arabic.china.org.cn | 19. 10. 2023 |
المصدر: الصين اليوم
19 أكتوبر 2023 /شبكة الصين/ قدّم طريق الحرير القديم مساهمات تاريخية لا تُمحى في تشكيل الحضارات، وتحفيز الاختراعات، وإبداع الكنوز الأدبية والعلمية. حاليا، تضفي مبادرة "الحزام والطريق" حيوية جديدة على التقاليد العريقة للتبادلات الثقافية.
الرئيس الصيني شي جين بينغ، أشار وفي كلمة رئيسية له في التاسع عشر من مايو 2023، خلال افتتاح قمة الصين- آسيا الوسطى، إلى الرحلة التي قام بها مبعوث أسرة هان، تشانغ تشيان، إلى غرب الصين، انطلاقا من مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) بمقاطعة شنشي في شمال غربي الصين، قبل حوالي ألفي عام. في السابع من سبتمبر 2013، أي قبل حوالي عشر سنوات، في جامعة نزارباييف في كازاخستان، ذكر الرئيس شي اسم تشانغ تشيان، في حديثه عن تلك الرحلة التي كان هدفها فتح الأبواب لتعزيز الصداقة والتبادلات بين الصين والبلدان الواقعة غربها. وتحت عنوان "تعزيز الصداقة بين الشعوب وخلق مستقبل أفضل"، حدّدت كلمة الرئيس شي بعض المبادئ الأساسية لمبادرة "الحزام والطريق". ما الذي تعنيه هذه الإشارة لتلك الشخصية الرفيعة المستوى؟
لا يزال صدى هاتين الكلمتين المهمتين يتردد في مختلف أنحاء أوروبا اليوم، وخاصة في أسبانيا، مهد ثاني أكثر اللغات انتشارا في نصف الكرة الغربي. في الأول من يوليو عام 2023، تولت أسبانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد سياسي وحضاري فريد يتكون من 24 لغة وتقليدا وطنيا. لقد لعبت التبادلات الثقافية دورا مهما في تعزيز تقدم الحضارات في كل من منطقة الاتحاد الأوروبي والعالم، وهي حقيقة بديهية تستحق الاهتمام في عام يصادف الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة "الحزام والطريق"، ومرور خمسين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين أسبانيا والصين. من يمكنه أن ينسى أن عام 2014، أي بعد عام واحد فقط من إعلان شي في عام 2013 عن مبادرة "الحزام والطريق"، قد شهد استقبال مدريد لأول رحلة قطار على خط إيوو- مدريد، الذي يمر بخط السكك الحديدية العابر لسيبيريا في روسيا، باعتباره أطول خط سكك حديدية في العالم. ما تلي ذلك، هو بالتحديد ما قامت به الصين من الترويج لمشروعات البنية التحتية والاستثمارات قيمتها مئات المليارات من الدولارات الأمريكية على طول مسارات مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تشمل أوراسيا وخارجها، وقد أصبح الآن تاريخا.
مع ذلك، فإن أحد الإنجازات الأساسية للمبادرة يتمثل أيضا في التفاعل الثقافي الديناميكي، الذي يتجلى في الإبداع والرؤى والتبادلات الشعبية التي ولّدتها المبادرة. ويشهد على هذا التأثير انتشارُ المتاحف والمعارض الثقافية وغيرها من الأنشطة على طول الطرق في الصين وخارجها، حيث يلتقي ويتحدث السياح الصينيون وكبار المسؤولين بمودة وألفة. وعلى هذا الأساس، يبدو من المهم إعادة تقييم المفاهيم المحورية المختلفة في ثقافة الأسلاف الصينية والمعاصرة، والتي أضحت تنعكس في أوروبا. وهي تشمل مثلا "لكي تزدهر عليك أولا أن تبني طريقا" إلى مقولة "رحلة العشرة آلاف لي (وحدة قياس طول صينية)، تبدأ بخطوة واحدة" إلى "أ ليس ممتعا أن يكون لديك أصدقاء يأتون من بعيد؟"، كما نُقلت عن أقوال الفيلسوف الصيني الحكيم كونفوشيوس، الواردة ضمن مختارات "أحاديث كونفوشيوس".
خلال العقد الماضي، أشارت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو في الفترة من عام 2009 إلى عام 2017، غير مرة، إلى المساهمات التي قدمها طريق الحرير على مدى آلاف السنين في تشكيل الحضارات، وتحفيز الاختراعات، وتعزيز الإبداعات الفكرية، واستنباط الكنوز الأدبية والعلمية، ناهيك عن التقاليد والممارسات الفنية التي تتوارثها الأجيال. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي التقى مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في إبريل 2023 خلال زيارة الدولة التي قام بها للصين، حرص على تذكير الأكاديميين بلقائهم السابق في عام 2019، عندما قدم ماكرون إلى شي النسخة الفرنسية الأصلية من مقدمة لـمختارات "أحاديث كونفوشيوس"، التي نُشرت في أوروبا عام 1688. وأكد بتلك المناسبة على أن مثل هذه الترجمات المبكرة قد ألهمت المفكّرين الفرنسيّين مونتسكيو وفولتير، وبالتالي أثّرت على اثنين من المثقفين الغربيين الرئيسيين اللذين انهمكا في النقاشات حول أفضل السبل لتنظيم الحكومة وممارساتها. هذه المناسبة قد جسدت التبادلات المعاصرة في اتجاهين على طريق الحرير.
