الصفحة الأولى | حجم الخط  

مبادرة الحزام والطريق تكمل سنتها التاسعة على واقع مليء بالإنجازات والتحديات

arabic.china.org.cn / 15:17:23 2022-09-30

بقلم غسان إبراهمي، مدون ومتابع تونسي للشؤون الصينية


30 سبتمبر 2022 /شبكة الصين/ قبل نحو تسع سنوات، وتحديدا في سبتمبر وأكتوبر من عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق". مبادرة أراد منها الرئيس الصيني تعزيز التنمية المشتركة عموما لجميع الدول المطلة على أهم الممرات التجارية البحرية والبرية في العالم. جرت العادة أن تمر مثل هذه التسميات الدبلوماسية الرنانة مرور الكرام على مسامع العالم بعد أن تأخذ نصيبها من التصفيق ثم النسيان، فتُطوى وتُركن جانبا مع آلاف التصريحات والوعود والمبادرات الأشبه بالفقاعات، وما أكثرها في زماننا هذا. لكن الأمر كان مختلفا مع الحزام والطريق.

فلسفة مبادرة الحزام والطريق

لقد خاطب شي جين بينغ العالم، من خلال مبادرة الحزام والطريق، باللغة التي يفهمها ويجمع عليها الكل: تحقيق التنمية المشتركة والنفع المتبادل. وهي اللغة الأكثر بلاغة والأسرع وصولا إلى عقل ووجدان وثقة العالم. في السابق، كان مسار التنمية أحاديا في غالب التجارب ويصب في مصلحة دولة على أخرى. وقد أخذ أشكالا متعددة، الاستعمار كان أبرزها وأكثرها تشوها. أما مبادرة الحزام والطريق فتكفل توزيع ثمار التنمية على مختلف الأطراف المتداخلة في شرايين التجارة العالمية. المبادرة، على بداهة فلسفتها، كانت مستعصية على السواد الأعظم من كبرى دول العالم لعدة معوقات أبرزها غياب الثقة بسبب المطامع والخلفيات الاستعمارية لدول بعينها، حتى جاء شي جين بينغ ليطرح مبادرة بديلة مستعينا بتاريخ صيني مسالم غير استعماري، وقريب من العالم النامي ومن شواغله.

ترتكز فلسفة المبادرة أيضا على معرفة عميقة بجوهر التحديات العالمية وعلى رأسها التنمية المستدامة، خطر الإرهاب، ومكافحة الفقر. ليس خافيا على أحد أن هذه العناصر الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض. أثبت التاريخ الحديث أن بذور الإرهاب تتسرب إلى العقول حين تكون الأيادي خامدة (البطالة) وحين تكون الأمعاء خاوية (الفقر). لم تؤد الحلول الأمنية الصرفة من حروب وعمليات عسكرية إلا لتدهور الأمور وخروجها عن السيطرة. والأمثلة على ذلك كثيرة، أقربها ما حدث في العراق وأفغانستان من مآسي جراء الحروب التي شُنت تحت غطاء محاربة الإرهاب. أما التعويل على التنمية المستدامة لمنح المواطن الكرامة والظروف المعيشية المناسبة فكفيل بالقضاء على التطرف والمشاعر العدائية. وهنا يأتي دور مبارة الحزام والطريق. لقد رفعت هذه الأخيرة راية التنمية المستدامة كأول وآخر اهتماماتها. 

مبادرة الحزام والطريق في أرقام

تضم مبادرة الحزام والطريق بواقعها الحالي 150 دولة و32 منظمة دولية. هذه الأرقام تترجم شبه إجماع عالمي على أهمية المبادرة وإيمان جميع الأطراف المعنية بقدرتها على تغيير الواقع إلى الأفضل. لقد شهدت بالفعل غالبية الدول الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق مشاريع متفاوتة عادت بالنفع على مواطنيها واقتصاداتها. فهذا ممر باكستان الاقتصادي بمشاريعها الضخمة يوفر عشرات الآلاف من مواطن الشغل. وتلك السكة الحديدية ذات الـ 472 كيلومترا والرابطة بين العاصمة الكينية نيروبي وميناء مومباسا يرى النور وينتشل معه الآلاف من براثن الفقر. حتى الدول البعيدة جغرافيا عن الممرات التجارية القديمة، فقد بلغتها هي الأخرى نسائم المبادرة. كالأرجنتين مثلا أين انتفع حوالي 160 ألف منزل بالكهرباء في مقاطعة خوخوي شمالي البلاد بفضل محطة الطاقة الكهروضوئية. 

أما أوروبا المحسوبة على العالم المتقدم، فلم تكن هي الأخرى غائبة عن المبادرة، كيف لا وهي من أهم الفاعلين فيها ومن أبرز المساهمين على نجاحها. اليوم هناك أكثر من ثمانين خطا من خطوط السكك الحديدية الرابطة بين الصين وأوروبا حيث تصل القطارات الصينية إلى 200 مدينة في 24 دولة أوروبية. وقد لعبت هذه الخطوط دورا كبيرا في تخفيف وطأة أزمة النقل البحري جراء تداعيات وباء كورونا. وإن بقينا في فلك الأرقام، فلا بد من التعريج على هذه المعطيات: بناء 79 منطقة للتعاون الاقتصادي والتجاري في 24 دولة على طول مسارات مبادرة الحزام والطريق، 43 مليار دولار استثمارات مباشرة وغير مباشرة، و346 ألف فرصة عمل محلية، وتوقعات بانتشال 7.6 مليون شخص من الفقر المدقع و32 مليون شخص من الفقر المعتدل على الصعيد العالمي بحلول عام 2030 بحسب البنك الدولي. الأرقام هنا تتحدث لوحدها ولا تحتاج لمن يفسرها...

مستقبل المبادرة وتحدياتها

بلغت مبادرة الحزام والطريق اليوم سنتها التاسعة وقد ازدادت صلابة ونضجا. وتزداد دائرة الدول والمنظمات التي تنضم إلى الحزام والطريق اتساعا مع كل سنة. كما يجري بناء المشاريع على قدم وساق في أكثر من منطقة. استكمالا لهذه المسيرة الناجحة، فإن المستقبل يبشر بمزيد من المشاريع والتعاون والنفع المشترك. كما بدأت ملامح جديدة للتعاون في الظهور في السنوات الأخيرة لتشمل غير مشاريع البنى التحتية. وتأتي مشاريع التكنولوجيا المتقدمة وشبكات الجيل الخامس والتخزين السحابي على رأسها. كما يفرض الواقع الذي نعيشه اليوم أنماطا أخرى من التعاون التي تسعى مبادرة الحزام والطريق لتغطيتها كالتعاون في مجال مكافحة الأوبئة.

 تحديات المستقبل لن تكون بنفس ملامح تحديات اليوم. فإرهاب التطرف الديني بشكله التقليدي بدأ في الانحسار لتخلفه "إرهاب" الأوبئة و"إرهاب" الحروب التي تهدد استقرار العالم كالحرب الروسية الأوكرانية الراهنة. أما مخاطر الفقر والبطالة والتضخم الحاد ونقص إمدادات الطاقة، فقد تفاقمت في بلدان لم نكن نتخيل في السابق أنها ستطرق أبوابها يوما. معرفة أن أغلب هذه الدول هي شريكة رئيسية للصين في مبادرة الحزام والطريق تجعل من هذه الأخيرة أمام منعطف حاسم تتعرف فيه على تحديات جسيمة أخرى. ولكننا على ثقة كاملة بقدرة مبادرة الحزام والطريق على مواجهة هذه التحديات بحكمة قادة الصين وبمشاركة جميع الأطراف.

 في عالم مليء بالمتغيرات، تحافظ الصين على مواقفها الداعمة للتنمية البشرية المشتركة، لتمنح العالم جرعة كبيرة من الطمأنينة هو في أشد الحاجة إليها، وبمثل ما فعلت في أزمات سابقة كأزمة 2008 المالية.



الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي الموقع بالضرورة



   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
تحميل تطبيق شبكة الصين
 
انقلها الى... :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号