بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

21 أكتوبر 2022 /شبكة الصين/ يتمتع مفهوم الديمقراطية منذ القديم بأهمية كبيرة لدى مختلف الشعوب، وقد نال هذا المفهوم جزءا كبيرا من اهتمام الحضارات على مر العصور. وحتى الآن لا تزال كل الدول تسعى جاهدة إلى تحقيق أعلى مستوى لها في الديمقراطية في مختلف المجالات سواء الفكرية أو السياسة أو غيرها. ومن بين الدول التي تهتم بعمق بالديمقراطية هي الصين، حيث تسعى البلاد إلى تحقيق المزيد من التميز في مختلف الجوانب، كما تراهن الصين على رفاهية الشعب في جميع خططها الحالية والمستقبلية، وتسعى جاهدة إلى تطبيق الديمقراطية بشكل يخدم مصالح الشعب من خلال مفهوم "الديمقراطية الشعبية الصينية بعملياتها الكاملة"، والتي تعني بصفة شاملة تطوير كامل للدولة يخدم مصلحة الشعب، والدمج بين الديمقراطية الشعبية وإدارة الدولة الفعلية بطريقة قائمة على التنمية العامة وليس على الربح الفردي، كما تتمثل أهمية هذه الديمقراطية في تغطية كل جوانب الحياة واهتمامها باحتياجات الشعب في كافة المجالات.

تم اقتراح مفهوم "الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة" في نوفمبر عام 2019 وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لمركز قوبي المدني في شانغهاي، حيث اقترح شي ولأول مرة أن تتبع الصين "طريق التنمية السياسية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأن الديمقراطية الشعبية هي نوع من الديمقراطية بعملياتها الكاملة". وفي مارس عام 2021، تمت كتابة المفهوم السياسي الرئيسي لـ"الديمقراطية بعملياتها الكاملة" رسميا في القانون الأساسي للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والذي أقره المجلس الوطني لنواب الشعب.

إن "الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة" تُمكّن الشعب من المشاركة في صنع القرار والقيام بشكل فعلي في توجيه الحكم في البلاد، حيث تتمتع الصين بميزة مختلفة عن بقية الدول التي تسعى إلى تحقيق هذا النوع من الديمقراطية، كونها تطبقها على 1.4 مليار نسمة بتنوع كبير يشمل 56 قومية، وتتميز بتماسك كبير بين أبناء هذه القوميات رغم اختلافهم، وذلك يعود إلى الحنكة في الإدارة الصينية في جعل كل القوميات تتمتع بتوجهها الخاص، وأيضا في طريقة الحكم في البلاد والتقسيم الإداري للمناطق منها مناطق ذات حكم ذاتي، وأخرى تقوم على مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، وفي كل الأنظمة الداخلية للبلاد وتنوعها، يتمتع فيها الشعب بالنصيب الأهم ضمن مخططات وسياسات الدولة.

ومن أجل تمتع الشعب بتحديد قرارات الدولة بشكل سلسل، أنشأت الصين آليات لمشاركة المواطنين مباشرة في إدارة شؤون الدولة وشؤون المجتمع، من بينها آلية "تلقي الشكاوى ومعالجتها بشكل فوري"، وأيضا المجالس الشعبية والتشاور السياسي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، ونظام الحكم الذاتي الإقليمي، كما تقوم الصين بالعديد من الاستطلاعات الشعبية العامة ويشارك المواطنون  في العديد من المشاورات الديمقراطية وصنع القرار والإدارة والرقابة، وهو ما يجعل الديمقراطية في الصين تهتم بكل المجالات وكل السلط بتنوعها ويجعل الشعب سيد البلاد. فعلى سبيل المثال تمت دعوة المواطنين للتعليق على مشاريع قوانين جديدة للبلاد وطُلب من المواطنين تقديم تعليقاتهم واقتراحاتهم على المواقع الرسمية ذات الصلة، ثم تقوم الحكومة بتبني العديد من هذه الاقتراحات وهو يجعل أصوات وآراء الشعب موجودة في القرارات الهامة للبلاد. وفي إطار أهمية تطبيق الديمقراطية الشعبية في الصين، أكد شي جين بينغ في عدة مناسبات على أن "الديمقراطية الاشتراكية التي تغطي جميع جوانب العملية الديمقراطية وجميع قطاعات المجتمع، هي الديمقراطية الاشتراكية الأوسع نطاقا والأكثر واقعية والأكثر فاعلية".

تقدم الصين في العصر الحديث نموذجا خاصا وشاملا للديمقراطية، وقد أكدت البلاد أن هذا المفهوم واسع ولا يمكن تحديده أو تطبيقه من قبل كل الدول بنفس الطريقة، فقد توجهت الصين إلى توسيع مفهوم الديمقراطية حتى تكون أكثر شمولية، وقد قال شي جين بينغ خلال المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني في 16 أكتوبر 2022 في تقرير قدمه بالنيابة عن اللجنة المركزية الـ19 بأن"الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة تُمثل طبيعة الديمقراطية الاشتراكية وجوهرها، وهي الديمقراطية الأكثر شمولا وصدقا ونجاعة"، كما أكد شي أنه  لا بد من "إكمال المنظومة المؤسسية لكون الشعب سيدا للدولة، وتوسيع المشاركة السياسية المنتظمة لأبناء الشعب، وضمان مشاركة الشعب في الانتخابات الديمقراطية والتشاورات الديمقراطية وصنع القرارات بالطرق الديمقراطية والإدارة الديمقراطية والرقابة الديمقراطية وفقا للقانون". إن الديمقراطية الشعبية الكاملة في الصين تتخذ الشعب الصيني جوهرا أساسيا لها، وتشمل كل الجوانب وكل الأنظمة في الدولة سواء من المنظور المؤسسي المتمثل في نظام المجلس الوطني لنواب الشعب وأيضا اعتماد نظام التشاور وهو ما دعا إليه شي من خلال ضرورة "تعزيز الضمان المؤسسي لكون الشعب سيدا للدولة"، وتهتم الديمقراطية الشعبية أيضا بتطوير الديمقراطية التشاورية بشكل شامل، وتطوير الديمقراطية القاعدية بنشاط، وتوطيد جبهة متحدة وطنية على نطاق واسع.

خلال مائة سنة من العمل المستمر، عمل الحزب الشيوعي الصيني على توفير مسيرة حافلة بالنجاحات للصينيين، وطورت البلاد تحت قيادة الحزب العديد من المفاهيم السياسية ذات الخصائص الصينية في العصر الحديث، لتتميز بنظام سياسي ومفاهيم فريدة في العالم، ومن بين هذه المفاهيم هي الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، والتي تسعى إلى تحقيق المزيد من الضمانات لحقوق المواطنين وتأسيس راية "النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" في نهج المسار الصيني. كما تواصل الصين في ديمقراطيتها الشعبية ضمان حقوق الإنسان وسيادة القانون، والمحافظة بحزم على العدالة والإنصاف الاجتماعيين، لكي يتمتع الشعب بحقوق ديمقراطية أوسع وأكثر تكاملا وشمولا.