arabic.china.org.cn | 13. 03. 2023 |
13 مارس 2023 /شبكة الصين/ حظيت الدورتان السنويتان في الصين، واللتان عُقدتا بداية من الرابع من مارس 2023، ولمدة أسبوعين، بأهمية استثنائية، ليس بالنسبة للصين فحسب، وإنما أيضا بالنسبة لكافة دول العالم. وذلك انطلاقا من عوامل عدة مهمة، داخلية وخارجية، ألقت بظلالها على ما تمخضتا عنه من مخرجات في غاية الأهمية للسياسة الصينية ببعديها الداخلي والخارجي. وهي النتائج التي تُعد خارطة طريق لمستقبل الصين والعالم، لما سيترتب عليها من تحقيق المزيد من الإنجازات والتنمية للصين وشعبها، وكذلك لشعوب العالم، رغم ما قد تواجهه بكين من رياح معاكسة، لن تستطيع- بفضل قيادتها الواعية- إعاقتها عن الاستمرار في مسيرة نهضتها وتنميتها السلمية، وطرح رؤاها وأفكارها للعالم.
أهمية بالغة للدورتين
"الدورتان السنويتان"، أو (ليانغهوي) باللغة الصينية، مصطلح يُطلق على الاجتماع السنوي الذي يجمع المشرعين والمستشارين السياسيين من مختلف أرجاء الصين، لمناقشة وإقرار خارطة طريق للسياسات الوطنية للصين داخليا وخارجيا لمدة عام. حيث يتم خلاله تحديد أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي للبلاد والخطط والسياسات المتعلقة بالاقتصاد والدفاع والتجارة والدبلوماسية والبيئة.. إلخ.
وقد عُقدت دورتا هذا العام في ظل أجواء معقدة على المستويين الداخلي والخارجي. وهو ما يجعلهما تحظيان بصورة دائمة باهتمام رسمي وشعبي وإعلامي كبير على كافة الأصعدة المحلية والدولية، في ظل المكانة الجوهرية التي باتت تحظى بها الصين في عالم اليوم.
فعلى المستوى الداخلي، جاءت الدورتان بعد مرور ما يزيد على أربعة أشهر من عقد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2022، والذي نجح في تحقيق نتائج إيجابية تصب في إطار مُضي الصين قُدما في سبيل إنجاز هدفها ببناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل. كما أقر المؤتمر مفهوما جديدا، وهو التحديث الصيني النمط، لتحقيق الرخاء الداخلي، وفي الوقت نفسه التعاون المربح لكافة دول العالم عبر العديد من القنوات والمبادرات التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كما أنهما أول دورتين تُعقدان في فترة الولاية الجديدة للحزب الشيوعي الصيني ومدتها خمس سنوات (2023- 2027). وكذلك، بعد قيام الصين في ديسمبر 2022 بتعديل إجراءات استجابتها لمكافحة كوفيد-19 بعد ثلاث سنوات من الإغلاق المتواصل. علاوة على تزامن انعقاد دورتي هذا العام أيضا مع مرور عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق التى أطلقها الرئيس شي في عام 2013، والتي أسهمت بشكل كبير في رفع الفقر عن مناطق كثيرة في العالم.
ومن حيث المضمون، تتجلى أهمية الدورتين في أنه يتم خلالهما الكشف عن سياسات وخطط الصين خلال عام مقبل على المستويين الداخلي والخارجي. فداخليا، يتم وضع الخطوط العريضة لسياسات الصين المتعلقة بالعديد من المجالات، ومن أبرزها الاقتصاد والتنمية والتجارة، والدفاع، والمجتمع، والبيئة.. إلخ. وذلك بهدف العمل على استعادة النمو الاقتصادي وتحفيز خلق فرص العمل، والتي تأثرت بكوفيد- 19، ناهيك عن كيفية التعامل مع المشكلات التي يواجهها المجتمع الصيني. وخارجيا، تتضمن تلك الخطط الإفصاح عن أبرز توجهات السياسة الخارجية للصين في إطار علاقاتها مع العالم الخارجي، وكذلك توجهات سياستها الدفاعية للتعامل مع التحديات الأمنية للبيئتين الإقليمية والدولية.
