين مهمة جد عسيرة، وهنا أنقل بعضا مما كتبه في تقديمه: "الصين تتغير بسرعة غير معتادة، مما يجعل الكتابة عنها تحتاج إلى تحديث الفكر والمعلومات باستمرار حتى لا يشعر المرء أنه يعيش ويتحدث عن عصر غير العصر. وأنه بعد الإطلاع على الكتاب، وجدته عميقاً وشاملاً من حيث المعلومات والتحليل والأفكار، فهو يجمع ما بين الكتابة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما بين الكتابة الصحفية السلسة، ويجمع ما بين السياسة والثقافة، إنه يهم العامة كما يهم الخاصة. إنه يتحدث عن صين كونفوشيوس كما يحلل صين دنغ شياو بينغ، إنه يتناول الفكر والدين والتقاليد والطقوس والمراسم بسهولة واقتدار. ومن ثم أصبحت المسيرة صعبة حول ماذا يمكن أن يكتب المرء في تقديمه لمثل هذا الكتاب.

يقارن المؤلف بين نظرة الصيني للدين ونظرة شعوب أخرى وأديان وعقائد أخرى. ولعل هذا يُذكر بمدارس الفلسفة في أوروبا في عصر النهضة التي تحدثت عن اختراع الإنسان للإله لملء الفراغ النفسي، وهذا بالطبع يختلف عن نظرة الأديان السماوية التي تذهب إلى أن الله هو الذي خلق الإنسان. ثم نجد عبقرية الشعب الصيني في تاريخه الثقافي، حيث نظرته لخلق الكون من كتلة من الهيولي ثم انشقاقها وهذا يعيد للذهن نظرية (الانفجار العظيم) في خلق الكون التي تحدث عنها بعض العلماء المعاصرين في أمريكا، رغم أن القرآن الكريم أشار إليها بقوله: (إن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) سورة الأنبياء الآية رقم 30، أي التصاق السماء والأرض ببعضهما في كيان واحد ثم فصلهما بواسطة الله سبحانه وتعالى. السؤال هو: أي من النظريات والمدارس تأثر بالآخر؟ وأيهما أسبق زمنياً؟ أم أنه لم تتأثر أي من تلك النظريات بالأخرى، وأن الإله هو المبدع الحقيقي للكون، ومن هذا المنطلق هو الذي وضع في عقل الإنسان في أقصى الشرق وأقصى الغرب وفي الوسط - حيث الأديان السماوية - نفس المفاهيم والأفكار.

و"سفر الصين" حشد فريد للمعلومات والتحليلات ويعد بحق ضرورة لكي يقرؤه كل شخص، لمعرفة كيف تفكر الصين اليوم وكيف تتطور وتتغير نحو المستقبل وما هي الخلفية الفكرية لكل ذلك.

ويمتاز الكتاب بثلاث سمات: الأولى، السلاسة في الأسلوب. الثانية، البساطة في استخدام الكلمات. الثالثة، فهم المؤلف للأفكار التي يطرحها ويعبر عنها، مما يجعله في سياق ما يسمى بالسهل الممتنع. فنظريات مثل ين ويانغ، والتي هي أحد المحاور الرئيسة للفلسفة الصينية، يشرحها المؤلف بأسلوب جذاب بحيث يربط فيها ما بين الأسطورة والخيال والفلسفة والحقيقة الكونية الثنائية، فتعاقب الليل والنهار، الظلام والنور، الرطوبة واليبوسة، الأنوثة والذكورة، يعبر عنها الكاتب في سطور قلائل ولكنها عميقة وواضحة.

 

(من العدد الثاني لعام 2009 لمجلة الصين اليوم)

 

شبكة الصين / 13 فبراير 2009 /



     1   2   3  




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :