标题图片
Home
arabic.china.org.cn | 13. 05. 2015

بديع الزمان الهمذاني - مخترع فن المقامات في القرن العاشر الميلادي 8

بقلم شيرين تشيان*

الجزء الثامن: المقامة والفروسية

13 مايو 2015 / شبكة الصين / لم يخبرنا الهمذاني عمر الإسكندري عن مظهره طوال مقاماته، ولم يشرح قط لماذا سافر البطل المتسول من مكان إلى آخر. ويريد الراوي عيسى بن هشام دائماً معرفة من أين حصل البطل على فصاحته الرائعة ومعارفه المتنوعة. وجاء عيسى ذات مرة إلى سوق في سجستان (المقامة السجستانية) وكان هناك "رجل على فرسه" يفتخر بعلمه فيما يلي:

مَنْ عَرَفَني فَقَدْ عَرَفَني، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفني فأَنا أُعَرِّفُهُ بِنَفْسي:

أَنَا باكُورَةُ اليَمَنِ وَأُحْدُوثةُ الزَّمَنِ، أَنَا أُدْعِيَّةُ الرِّجالِ، وَأُحْجيَّةُ رَبَّاتِ الحِجالِ،

سَلُوا عنِّي البِلادَ وَحُصُونَها، وَالجِبالَ وَحُزُونَها، وَالأوْدية وَبُطُونَها، وَالبِحارَ وَعُيُونَهَا، والخيلَ وَمُتُونَها، مَنِ الذَّي مَلَكَ أَسْوَارَها، وَعَرَفَ أَسْرَارَهَا، وَنَهَجَ سَمْتَها، وَوَلَجَ حَرَّتَهَا؟

سَلُوا المُلوكَ وَخَزَائِنَها، وَالأَغْلاقَ وَمَعادِنَها، وَالأُمُورَ وَبَوَاطِنَها، وَالعُلُومَ وَمَوَاطِنها، وَالخُطُوبَ وَمَغالِقَهَا، وَالحُروبَ وَمَضَايِقَهَا، مَنِ الذَّي أَخَذَ مُخْتَزَنَها، وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهَا؟ وَمَنِ الذَّي مَلَكَ مَفَاتِحَها، وَعَرَفَ مَصَالِحَها؟

أَنَا وَاللهِ فَعَلْتُ ذلِكَ...

وبالطبع فإن "باكورة اليمن" هو أبو الفتح الإسكندري نفسه. وعرف عيسى في نهاية المقامة أن المتسول ألقى هذه الكلمة المسجوعة الطويلة من أجل بيع دوائه إلى الجمهور فقط. ولاحظنا هنا أن الإسكندري يركب الفرس ويدعي فهم كل أسئلة عن "الخيل ومتونها". وفي الحقيقة، قد ذكر الهمذاني معرفة الإسكندري بـ"الخيل ومتونها" في أماكن أخرى في المقامات، مثلا في "المقامة الفزارية"، يظهر الإسكندري كأنه "رَاكِبٌ تامُّ الآلاَتِ". وفي الشعر النهائي لـ"المقامة الأذربيجانية"، ينشد الإسكندري البليغ أبياتاً تصف حياته كجوّالة:

أِنا جَوَّالةُ الـبِـلا دِ وجَوَّابِةُ الأُفُـقْأَ

أنَا خُذْرُوَفةُ الزَّمـا نِ وَعَمَّارَةُ الطُّرُقْ

لاَ تَلُمْنِي لَكَ الَّرشَا دُ عَلَى كُدْيَتي وذُقْ

تعتمد حياة الجوالة على الفرس والجمل. ومعرفة الخيل كانت أمراً حاسماً للملوك المولعين بالحرب أيضاً، فلا عجب أن الهمذاني، في مقامته "الحمدانية"، جعل الإسكندري يقدم وصفاً بديعاً لفرس سيف الدولة (916-967م)، الذي كان الأمير العظيم في الدولة الحمدانية (890-1004م). وجدير بالذكر أنه في طبعة المقامات التي أعدها محمد عبده (1849-1905م)، تأتي "المقامة الحمدانية" بعد "المقامة العراقية" التي تضمنت ستة عشر لغزاً شعرياً. وعلى نحو مماثل، وصف الإسكندري للفرس كان مكوناً من تسعة ألغاز عددية عن الفروسية. وفي هذه المقامة أيضا، القى الإسكندري كلمته عندما كان يركب فرساً:

فَرَكِبَهُ وَأَجْرَاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيرَ هُوَ طَويلُ الأُذُنَيْنِ، قَلِيلُ الإِثْنَيْنِ، وَاسِعُ المَرَاثِ، لَيِّنُ الثَّلاَثِ، غَلِيظُ الأَكْرُع، غَامِضُ الأَرْبَعِ، شَدِيدُ النَّفْسِ، لَطِيفُ الخَمْسِ، ضَيّقُ القَلْتِ، رَقِيقُ السِّتِّ، حَدِيدُ السَّمْعِ، غَلِيظُ السَّبْعِ، دَقِيقُ الِّلسَانِ، عَرِيضُ الثَّمانِ، مَدِيدُ الضِّلعَ، قَصِيرُ التِّسْعَ، وَاسِعُ الشَّجْرِ، بَعِيدُ العَشْرِ، يَأْخُذُ بِالسَّابحِ، وَيُطْلِقُ بِالرَّامِحِ. يَطلُعُ بِلائِحٍ وَيَضْحَكُ عنْ قَارِحٍ يَجُزُّ وَجْهَ الجَديدِ، بِمَدَاقِّ الحَدِيدِ، يُحْضِرُ كَالبَحْرِ إِذَا مَاجَ، والسَّيْلِ إِذَا هَاجَ، فَقَالَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ: لَكَ الفَرَسُ مُبَارَكاً فِيهِ...

ولم يسأل سيف الدولة عن أجوبة الألغاز مع أنه استمتع بحلاوة وصف الإسكندري. وكان كل ما يريده الأمير وضيوفه في المجلس هو شخص "أحسن صفته". ولكن كان عيسى، المعجب الحقيقي بفصاحة الإسكندري، يعرف استعمال الأعداد في وصف الفرس ليس من أجل تكوين القافية فقط (مثلا "الأذنين" مع "الإثنين")، ورغب في معرفة مفاتيح الألغاز العددية فتبع البليغ بعد أن انصرف الأخير من مجلس سيف الدولة. وعندما وعد عيسى أنه "لَكَ عَلَيَّ مَا يَلِيقُ بِهذَا الفَرَسِ مِنْ خِلْعَةٍ إِنْ فَسَّرْتَ مَا وَصَفْتَ"، أعطاه الأخير كل المفاتيح لألغازه. مثلا:

فَقُلتُ: مَا مَعْنَى قَوْلِكَ بَعِيدُ العَشْرِ، فقَالَ: بَعِيدُ النَّظَرِ وَالْخَطْوِ وَأَعَالِي اللَّحْيَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الوَقْبَيْينِ، وَالجَاعِرَتَيِنِ، وَمَا بَيْنَ الغُرَابَيْنِ وَالمِنْخَرَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ، وَمَا بَيْنَ المَنْقَبِ وَالصِّفَاقِ، بَعِيدُ الغَايَةِ فِي السِّبَاقِ، فَقُلْتُ: لاَ فُضَّ فُوكْ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ قَصِيرُ التِّسْعِ، قَالَ: قصِيرُ الشَّعْرَةِ قَصِيرُ الأُطْرَةِ قَصِيرُ العَسِيْبِ، قَصِيرُ العَضُدَيْنِ، قَصِيرُ الرُّسْغَينش، قَصِيرُ النَّسَا، قَصِيرُ الظَّهْرِ، قَصِيرُ الوَظِيفِ. فَقُلْتُ: للهِ أَنْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: عَرِيضُ الثَّمَانِ؟ قَالَ: عَريضُ الجَبْهَةِ، عَرِيضُ الوَرِكِ، عَرِيضُ الصَّهْوَةِ، عَريضُ الكَتِفِ، عَرِيضُ الجَنْبِ، عَرِيضُ العَصَبِ، عَرِيضُ البَلْدَةِ، عَرِيضُ صَفْحَةِ العُنُقِ.

وفي النص التالي، فسّر الإسكندري لعيسى ما هي معاني "الإثنين" حتى "التسع" وحصل على الهدية الموعودة له من عيسى. ونود اقتراح أن هناك علاقات وثيقة بين الفرس والإسكندري في هذه المقامة. أولا، يظهر الإسكندري كشخص ذي معرفة بالفروسية وكان من طاقته أن يصف خصائص الفرس بألغاز مسجوعة. وثانيا، مع أن الأمير كافأ الإسكندري بالفرس الموصوف تقديرا لبلاغته العظيمة، لم يود توظيفه في أي عمل بقصره. فنحن القراء (مثل عيسى) كلنا نريد أن نسأل في نهاية المقامة: "أَنْتَ مَعَ هَذا الفَضْلِ تُعَرِّضُ وَجْهَكَ لِهَذا الَبَذْلِ؟" لكن تعريض الوجه للبذل لم يكن مشكلة البليغ، بل كان مشكلة الملوك والأمراء في وقته. ونعرف من مقامة أخرى (المقامة الناجمية) أن حلماً حقيقياً للبليغ المتسول مثل الإسكندري هو وجدان ملك أو أمير يستخدم موهبته في مجال مناسب له. وبالفعل، يمكننا اعتبار الفرس نظيراً للإسكندري. ولم يصف الإسكندري ميزات الفرس إلا ميزات "الفاضل" كما كان يفتخر في "المقامة السجستانية"! ونفترض أن مصير الإسكندري، لو وجد منصباً في قصر سيف الدولة، لن يكون أفضل من مصير الفرس الموصوف: الفرس والموهوب كلاهما من مقتنيات القصر والأمير وحده يسيطر على مصائر مقتنياته.

وهنا نريد أيضا ذكر أن "المقامة الناجمية" هي إحدى المقامات الست التي تمدح مكارم خلف بن أحمد (توفى في1009م) في سجستان (راجعوا الجزء الثالث وهو مقالتنا بعنوان "مَنْ هو مخترع هذا النمط الأدبي؟"). وظهرت كل هذه المقامات الست متأخرة، ولم يذكرها ابراهيم الحُصري (توفي 1022م) في "زهر الآداب". ولا نستطيع إنكار احتمال أن هذه المقامات لم تكن من كتابة الهمذاني، لكن يهمنا أيضا جهود المحررين والنساخ المتعددين الذين قرروا شكل نص المقامات التي نقرأها اليوم. هل كانوا يريدون إيجاد نهاية سعيدة للبليغ المتسول؟ أو يجب الاعتقاد في أن المقامات الست كانت من كتابة الهمذاني الذي استمتع برعاية خلف بن أحمد فغير رأيه في عدم وجود الملك أو الأمير المثالي في وقته.

 

_______________

* حاصلة على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة بنسلفانيا.

 

 

 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

الترتيب للأخبار

تعليق

تعليق
مجهول
الاسم :
(0) مجموع التعليقات :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号