وفي الأشهر الأخيرة، أولى المجتمع الدولي اهتمامه بشكل عام للجهود التي تبذلها الصين للتوسط النشط في الأزمة الأوكرانية. وقد أظهرت الصين ثقة ثقافية جديدة في التعامل مع علاقاتها بأوروبا والولايات المتحدة، واستثمرت بنشاط في دعم تنمية الدول النامية والناشئة في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأصبحت المبادرات العالمية الكبرى الثلاث التي اقترحتها الصين رمزا لمكانة الصين الدولية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دول البريكس الثلاث، جنوب أفريقيا والبرازيل والهند، لا تشارك بشكل مباشر في الصراع الروسي الأوكراني، كما أنها تدعو إلى حل سلمي للأزمة.

وسواء كان الأمر يتعلق بالاستراتيجيات الطويلة المدى لدول البريكس أو المبادرات الرئيسية الثلاث التي اقترحتها الصين، فإنها لا يمكن فصلها عن نظام دولي سلمي وآمن وعادل. وبهذه الطريقة فقط يمكننا تعزيز تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. 

ولا يشكل الاجتماع الخامس عشر لقادة مجموعة البريكس تقييماً للاستراتيجيات الخمس الطويلة الأجل لدول مجموعة البريكس فحسب، بل إنه أيضاً تقييم لتأثير المبادرات الرئيسية الثلاث الصينية. وقد حققت دول البريكس بعض أهدافها الاستراتيجية من خلال إنشاء بنك التنمية الجديد وإنشاء ترتيبات جديدة للتجارة والعملة. وفي الوقت نفسه، يعمل رؤساء دول البريكس أيضا معا لتعزيز السلام والأمن العالميين.

وبالإضافة إلى ذلك، كانت دول البريكس في طليعة معركة مكافحة جائحة كوفيد-19 في البلدان النامية، وخاصة البلدان الأفريقية. وأدت الصين وجنوب أفريقيا أدوارا رئيسية في توفير اللقاحات والدعم للدول الأفريقية. وفي يونيو من هذا العام، خلال قمة اتفاق التمويل العالمي الجديد في فرنسا، انتقد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بشدة تلك البلدان التي كانت صماء وبكماء عندما كانت أفريقيا في حاجة إليها. وكان لمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين تأثير كبير على البلدان النامية ودول البريكس الأخرى من خلال الاستثمارات في تشييد البنية التحتية. ولتحسين التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، تسعى دول البريكس إلى تقاسم التقنيات المبتكرة لتعزيز قدرات تقديم الخدمات بين الاقتصادات الأعضاء والاقتصادات الإقليمية الشريكة.

ويصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة "الحزام والطريق" ونموذج التنمية الجديد في الصين. ولا يسعنا إلا أن نتساءل: هل تستطيع دول البريكس والصين تجاوز العلاقة الحالية المتعددة الأطراف واستكشاف نموذج تنمية جديد حتى تتمكن دول البريكس وغيرها من البلدان في آسيا وأوروبا وأفريقيا من التحرك في اتجاه أكثر تعددية؟ ولكي يكون التعاون فيما بين بلدان الجنوب مجديا، يجب على البلدان النامية والاقتصادات الناشئة أن تعمل على زيادة تعزيز التعاون والاستجابة للتحديات في تعزيز التوظيف الكامل، والعدالة الاجتماعية، وأهداف السياسات المتمثلة في القضاء على الفقر وعدم المساواة. وفي ديسمبر 2022، ألقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي كلمة في ندوة الوضع الدولي ودبلوماسية الصين، مشيراً إلى أن 150 دولة و32 منظمة دولية انضمت إلى مبادرة "الحزام والطريق"، وقال: "في رحلتنا الجديدة، نحن سنلتزم بطموحنا ومهمتنا الأصلية، ونلتزم بالتحديث الصيني النمط، ونلتزم بالتنمية السلمية، ونلتزم بالعالم في أذهاننا، ونلتزم بالانفتاح الرفيع المستوى، ونلتزم بالاستقلال، ونلتزم بالحوار بين الحضارات، ونلتزم بروح النضال."

ومع ذلك، لكي يكون لآلية تعاون البريكس ومبادرة "الحزام والطريق" واستراتيجية الصين تأثير كبير على الجنوب العالمي، فمن الضروري التأكد من أن نموذج التنمية الجديد يمكنه تعزيز النمو والتنمية المتناغمين والمستدامين بين دول البريكس والصين والدول النامية وشركاء الأسواق الناشئة في المجالات المتعددة الأطراف، من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة والنتائج المربحة للجميع. 

وربما يكون من السابق لأوانه في الوقت الحاضر تحقيق جميع أهداف الاستراتيجيات الخمس الطويلة المدى لمجموعة البريكس والمبادرات الرئيسية الثلاث للصين بشكل كامل، ولكن مع عقد قمة البريكس في جنوب أفريقيا، شعرت كل من الأخيرة والصين بعمق أنهما تضيفان إلى استراتيجية الفوز المشترك للتعاون العالمي بين بلدان الجنوب، وإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، والمساهمة في القضية العظيمة لتحسين رفاهية البشرية جمعاء.

-------------------------------------------------

* الكاتب هو المدير السابق لمركز أبحاث البريكس التابع لمجلس أبحاث العلوم الإنسانية بجنوب افريقيا (HSRC) وأستاذ زائر في كلية الأعمال الدولية المشتركة بجامعة تشجيانغ.