أما على المستوى الخارجي، فمن المعلوم أن كافة دول العالم تنتظر بشغف القرارات والرؤى التي يتم الكشف عنها خلال الدورتين، خاصة في ظل انعقادهما في سياق ظروف عالمية معقدة ومشكلات اقتصادية وحروب، وبزوغ عالم متعدد الأقطاب، فضلا عن صراعات وأوبئة لم يشهدها العالم منذ أكثر من مائة عام. وعلى الرغم من النجاحات العديدة التي حققتها الدبلوماسية الصينية لجهة علاقات الصين مع العالم الخارجي، فإنها واجهت خلال الفترة الأخيرة تحديات خارجية عديدة شملت العديد من المجالات، ولاسيما السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي التحديات التي كانت لها انعكاساتها على مناقشات الدورتين، وما تمخضتا عنه من مخرجات ونتائج. ولعل من أبرز هذه التحديات التوتر الملحوظ في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودخول الأزمة الأوكرانية عامها الثاني، والتي قامت الصين بطرح ورقة توضح موقفها من التسوية السياسية لها.
مخرجات مهمة داخليا وخارجيا
تعاملت الدورتان السنويتان بإيجابية في مواجهة التحديات العديدة المُشار إليها سابقا، وهو ما تجلى فيما أكدت عليه من مخرجات مهمة، داخليا وخارجيا. فعلى المستوى الداخلي، ومن خلال استقراء ما تضمنته تصريحات الرئيس شي، وكذلك تقرير عمل الحكومة أمام الدورتين، يمكن الإشارة إلى النتائج المهمة التالية:
- التأكيد على أهمية دور القطاع الخاص في تحقيق الحلم الصيني، حيث أشاد الرئيس شي في كلمته أمام الدورة الأولى للمجلس الوطني الـرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني بالقطاع الخاص، باعتباره قوة مهمة في السعي لتحقيق الهدفين المئويين والحلم الصيني المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية.
- التغييرات الجديدة في النخبة الصينية، حيث شهدت الدورتان الإعلان عن التعديلات الجديدة في الوظائف الحكومية العليا السياسية والاقتصادية، بما في ذلك إعلان الرئيس الجديد لمجلس الدولة، ونوابه والوزراء الجدد. وقد تم اختيار لي تشيانغ كرئيس لمجلس الدولة. كما شهدت الدورتان انتخاب شي جين بينغ بالإجماع رئيسا لجمهورية الصين الشعبية ورئيسا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية. وتم انتخاب هان تشنغ نائبا للرئيس الصيني. فضلا عن انتخاب تشاو له جي رئيسا للجنة الدائمة للمجلس الوطني الـرابع عشر لنواب الشعب الصيني.
- إعلان الحكومة الصينية عن استهداف تحقيق نمو اقتصادي بنحو 5% في عام 2023، والتأكيد على الالتزام بالانفتاح العالي المستوى. حيث تعهد الرئيس شي خلال حضوره مناقشات الدورة الأولى للمجلس الوطني الـرابع عشر لنواب الشعب الصيني ببذل جهود لتلبية متطلبات بناء اقتصاد السوق الاشتراكي الرفيع المستوى وتعزيز الانفتاح العالي المستوى. كما أشار تقرير عمل الحكومة إلى أنه بعد ثلاث سنوات من التباطؤ بسبب قيود مكافحة كوفيد "يشهد الاقتصاد الصيني انتعاشا قويا".
- طرح مشروع تعديل القانون التشريعي، والذي يتضمن موضوعا خاصا لدعم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة وتطويرها، بهدف تعزيز الضمان القانوني للديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، "ما يسهم في بلورة الآراء العامة للشعب وحكمته بشكل أفضل".
أما على المستوى الخارجي، فقد تضمن تقرير عمل الحكومة التأكيد على ثوابت توجهات السياسة الخارجية الصينية تجاه قضاياها الرئيسية، والتي تضمنت: التأكيد على مبدأ "الصين الواحدة" فيما يتصل بالتعامل مع مسألة تايوان، والتمسك بالسياسة الخارجية السلمية والمستقلة، والسير في طريق التنمية السلمية، ودفع بناء نمط جديد من العلاقات الدولية، علاوة على بناء رابطة المصير المشترك.