الحوكمة فن، كما أنها دبلوماسية، سواء مارسها دبلوماسيون أو علماء محترفون. في عامي 1999 و2000، كان من دواعي سروري أن ألقي محاضرات على طلاب أكاديمية كازاخستان الدبلوماسية حول أهمية الصين بالنسبة لأوروبا، وعن أهمية تعلم اللغة الصينية، وعن أسس الثقافة الصينية. وبعد أن أقامت كازاخستان علاقات دبلوماسية مع الصين، كان لرجال الأعمال والرواد الصينيين حضور واضح في ألماتا (عاصمة كازاخستان آنذاك). لكن أحدا من طلابي لم يكن قد سافر إلى الصين، جارتهم العملاقة. تلك الإقامة المجزية للغاية، جعلتني أدرك الإمكانات الهائلة للتبادلات الثقافية بين البلدان المشاركة في بناء "الحزام والطريق" وأهميتها. وأسهم ذلك الإدراك المتأخر في تعليمي شيئين؛ الأول، أن التحديث الصيني يتمتع بالقدرة، من خلال التعلم من الماضي، على تغيير الحاضر والمستقبل، وبالتالي تحفيز الأحلام، كما اتضح في إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" في سبتمبر 2013. والثاني، أن الأكاديميات والمعاهد الدبلوماسية، مثل تلك الموجودة في مدريد وروما والعواصم الأوروبية الأخرى، ومنها مقر اليونسكو في باريس، وتلك الموجودة بالتأكيد في الصين، قد لعبت دورا مهما جدا في تعزيز التبادلات الثقافية والشعبية.
ومثلما هو الحال مع المتاحف المفعمة بالحيوية التي تضم كتبا عن النظرية والممارسات، والأساتذة الذين يروجون للإستراتيجيات الإبداعية لتعزيز الفهم وتسوية النزاعات، يمكن لهذه الأكاديميات والمعاهد أن تسهم أكثر في دمج الماضي والحاضر، وتصبح أكثر قدرة على توقع المستقبل والتخطيط له. جامعة نانكاي، الجامعة الأم لرجل الدولة الراحل ومؤسس الدبلوماسية الصينية الحديثة، شو أن لاي، مثال آخر في هذا المجال. إنها مشبعة فعلا بالتقاليد الجامعية المميزة التي تشمل متحفا رائدا. هذا يعني أن الثقافة مهمة فعلا. لذلك، ليس من قبيل الصدفة أن يكون أوجينيو بريغولات أوبيولس، الأستاذ الفخري منذ عام 2013 في كلية شو أن لاي للإدارة الحكومية بجامعة نانكاي في تيانجين، والذي سجل رقما قياسيا عالميا في الدبلوماسية من خلال عمله كسفير لبلاده لثلاث مرات بالصين، شخصية أدبية أيضا.
لويس فرانسيسكو مارتينيز مونتيس، وهو ربما أحد أكثر الدبلوماسيين الأوروبيين استنارة اليوم، والذي يعمل حاليا في بروكسل، شخصية أدبية بارزة أيضا. في مايو 2023، قدم كتابه الأخير "عوالم مضيئة"، وهو عبارة عن تاريخ عالمي لأسبانيا في اثنتي عشرة مخطوطة غير عادية، في معهد الدبلوماسية في مدريد. في هذا العمل وغيره، يدعو المؤلف، في سياق عالم اليوم المتعدد الأقطاب، إلى سرد مشترك للحاضر والمستقبل بين الحضارات المختلفة، في مواقع بارزة في العالمين الناطقين بالصينية والأسبانية.
من المؤكد أن إعادة تقييم دور التبادلات الثقافية تقودنا إلى رؤية دور خطوط السكك الحديدية بعيون مختلفة، وخاصة أهمية خط إيوو- مدريد، وهو أطول خط سكك حديدية في العالم. ولنضع في اعتبارنا أن هذا الخط يمر عبر الصين وكازاخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا، ويمتد دون عوائق إلى إيطاليا بل وحتى بريطانيا، حتى في ظل الصراع العنيف في شرقي أوروبا. في نوفمبر 2018، وبفضل الذكرى السنوية الرابعة لتدشين لخط إيوو- مدريد، والتي تزامنت معها الزيارة التي قام بها شي جين بينغ لأسبانيا احتفالا بذكرى مرور 45 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية- الأسبانية، كنت محظوظا فعلا للترحيب بطلاب من جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية، في متحف السكك الحديدية في مدريد. ومع شعارات مثل "ييشينأو (ييشينأو تشير إلى خط إيوو- مدريد)، وجولة دراسية، نوفمبر 2018" وفي ظل خلفية منصات ومسارات تعرض قاطرات قديمة، انهمك الطلاب الصينيون في دردشة حيوية مع طلاب محليين، وأشخاص من مختلف مناحي الحياة، ومنهم رواد أعمال. إن رؤية تاريخ يتشكل قد جسّدت لحظات عاطفية بالنسبة لي.
علاوة على ذلك، هناك أمور ملموسة. فهناك عمليات مقايضة وتبادلات بعملات متنوعة على طول طريق الحرير، يتم إحياؤها بكل أهميتها في ظل وضع جديد. إننا نشهد ذلك في ظل تراجع هيمنة العملة الرئيسية في القرن العشرين، الدولار الأمريكي، لصالح العودة إلى التعاملات بمختلف العملات بين المزيد من البلدان المشاركة في بناء "الحزام والطريق". وفي هذا الصدد، تهيئ المتاحف، حيث يتعايش الفن والتاريخ، بما في ذلك العملات المعدنية، مساحات للحوار في عالم اليوم المتجه فعلا لتعدد الأقطاب.
--
أوغوستو سوتو، مدير مشروع الحوار مع الصين، ومقره أسبانيا.
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |