بقلم ون سه، خبيرة في السياسة الدولية

3 يونيو 2022 /شبكة الصين/ تتميز الثقافة الصينية بثرائها وتنوع عناصرها، فحتى اليوم لايزال الشعب الصيني يحافظ على جزء كبير من الأعياد التقليدية وأهمها عيد الربيع الصيني وعيد الفوانيس وعيد قوارب التنين وغيرها من الأعياد والمهرجانات الثقافية الأخرى التي تعود إلى آلاف السنين.

يحتفل الصينيون بعيد "دوانوو" أي مهرجان قوارب التنين، والذي يصادف اليوم الخامس من الشهر الخامس من كل عام في التقويم القمري الصيني، وهذا العيد يُعتبر من إحدى المناسبات والمهرجانات الثقافية المهمة وذات العمق الحضاري في الصين، حيث يتميز بروح التراث الشعبي بين مختلف الأجيال، ويتم خلاله تجسيد أساطير شعبية وإقامة مسابقات جماعية وتناول أطباق خاصة.

يعود مهرجان عيد قوارب التنين إلى ذكرى وفاة الشاعر الصيني "تشيوي يوان" قبل أكثر من 2300 عام، والذي عاش في عهد مملكة "تشو"، وعلى إثر دخول "العدو" واحتلال بلاده، عانى الشاعر من خيبة أمل تسببت في انهاء حياته والإلقاء بنفسه في النهر، الأمر الذي جعل سكان المنطقة يهرعون إلى النهر ويجدفون قواربهم بحثا عنه، كما حاولوا الحفاظ على كامل "جثة" الشاعر دون أن تأكلها أسماك النهر، وذلك عبر حيلة إلقاء الأرز المطهوّ وتحريك مياه النهر بكل قواهم. وقد تطورت هذه المحاولات لإنقاذ جثة الشاعر، لتصبح ركنا من عادات مهرجان عيد قوارب التنين، إذ يحتفل الصينيون بهذه الذكرى من خلال مسابقات التجديف وأيضا يرتبط هذا العيد بطبق "زونغتسي" وهو عبارة عن ملفوفات البامبو والأرز اللزج، ويتم حكي أساطير وروايات من خيال وواقع الأسلاف والتراث الصيني من جيل لآخر خلال هذا العيد.

يحتفل سكان مسقط رأس الشاعر بمقاطعة هوبي، بمهرجان قوارب التنين بطريقة خاصة، حيث تستقبل قرية الشاعر زوارا من مختلف بقاع الصين لمشاركتهم الأنشطة والعروض والاحتفالات الخاصة بهذه الذكرى. ليصبح هذا العيد مناسبة هامة لمواصلة توارث العادات التقليدية في الصين، وأيضا مناسبة هامة لدفع اقتصاد البلاد، حيث يتنقل الناس من منطقة إلى أخرى، ويشترون مستلزمات عديدة خاصة بهذا المهرجان، بالإضافة إلى القيام بأنشطة جماعية تختلف تفاصيلها من منطقة إلى أخرى، وهو ما يجعل البلاد تسودها روح احتفالية واستهلاكية مميزة.

يُعتبر عيد "دوانوو" إجازة رسمية في الصين وذلك لتشجيع مختلف الأوساط الشعبية في البلاد إلى الاحتفال وتوارث العادات والتقاليد والحفاظ عليها، ولتبقى ذكرى هذا العيد راسخة بين أفراد العائلات الصينية، حيث يجتمع الأصدقاء والأقارب ويلعبون ويتبادلون أطراف الحديث. إذ حافظت الأجيال الصينية رغم طول المدة على مثل هذه الأعياد التي تضرب في أعماق جذور الثقافة الصينية، وازدادت زينة هذا المهرجان في العصر الحديث بتوفير مستلزمات مختلفة للقوارب وألعاب مرتبطة بهذا العيد، كما يرتدي الناس في كامل الصين ملابس جديدة ويقومون باستخدام الشيح الطبيعي وأقمشة ملونة ومزركشة لخياطة النمور والحقائب الصغيرة وهي عبارة عن وسادات صغيرة يحملها الصغار ويعلقها الكبار في المنازل، وذلك ضمن عادات تبريكات الصينيين بتحقيق السلام والازدهار والسعادة، كما يتم أيضا تعليق الفوانيس على حافة الأنهار بالإضافة إلى التجمع من أجل القيام برقصة التنين الذهبي.

نظرا لما يتميز به مهرجان قوارب التنين من عمق حضاري وثقافي فقد قامت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بإدراج عيد "دوانوو" في قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي منذ عام 2009، وهو ما يعمل الصينيون على حمايته وتوارثه حتى اليوم، كما يلقى هذا العيد وغيره من المهرجانات الشعبية والتراثية في الصين تشجيعا كبيرا من قبل الحكومة والمسؤولين، من خلال تقديم كل التسهيلات للقيام بهذه الاحتفالات في كنف العائلة وهو ما يضمن سيرورة الموروث الثقافي في العصر الحديث.