هذا بالإضافة إلى الإعلان عن الميزانية العسكرية الصينية لهذا العام، والتي قُدرت بنحو 7ر1553 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي حاليا 8ر6 يوانات تقريبا)، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 2ر7%، وبارتفاع في نسبة الزيادة بـ 1ر0% على أساس سنوي، وذلك بهدف مواجهة التحديات الأمنية المعقدة وللوفاء بمسؤوليات الصين كدولة كبرى.
ويضاف إلى ما سبق، ما يتيحه استمرار الصين في الانفتاح على العالم الخارجي من فرص جديدة لنمو الاقتصاد العالمي، في ظل تطلع مجتمع الأعمال العالمي إلى فرص جديدة ناشئة عن التنمية العالية الجودة والانفتاح العالي المستوى على صعيد البلاد. حيث تُعد الصين نقطة جذب قوية للاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية.
وفي الإطار ذاته، أفصح وزير خارجية الصين تشين قانغ، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده على هامش الدورتين، عن أبرز ملامح وتوجهات سياسة بلاده وعلاقاتها الخارجية خلال الفترة القادمة، ومن أبرزها:
- عرض وتسويق مفهوم التحديث الصيني النمط، وضرورة احترام حق الدول في اتباع مسار التحديث والتنمية بما يتناسب مع ظروفها الوطنية.
- التأكيد على موقف الصين الثابت تجاه قضية تايوان، وتحذير واشنطن بأن عدم تغيير أسلوبها تجاه الصين سيترتب عليه حدوث صراع ومواجهة بين البلدين، واصفا تايوان بأنها جزء من الأراضي المقدسة الصينية.
- وصف العلاقات الصينية- الروسية بأنها إستراتيجية، وتسهم في تشكيل عالم متوازن ومتعدد الأقطاب، ولا تستهدف أي طرف ثالث.
- توضيح موقف الصين تجاه الأزمة الأوكرانية، ورفضها لمنطق العقوبات والتهديدات، باعتباره لن يؤدي إلى إنهاء الأزمة، علاوة على تأكيد أن آسيا ليست أوكرانيا.
- تأكيد أهمية مبادرة الحزام والطريق في تحقيق نتائج مربحة للجميع، فهي مبادرة عملية ومنفتحة، وتتمسك بمبدأ التشاور المكثف، والمساهمة والمنافع المشتركة. ورفض الاتهامات المزعومة الموجهة للصين بخلق ما يُسمى "فخ الديون" في الدول النامية.
- تأكيد ارتكاز العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي على المصالح الإستراتيجية للطرفين، وعدم خضوعها لأطراف ثالثة. حيث تعتبر الصين الاتحاد الأوروبي شريكا إستراتيجيا شاملا وتدعم التكامل الأوروبي.
خمس سنوات من الإنجازات الملموسة
شهدت فترة السنوات الخمس الماضية، من 2018 إلى 2022، تحقيق الصين إنجازات ملموسة في العديد من المجالات، والتي كشفت عنها تصريحات الرئيس شي خلال الدورتين، وكذلك تقرير عمل الحكومة. في كلمته أمام الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أكد الرئيس شي "أن عام 2022 كان ذا أهمية كبيرة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني والدولة، حيث شهد إنجازات مثمرة في قضية الحزب والدولة. وأن السنوات الخمس الماضية كانت بالغة الأهمية واستثنائية، إذ سجلت الصين متوسط معدل نمو اقتصادي سنوي بلغ 2ر5% خلال هذه الفترة، وانتصرت في المعركة الحاسمة ضد الفقر، وانتهت من إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وشرعت في رحلة جديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل".
وبدوره، رصد تقرير عمل الحكومة أمام الدورتين الإنجازات التي حققتها الصين خلال السنوات الخمس الماضية، ولاسيما في المجال الاقتصادي والتجاري، والانفتاح على العالم الخارجي، ومن أبرزها:
- نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 121 تريليون يوان بمعدل سنوي متوسط قدره 2ر5%.
