الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

لماذا "سِفْر الصين"؟ (صور)


حسين إسماعيل

 

غلاف كتاب ((سِفر الصين))

عندما تم الاتفاق بين دار النشر باللغات الأجنبية ببكين وبيني بشأن إصدار كتاب حول تجربة حياتي وعملي في الصين، كان علي أن أقترح على الناشر عنوانا لمشروع الكتاب، فوقعت في حيرة بالغة. تذكرت وقتها كتابا لصحفي مصري كان عائدا بعد أربع سنوات عمل في

الولايات المتحدة وألف كتابا أعطاه عنوان "تفكيك أمريكا". تذكرت العبارة التي نطقت بها فور مطالعة عنوان الكتاب.. .. تفكيك مرة واحدة؟" مع إدراكي أن الكاتب يقصد تفصيل وشرح أمريكا. إذا كان الأمر كذلك، من وجهة نظري، بالنسبة لبلد عمره قرنان من الزمان أو يزيد قليلا، فما بالك بالصين ذات الخمسة آلاف عام؟

والحق أن عناوين كثيرة جالت بخاطري، غير أنني لم أجد أفضل من "سفر الصين"؛ ذلك أنه بالرجوع إلى معاجم اللغة تدهشك المعاني التي تشتمل عليها كلمة "سفر" والتي وجدتها تعبر إلى حد كبير عن رؤيتي للصين وتجربتي فيها ومعها، فالسفر بفتح الفاء يعني قطع المسافة والجمع أسْفارٌ، والسِّفْرُ بكسر السين هو الكتاب والجمع أسْفارٌ والسُّفْرةُ بالضم هي الطعام والسَّفِيرُ الرسول المصلح بين القوم والجمع سُفَراء،ُ وسَفَرَ بين القوم يسفر بكسر الفاء سِفَارَةً بالكسر أي أصلح، وسَفَرَ الكتاب كتبه، وأسْفَرَ الصبح أضاء. كما أن كلمة الأسفار لها ارتباط وجداني بالقداسة والغموض أحيانا، فنحن نشير إلى الكتابات البوذية مثلا بأنها الأسفار، وكذا أسفار العهد القديم. والسفر ليس مجلدا أو عملا موسوعيا وإنما كتاب ربما ضمن مجموعة كتب، فهو جزء من كُل. ولأنني أزعم أن أحدا لا يستطيع أن يكتب عن كل شيء في الصين، وكفى المرء أن يتعرض لقطرات من بحر معارف الصين الواسعة التي تكتنفها الأسرار، لم يرق لي عنوان أكثر من "سفر الصين"، وهنا كان ماثلا أمامي قول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في مذكراته "إن لدى الصين أسرارا لا متناهية، لذلك فإننا لن نعرف كل شيء عن الصين، ولكن ربما نستطيع أن نتعلم شيئاً منها…."..

وأعترف أنني كنت أتحسس وقع قلمي في كل كلمة وضعتها في " سِفْرُ الصين.. رحلةُ في فكر وحياةِ ومجتمعِ الصينيين". وأعتقد أن سطور مقدمة الكتاب تبين الحذر الذي يصل إلى حد التخوف من الكتابة عن الصين. كتبت في مقدمة هذا السفر: "الكتابة عن الصين وأنت في الصين، ليس كمثل الكتابة عنها وأنت خارجها، فالصين في الداخل تختلف، قليلا أو كثيرا، عن صورة الصين في الخارج، بجمالها أو قبحها. ولا شك أن الكتابة عن الصين، وخاصة في السنوات العشرين الأخيرة باتت غواية يقع في شراكها المفتونون بجمال الصورة والمنزعجون من قبحها، كما تصوره لهم تمنياتهم أو هواجسهم.



1   2   3    




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :