标题图片
Home
arabic.china.org.cn | 20. 04. 2015

بديع الزمان الهمذاني...مخترع فن المقامات في القرن العاشر الميلادي 7

بقلم شيرين تشيان*

الجزء السابع: المقامة وقصة "الذئب" اللاتينية

20 إبريل 2015 / شبكة الصين / تحدثنا في مقالتنا السابقة (الإسكندري والشيطان) عن وجوه الإسكندري المتعددة: فهو يلوم السكارى عندما يعمل إماماً في المسجد صباحاً، ويمدح فضل الخمر عندما يعمل مطرباً في الحانة ليلاً. ولا ريب أن الإمام هو قناع الإسكندري المفضل كما نرى في "المقامة الاصفهانية" حيث ألقى خطبة مسجوعة مملة أو في "المقامة الموصلية" حيث ادعى أنه يستطيع تغيير مجرى الفيضان اذا صلّى الناس ركعتين خلفه.

وانتشرت مقامات الهمذاني في شمال أفريقيا مبكراً، لأن ابراهيم الحُصري (توفي 1022م) تحدث في كتابه "زهر الآداب" عن بصمة ابن دريد على الهمذاني، ولأن ابن شرف القيرواني (توفي 1067م) أكد في "مسائل الانتقاد" أن عدد مقامات الهمذاني الإجمالي هو عشرون وأضاف القيرواني أنه لم يقرأ كل هذه المقامات بعد. ونعرف أيضاً أنه كانت هناك تبادلات عديدة بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية في بلاد الأندلس خلال أوج العصور الوسطى (الذي يشير إلى القرون الـ11 والـ12 والـ13 الميلادية). وفي مقالة نشرت عام 1985، ذكرت الباحثة الأمريكية ماريا روزا مينوكال (Maria Rosa Menocal) مجدداً الجدال الطويل حول أصل كلمة "تروبادور Troubadour". ووفقاً للكثير من المستعربين مثل مينوكال، فإن هذه الكلمة الرومانسية، في الحقيقة،كانت مشتقة من الجذر العربي "طرب". وفي المقالة نفسها، ذكرت مينوكال وجود الخرجة (الخرجة تعني القفل الأخير أو المقطع الأخير من الموشح) الرومانسية في نهاية بعض الموشحات الأندلسية بعد القرن الـ10 الميلادي، وانتشار الترجمة الرومانسية العامية لـ"كتاب المعراج" قبل إبداع الشاعر الإيطالي دانتي Dante (توفي 1321م) "الكوميديا الإلهية". وخلاصة القول، إن العصور الوسطى شهدت تبادلات ثقافية لا يمكن إنكارها بين العرب والشعوب الأوروبية.

وفي هذا الإطار، نحاول أن نجيب على سؤال واحد في مقالتنا هذه: هل تركت مقامات الهمذاني بصمة على قصص الوحوش الأوروبية في القرن الـ11؟ في دراسته عن أشعار الوحوش اللاتينية بين عامي 750 و1150، قدم يان زيولكوسكي (Jan M. Ziolkowski) أستاذ لاتينية العصور الوسطى في جامعة هارفارد، قدم للقراء شعراً يسمى "الذئب" (القرن الـ11 الميلادي) كأحد النماذج الأولية لملحمة "إيسنقريموس Ysengrimus" (كُتِبَ في 1148م أو 1149م) ويتعلق بملاحمرينارالثعلب المشهورة (La Roman de Renart). ويرى زيولكوسكي أن هذا الشعر المكون من 54 بيتا "غير عادي" لأن بطله هو الذئب الراهب ويحتوي الشعر على تعليقات كثيرة على الرهبان والممارسة الرهبانية. وخلاصة القصة فيما يلي: سرق ذئب أغناماً كثيرة من راعٍ. وبعد ابتكار فكرة، نجح الراعي أخيراً في قبض السارق ورجمه بالحجارة حتى صار الذئب على وشك الموت. ولكن الذئب الداهية البليغ تسول الراعي للحصول على رحمته، ووعده أنه سيجيء بأربعة أضعاف ما سرق من الراعي. وعلاوة على ذلك، ترك جروه عند الراعي كرهينة. فأطلق الراعي سراحه. ثم وجد الذئب راهباً وأعطاه خروفاً وطلب منه حلق شعره بشكل شعر الراهب الكاثوليكي. وعندما رأى الراعي "الذئب الراهب"، برغم أنه لم يأت بما وعده، تأثر بتحول السارق كثيراً وأطلق سراح الجرو أيضاً. ولكن في نهاية القصة، بدأ الذئب المُحرَر سرقة الخراف من جديد وقال لجروه أن لحم الخروف أفضل بكثير من الجبن أو الفول التي يجب أن يأكلها الراهب. وعندما وجد الراعي أن الذئب خدعه باحتيال، وبخه بشعر قصير: "أصبحت جيداً وأصبحت راهباً، يجب عليك ألا تتناول اللحم. كما علمتك الحكم المقدسة للقديس باسيليوس." فأجابه الذئب بشعر آخر: "تعاليم الرجال الجيدين ليست بسيطة: فأنا أحيانا راهب وأحيانا رجل دين علماني (Et modo sum monachus, canonicusmodo sum)".

وكان الراعي الساذج يثق بالذئب لأنه وجد تبايناً كبيراً بين الذئب المقبوض عليه و"الذئب الراهب". ولكن القارئ الحذر يعرف أن الذئب لم يتغير بعد "التحويل" لأن بلاغته لم تتغير قط، فبلاغته أنقذت حياته عندما كان على وشك الموت، وأعفته من عبء التعويض، وأخيرا جعلته فائزا في مناظرته الشعرية مع الراعي. وكان مؤلف القصة يستعمل حوارات كثيرة لاظهار شخصية الذئب. وتتضمن هذه الحوارات سخرية لاذعة من الرهبان والممارسة الرهبانية، ففي ذهن المؤمنين العاديين مثل الراعي، إن الراهب لا يأكل أي لحم. ولكن الراهب الذي وجده الذئب لم يوافق على حلق رأسه إلا بعد أن قدم له الأخير خروفاً! فإذا أردنا أن نقول إن الذئب منافق وكذاب، يجب ألا ننسى أن الطبقة الفاسدة من الرهبان سهلت "تحويل" السارق وقدمت له الظروف التي عرض فيها مكره. وحصل بطل هذا الشعر اللاتيني على "الفرج" بعد "الشدة" بفضل بلاغته العظيمة وحيله الفريدة وأسلوبه في استخدام العادات الاجتماعية الفاسدة.

وبالإضافة إلى بلاغة البطل في قصة "الذئب"، هناك تشابه آخر بينها وبين مقامة همذانية: يعني وجود مناظرة شعرية في نهاية القصة (راجعوا "سبعة أجزاء" في المقامة الهمذانية النموذجية في مقالتنا "ما هي المقامة؟"). وعندما رأى الراعي أن الذئب أكل لحم الخروف من جديد، تذكر طبيعته الأصلية (راجعوا "مشهد التذكر" في المقامة) ولامه بشعر. فرد الذئب عليه فوراً بشعر شرح فيه لماذا كان مسموح له أن يأكل اللحم: فكان بإمكانه (مثل أبو الفتح الإسكندري) أن يغير هويته كما يريد. على سبيل المثال، نجد الإسكندري أنشد في "المقامة البلخية":

إِنَّ لـلـهِ عَـبِـيدَاً *** أَخَذُوا الْعُمْرَ خَلِيطاً

فَهُمُ يُمْسُونَ أَعْـرَا *** باً، وَيُضْحُونَ نَبِيطا

أو في "المقامة القزوينية":

أَنَا حَالِي مِـن الـزَّمَـا *** نِ كَحَالِي مَعَ النَّسـبْ

نَسَبِي فَـي يَدِ الـزَّمَـا *** نَ إِذَا سَامَهُ انْقَـلَـبْ

أَنَا أَمْسِي مِنَ النَّـبِـي *** طِ وأُضْحِي مِنَ العَرَبْ

داهية تستعمل للمذكَّر والمؤنَّث والتَّاء للمبالغة "رَجُلٌ داهيةٌ وامرأة داهيةٌ

 

_______________

* حاصلة على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة بنسلفانيا.

 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

الترتيب للأخبار

تعليق

تعليق
مجهول
الاسم :
(0) مجموع التعليقات :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号