- تعزيز التعاون العالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث زادت الواردات والصادرات بين الصين والدول الأخرى المشاركة في المبادرة بمعدل سنوي 4ر13%، كما سجلت التبادلات والتعاون بين الصين وهذه الدول تقدما كبيرا في مجموعة واسعة من المجالات.
- استمرار الالتزام بسياسة الانفتاح بشكل أوسع على العالم وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري الدولي لتحقيق نتائج متبادلة المنفعة، علاوة على تبني إستراتيجية أكثر استباقية للانفتاح، والعمل على تعزيز الإصلاح والتنمية من خلال الانفتاح العالي المستوى.
- تطوير أشكال جديدة للتجارة الخارجية، حيث شيدت 152 منطقة تجريبية شاملة للتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، ودعمت إنشاء مستودعات في الخارج.
- حافظت واردات وصادرات الصين على استقرارها، وتحسنت جودتها. كما تقدمت الصين بتجارب التنمية المبتكرة لتجارة الخدمات على نحو شامل واعتمدت القائمة السلبية لتجارة الخدمات العابرة للحدود.
- تبني خطوات استباقية وفعالة للاستفادة من الاستثمار الأجنبي، إذ تم إنشاء نحو 21 منطقة تجارة حرة تجريبية في الصين، واتخذت خطوات ثابتة في تطوير ميناء هاينان للتجارة الحرة.
- توقيع ست اتفاقيات للتجارة الحرة ورفع مستواها حديثا، وزادت حصة التجارة مع شركاء التجارة الحرة للصين من 26% إلى نحو 35% من إجمالي حجم التجارة الصينية.
والحقيقة التى أسجلها بحكم عملي كدبلوماسي مصري سابق في بكين، أنه في السنوات العشر الأخيرة، أقامت الصين أكبر نظام للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى وجود نظام طبي وصحي متميز، وظهر هذا بشكل واضح إبان فترة انتشار وباء كوفيد- 19، وقد استفاد جميع الصينيين من إنجازات التنمية، حيث تم انتشال ما يقرب من مائة مليون شخص من الفقر، وتم حل مشكلة الفقر المدقع بشكل مبهر ونموذج ناجح جدير بأن تحتذي به الدول الفقيرة والنامية.
خلاصة ما سبق، أن جمهورية الصين الشعبية تسعى وتريد وتتبع أسلوبا تنمويا سلميا، فالحلم الصيني مرتبط بالمصالح المشتركة بين شعوب العالم. وكان ذلك واضحا من خلال ما قدمته الصين أثناء أزمة وباء كوفيد- 19، وكذا ما تقدمه من مشروعات واستثمارات في شتى أنحاء العالم للعمل علي نمو وازدهار الدول النامية والفقيرة، والعمل بمبدأ المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، حيث تعاونت الصين مع كافة دول العالم، وكذا المنظمات الدولية، وسعت جاهدة لتقديم يد العون للعديد من الدول، ولعل آخر هذه الخطوات هي المبادرة الصينية للسلام الخاصة بالأزمة الأوكرانية، حيث قدمت الصين مقترحا من 12 بندا لتحقيق السلام في أوكرانيا بالتزامن مع الذكرى الأولى لاندلاع الحرب التي لا تلوح في الأفق أي إشارة على قرب نهايتها. في الوقت نفسه قامت الصين بإلغاء كثير من الديون عن كاهل الدول النامية والفقيرة، ولا يمكن أيضا أن ننسى كيف ساهمت الصين في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008، وكيف تسعى جاهدة للمساهمة في الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
ونحن في هذا العام ننتظر النتائج الإيجابية للدورتين بالنسبة لدول العالم، خاصة الدول العربية الصديقة للصين، وفي ظل التأكيد الدائم علي أن الصين تفي بوعودها ليس لشعبها ومواطنيها، فحسب، وإنما أيضا لشعوب العالم كافة، وبصفة خاصة شعوب الدول النامية والفقيرة. ونأمل في أن تستفيد دول العالم كافة مما تقدمه الصين من فرص وأفكار، ولاسيما في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
--
أحمد سلام، المستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر لدى الصين.
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |