بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

25 أغسطس 2023 /شبكة الصين/ أقيمت القمة الـ15 لمجموعة بريكس في عاصمة جنوب إفريقيا جوهانسبرج من 22 إلى 24 أغسطس 2023، وتضم مجموعة بريكس البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويبلغ عدد سكان هذه الدول مجتمعة أكثر من 3.2 مليار نسمة، وهو ما يمثل نحو 42% من سكان العالم، كما تمثل هذه البلدان مجتمعة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي و17.9% من التجارة العالمية في عام 2021.

بدأت المفاوضات لتشكيل مجموعة بريكس منذ عام 2006 وعُقد أول مؤتمر قمة لها عام 2009، وكان أعضاء المجموعة مؤلفا من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين تحت اسم "بريك" ثم انضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2011 ليصبح اسمها "بريكس"، وأصبحت هذه المجموعة منصة لمعالجة القضايا العالمية والاقتصادية، ثم أطلقت المجموعة بنك التنمية الجديد (NDB) برأس مال أولي قدره خمسين مليار دولار يعمل كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وخاصة لتمويل المشاريع الكبرى مثل البنية التحتية في هذه الدول. كما عملت الدول الأعضاء داخل المجموعة منذ تأسيسها على تعزيز التعاون فيما بينها والربح المشترك وإقامة مدن ذكية وبنية تحتية متطورة واستعمال الرقمنة والتكنولوجيا المتطورة في مختلف المجالات، ليصبح لهذه المجموعة ثقل اقتصادي عالمي، إذ بلغت مساهمة دول بريكس 31.5% في الاقتصاد العالمي في عام 2022 في المقابل تساهم الدول الصناعية السبع (G7) بنسبة 30.7%، وبلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022 حوالي 25.9 ترليون دولار أمريكي. وكل هذا يبرز أهمية استقرار هذه الدول وتأثيرها على مسار الاقتصاد العالمي في نفس الوقت، إذ تُعتبر مجموعة بريكس محور اهتمام للعديد من الدول بهدف الانضمام إليها، حيث أعربت أكثر من أربعين دولة من العالم عن رغبتها في الانضمام إلى هذه المجموعة. وتظهر أهمية مجموعة بريكس أيضا في اتباع الدول الأعضاء لمبدأ الشراكة المتساوية والالتزام بالتعاون والكسب المشترك بين جميع الأعضاء، كما تتميز المجموعة بتقديم تعاون اقتصادي وتجاري كبيرين ولا تتبع دول المجموعة أي توجهات سياسية داخل بريكس، لذلك يُعتبر التعاون التجاري داخلها موثوقا به وشاملا.

وخلال القمة الـ15 لبريكس 2023، اجتمع قادة الدول الخمس للتشاور حول مسار التنمية المشترك وتطوير اقتصادات المجموعة في المستقبل وتوسيع المجموعة، كما حضر هذه القمة قادة عشرات الدول الأفريقية وغيرها من دول الأسواق الناشئة والدول النامية. ومن بين أهم المواضيع التي تم تداولها في القمة هي كيفية تعزيز تكريس الثورة الصناعية الجديدة من أجل تعميق التعاون في مجالات الرقمنة والابتكار والتصنيع وضمان تدفق أكبر للسلع بين الدول المعنية وتوفير المزيد من الاستقرار في سلاسل التوريد. وما يميز قمة هذا العام، أنه تم دمج الدول الأفريقية في المحادثات، لتقدم مجموعة بريكس رسالة مفادها أن التعددية والتنمية المشتركة تشمل أيضا الجنوب العالمي وأن هذه الأسواق الناشئة قوة دافعة أساسية للنمو العالمي مع تعزيزها لعلاقات دولية أكثر ديمقراطية.

تلعب الصين دورا مهما داخل مجموعة بريكس وتسعى إلى تعزيز التعاون مع بقية الدول الأعضاء في مختلف المجالات وخاصة منها المتطورة وعالية الجودة، حيث أكد الرئيس الصيني في كلمة ألقاها في جوهانسبرج بتاريخ 23 أغسطس 2023 تحت عنوان "السعي وراء التنمية بالتضامن والتعاون وتحمل مسؤولية تعزيز السلام بالجرأة" على أن الصين ستنشئ "حضانة الابتكار العلمي للصين ودول البريكس في العصر الجديد بهدف دعم تحول نتائج الابتكار العلمي والتكنولوجي، وستبحث في إقامة منصة التعاون العالمي للمعطيات والتطبيقات للأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد لدول البريكس، استنادا إلى آلية التعاون للكوكبة الافتراضية من الأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد لدول البريكس". ودعا شي جين بينغ بقية دول الأعضاء إلى تطوير التعاون الشامل وتوسيع التعاون السياسي والأمني للحفاظ على السلام والأمان، والتمسك بالتنمية السلمية كاتجاه عام، وتوطيد علاقات الشراكة الاستراتيجية بين دول البريكس، وتعزيز التواصل الشعبي والثقافي والاستفادة المتبادلة بين الحضارات، وتوسيع التعاون في مجال التربية والتعليم، والتمسك بالعدالة والإنصاف لاستكمال الحوكمة العالمية.

تزداد أهمية مجموعة بريكس خاصة مع تزايد الحمائية والتجاذبات السياسية والصراعات الاقتصادية في العالم، وقد أبرزت هذه المجموعة في السنوات الأخيرة تعاونا مميزا، وستكون لها وزن أكبر على المستوى العالمي وخاصة بعد اتفاق قادة بريكس في 24 أغسطس 2023 على دعوة ست دول للانضمام إلى المجموعة، وهذه الدول هي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وستتمتع بالعضوية الكاملة بداية من الأول من يناير 2024، حيث تسعى مجموعة بريكس إلى توسيع تعاونها العالمي دون استثناء الدول الأخرى وهو ما يصنع الفارق بينها وبين المجموعات والمنظمات الأخرى، فهي تختلف عن الروتين التقليدي في نظامها العام، وأبرزت أنها منظمة منفتحة وشاملة وتقوم على الحوار العام مع المجتمع الدولي.