الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
ثالثا، جوهر "الطريق الوسط" هو تقسيم الصين
- "منطقة التبت الكبرى" اختلاق محض، ولا تتفق مع تاريخ الصين ووضعها
عندما تروج عصابة الدالاي لاما الرابع عشر دعوتها "الطريق الوسط"، يلذ لها الحديث عن "منطقة التبت الكبرى" المزعومة في أحوال كثيرة. حسب ما تتوهمه عصابة الدالاي لاما الرابع عشر، يمتد نطاق "منطقة التبت الكبرى" إلى جنوبي شينجيانغ وممر خشي شمالا، ووسط قانسو ووسط سيتشوان شرقا، ووسط يوننان جنوبا، يضم كافة أراضي منطقة التبت الذاتية الحكم ومقاطعة تشينغهاي ونصف مقاطعة سيتشوان ونصف مقاطعة قانسو ورُبع مقاطعة يوننان إلى جانب جنوبي منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، فتتجاوز المساحة الإجمالية لـ"منطقة التبت الكبرى" رُبع مساحة أراضي الصين. لا يوجد أي أساس لـ"منطقة التبت الكبرى" في تاريخ التقسيمات الإدارية الصيني. تشكلت التقسيمات الإدارية في الصين المعاصرة خلال التطور التاريخي الطويل الأمد. في عهد أسرة تانغ (618 – 907)، كانت سلطة توبوه سلطة متعددة القوميات شكلها أبناء توبوه بشكل مشترك مع أبناء مختلف القوميات والقبائل الذين عاشوا في هضبة تشينغهاي – التبت والمناطق المحيطة بها. بعد هلاك سلطة توبوه، تعايش أبناء توبوه في منطقة هضبة تشينغهاي – التبت مع أبناء مختلف القوميات الأخرى بشكل مختلط، ولم تكن هناك سلطة موحدة. في عهد أسرة يوان، تم في منطقة التبت إنشاء مكتب المارشال لولايات ووسي وتسانغ وناليسوقولوسون (أي مكتب الشؤون العسكرية والمدنية في ووسي وتسانغ) لإدارة منطقة التبت، وفي المناطق الأخرى التي تجمع فيها أبناء قومية التبت، تم إنشاء مكتب مبعوث الشؤون العسكرية والمدنية لولاية توبوه وغيرها (أي مكتب الشؤون العسكرية والمدنية في دوكهامس) ومكتب مبعوث الشؤون العسكرية والمدنية لإقليم توبوه وغيره (أي مكتب الشؤون العسكرية والمدنية في دوسماد) على التوالي. كانت المكاتب الثلاثة المذكورة أعلاه تابعة لمكتب الأعمال التنفيذية باعتباره جهازا إداريا مركزيا (سُمي هذا المكتب في البداية بمجلس الإدارة العامة). وفي عهد أسرة مينغ، تم في التبت إنشاء مكتب مبعوث قيادة ووسي وتسانغ ومكتب المارشال للشؤون العسكرية والمدنية في نجاري، ثم ارتقى مكتب مبعوث القيادة إلى مستوى الحاضرة الإدارية. وفي إقليم دوكهامس، تم إنشاء مكتب مبعوث قيادة دوكهامس (ثم ارتقى إلى مستوى الحاضرة الإدارية). في السنة الرابعة من فترة حكم الإمبراطور يونغ تشنغ في أسرة تشينغ (عام 1726)، ولمواجهة الاضطرابات المندلعة في منطقة التبت، عدلت الحكومة المركزية التقسيمات الإدارية بين التبت وبين المقاطعات والمناطق المجاورة لها بما فيها سيتشوان ويوننان وتشينغهاي، وعليه، تشكل الهيكل الأساسي للتقسيمات الإدارية الذي استعملته أسرة تشينغ لإدارة التبت والمناطق الأخرى التي تجمع أبناء قومية التبت فيها، ويستمر الهيكل حتى اليوم. وإلى ما قبل التحرير السلمي عام 1951، لم يتجاوز النطاق الإداري لحكومة التبت المحلية حدود منطقة التبت الذاتية الحكم اليوم. إن "منطقة التبت الكبرى" هي وليد اعتداء المستعمرين الغربيين على الصين ومحاولتهم لتقسيمها. لم يكن مفهوم "منطقة التبت الكبرى" ابتكارا أوليا لعصابة الدالاي لاما الرابع عشر، وإنما طرحه المستعمرون البريطانيون في "مؤتمر سيملا" المنعقد بين عامي 1913 و1914، مع كتابته في "معاهدة سيملا" غير الشرعية. إن هذه المعاهدة تقسم المناطق الصينية التي تجمع أبناء قومية التبت فيها إلى "التبت الخارجية" و"التبت الداخلية": يقصد بـ"التبت الخارجية" منطقة التبت الذاتية الحكم اليوم، حيث يطبق فيها "الحكم الذاتي"؛ ويقصد بـ"التبت الداخلية" المناطق بمقاطعات سيتشوان ويوننان وقانسو وتشينغهاي والتي يتجمع أبناء قومية التبت فيها، حيث يمكن لحكومة الصين تعيين الموظفين الرسميين وإرسال القوات للمرابطة فيها. بسبب المعارضة الشديدة من قبل أبناء مختلف القوميات في الصين، لم يوقع مندوب حكومة الصين وقتذاك على المعاهدة ولم يعترف بها، فانتهى "مؤتمر سيملا" بالفشل، وصارت "معاهدة سيملا" مجرد قصاصة ورق. على الرغم من ذلك، ظل المستعمرون البريطانيون يعملون بنشاط على تربية ودعم القوى الانفصالية الرفيعة المستوى في التبت، بينما كانت تلك القوى الانفصالية تتخيل تحقيق "الحكم الذاتي" بدعم بريطانيا. لم يستيقظ الدالاي لاما الثالث عشر، الذي كان المستعمرون البريطانيون يستغلونه، إلا في أواخر أيام حياته، فقال عام 1930 لمندوب الحكومة المركزية وقتذاك، ليو مان تشينغ، في لاسا: "كيف تقسم أراضي الصين إلى جزئي وجزئك حتى بالقوة.. الشجار بين الإخوان ليس جديرا بالتقدير." يتجاهل مفهوم "منطقة التبت الكبرى" التاريخ والثقافة اللتين خلقهما أبناء مختلف القوميات في هضبة تشينغهاي – التبت سوية. بعد فترات طويلة من التبادل والتواصل بين مختلف القوميات في الصين، تشكلت الميزة الانتشارية المتمثلة في تواجد أبناء مختلف القوميات في أنحاء البلاد وتجمع أبناء قومية واحدة في منطقة واحدة. في الصين، غالبا ما ينتشر أبناء قومية واحدة في مختلف المناطق الإدارية، في الوقت ذاته يتجمع أبناء مختلف القوميات في منطقة إدارية واحدة. في منطقة هضبة تشينغهاي – التبت، خاصة في المناطق المجاورة لها، يعيش أبناء بضع عشرة قومية منذ القدم، بما فيها قوميات هان والتبت وهوي ومنبا ولوبا وتشيانغ ومنغوليا وتو ودونغشيانغ وباوآن ويويقو وسالار وليسو وناشي وبومي ونو، حيث يعدون أصحابا مشتركين لهذه الأرض. اليوم، يعيش أبناء القوميات العديدة بصورة مختلطة في كل من التبت ومقاطعات سيتشوان ويوننان وقانسو وتشينغهاي، ويعد ذلك نتيجة تاريخية للتواصل والتبادل والتمازج الطويل الأمد بين أبناء مختلف القوميات في الصين. نظرا للظروف الجغرافية والتاريخية والعادات والتقاليد والأسباب الأخرى، يخضع مختلف قبائل قومية التبت في سيتشوان ويوننان وقانسو وتشينغهاي لإدارة مختلف المقاطعات الصينية، وتتعايش مع القوميات الأخرى بالمناطق المختلفة بشكل متشابك لمدة طويلة. خلال التطور التاريخي الطويل الأجل، لا يحتفظ أبناء قومية التبت في مختلف المناطق الإدارية بالخصائص القومية المشتركة فحسب، بل يختلفون بعضهم عن البعض في اللهجات القبائلية والعادات والتقاليد والنواحي الأخرى، ويتمتعون بميزاتهم الخاصة. في نفس الوقت، يقوم أبناء قومية التبت في مختلف المناطق باتصالات مكثفة مع أبناء القوميات الأخرى المحليين في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، خاصة أن الاتصالات الاقتصادية بينهم وثيقة جدا، فيتمتعون بالخصائص الثقافية الإقليمية المشتركة أو المتشابهة. ينحرف مفهوم "منطقة التبت الكبرى" عن أحوال الصين الواقعية تماما. في الصين، يعتبر نظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي نظاما سياسيا أساسيا للدولة. يقصد بنظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي تطبيق الحكم الذاتي الإقليمي في المناطق التي يتجمع فيها أبناء مختلف الأقليات القومية، ذلك تحت قيادة الدولة الموحدة، وإقامة أجهزة الحكم الذاتي لتمارس سلطة الحكم الذاتي. تنقسم أقاليم الحكم الذاتي القومي إلى ثلاثة مستويات، هي المنطقة الذاتية الحكم والولاية الذاتية الحكم والمحافظة الذاتية الحكم. يعتبر كل من أقاليم الحكم الذاتي القومي جزءا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية. بعد تأسيس الصين الجديدة، وباستثناء منطقة التبت الذاتية الحكم، تم إنشاء 8 ولايات ذاتية الحكم لقومية التبت وولاية ذاتية الحكم لقوميتي التبت وتشيانغ وولاية ذاتية الحكم لقوميتي منغوليا والتبت ومحافظتين ذاتيتي الحكم لقومية التبت في المناطق بمقاطعات سيتشوان ويوننان وقانسو وتشينغهاي وغيرها والتي يتجمع فيها أبناء قومية التبت، كما تم إنشاء محافظات ذاتية الحكم للقوميات الأخرى في بعض الولايات الذاتية الحكم لقومية التبت. إن هذا النوع من التقسيمات الإدارية لا يأخذ بعين الاعتبار المستفيض الميزات التاريخية لانتشار القوميات فقط، بل يضع التنمية المستقبلية نصب العينين، مما يجسد الجمع بين العناصر القومية والعناصر الإقليمية، وبين العناصر التاريخية والعناصر الواقعية، وبين العناصر السياسية والعناصر الاقتصادية، فذلك في صالح الازدهار والتنمية المشتركتين لمختلف القوميات في الأسرة الكبيرة للوطن الأم، وقد دلت الممارسات التطبيقية على نجاح هذا الترتيب المؤسسي. تنص المادة الرابعة عشرة لـ«قانون الحكم الذاتي الإقليمي القومي» الصيني على: "لا يجوز إلغاء أو ضم إقليم يطبق عليه الحكم الذاتي القومي بعد إنشائه، إلا من خلال الإجراءات القانونية؛ لا يجوز تغيير حدود إقليم يطبق عليه الحكم الذاتي القومي بعد تحديدها إلا من خلال الإجراءات القانونية؛ إذا كان هناك حاجة حقيقية إلى الإلغاء أو الضم أو التغيير، ينبغي للدوائر المعنية التابعة لأجهزة الدولة على مستوى أعلى وأجهزة الحكم الذاتي بإقليم الحكم الذاتي القومي، تحديد ذلك بعد مشاورات مستفيضة، مع التقدم بطلب الموافقة حسب الإجراءات القانونية." عليه، يمكن أن نرى أن مؤامرة عصابة الدالاي لاما الرابع عشر حول تأسيس "منطقة التبت الكبرى"، لا تخالف التاريخ فحسب، بل تتنافى مع الواقع، وتنحرف عن وضع الصين انحرافا تاما. يتجاهل مفهوم "منطقة التبت الكبرى" حقيقة أن أبناء القوميات العديدة يتواجدون ويتعايشون في هضبة تشينغهاي – التبت منذ آلاف السنين، ويشوه تاريخ قيام مختلف القوميات بالتنمية المشتركة لهضبة تشينغهاي – التبت، ليكون تاريخ قومية أحادية، ويصنع تناقضات وخلافات بين مختلف القوميات الصينية، محاولا لبناء "منطقة التبت الكبرى" الخالصة التي تقصي القوميات الأخرى، فيعتبر هذا المفهوم تجسيدا نموذجيا للقومية المتطرفة والعنصرية.
انقلها الى... : |
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |