标题图片
Home
arabic.china.org.cn | 14. 01. 2015

بديع الزمان الهمذاني...مخترع فن المقامات في القرن العاشر الميلادي 4 (خاص)

بقلم شيرين تشيان*

الجزء الرابع: المقامة والخطبة

14 يناير 2015 / شبكة الصين / عندما نقرأ مقامات الهمذاني، نلاحظ أن البطل أبو الفتح الإسكندري يعمل دائماً واعظاً جوّالاً لكسب العيش. ويجب أن نطرح هنا سؤالاً: هل هناك علاقة بين المقامة والخطبة؟ قال ابن عبد ربه (860-940م) في "العقد الفريد" إن هناك من "كتب المقامات والخطب ما يتسِّع به منطقُك ويطول به قلمُك". ولا بد أن تكون كلمة "المقامات" في "العقد الفريد" جمع "مقام" وذكرنا في المقالة السابقة (مقامة ومقام) عشر مقامات توجد في "عيون الأخبار" لابن قتيبة بعنوان "مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك". وأكّد ابن عبد ربه هنا أن "المقامات والخطب" هما نوعان من الفنون اللفظية عند العرب. وفي الحقيقة، ذكرنا في المقالة السابقة أيضاً أن كلمة "مقامة" لا تختلف أساسياً عن كلمة "مقام" في المقامات الهمذانية التي فيها مشاهد الخطبة. ولا شك أن بديع الزمان الهمذاني عرف العلاقة بين المقام والخطبة عندما أملى قصصه، وأن "المقامات والخطب" كانت مصدراً مهماً لإلهام الهمذاني. ولكنه أضاف أشياءً أخرى لاختراع نوع أدبي جديد. أولاً، تمثل موعظة بطله الإسكندري جزءاً واحداً فقط من أجزاء المقامة السبعة (راجعوا أجزاء المقامة في مقالتنا "ما هي المقامة؟")، مقابل مقامات "عيون الأخبار" التي تتكون من المواعظ فقط. ثانياً، أبو الفتح الواعظ لا يخطب بين يدي الخلفاء أو النبلاء، وتتكون جماهيره من المواطنين في أنحاء العالم الإسلامي. وفي كثير من الأوقات، تتأثر الجماهير (وخاصةً أفراد الطبقة البرجوازية مثل عيسى بن هشام) بمواعظه التي دائما تكون مرصّعة بالسجع والشعر، ثم يمنحونه أموالاً وهدايا في مقابل ذلك. ثالثاً، مع أن الإسكندري دائما يطلب مقابلاً مادياً من جماهيره، لكنه يرفض قبول أي تعويض في مقامتين ("المقامة الوعظية" و"المقامة الأهوازية")، الأمر الذي يجعلهما مختلفتين عن بقية القصص.

لماذا كسبت مواعظ الإسكندري شعبية كبيرة؟ وما هو أهم موضوع لمواعظه؟ تميز النصف الأول من القرن الرابع الهجري باضطرابات سياسية واجتماعية. وأصبح الخلفاء العباسيون دمى للأمراء الأتراك والديالمة. وعلى سبيل المثال، فهناك ثلاثة خلفاء سُمِلت عيونهم وخُلِعوا من الخلافة: القاهر بالله (توفي في 950م) والمتقي بالله (توفي في 968م) والمستكفي بالله (توفي في 949م). وكان القاهر بالله يتسول في شوارع بغداد بعد 11 عاماً من السجن. وأما النبلاء (مثلاً البرامكة)، فمصيرهم قد كان أسوأ. وفي الحقيقة، لمح الهمذاني إلي مصيرهم في "المقامة المضيرية" حيث يصف حديث النعمة للإسكندري كيف حصل على حصير آل الفرات:

اشْتَرَيْتُ هَذا الحَصِيرَ فِي المُنَادَاتِ، وَقَدْ أُخْرِجَ مِنْ دُورِ آلِ الفُرَاتِ، وَقْتَ المُصَادَرَاتِ، وَزَمَنَ الغَارَاتِ وَكُنْتُ أَطْلُبُ مِثْلُهُ مُنْذُ الزَّمَنِ الَأْطَوِل فَلا أَجِدُ، وَالدَّهْرُ حُبْلَى لَيْسَ يُدْرَى مَا يَلِدُ...

ولا عجب أن أبا الفتح الواعظ نبّه جماهيره الى "تقلُب الدهر" مرارا وتكرارا في المقامات. وفقدان ثروة الدنيا هو أهم موضوع لخطبه. مثلا في "المقامة الجرجانية" افتخر أبو الفتح الاسكندري بنسبه: " فَلَقَدْ كُنَّا وَاللهِ مِنْ أَهْلِ ثَمٍّ وَرَمٍّ، نُرْغِي لَدَى الصَّباحِ ونُثْغِى عِنًدَ الرَّواحِ". ثم اقتبس بيت زهير بن أبي سلمى (راجعوا في مقالتنا السابقة "مقامة ومقام") كشاهد. كما نجد في "المقامة البصرية" أن الاسكندري يتسول أمام عيسى بن هشام الغني (وأنا من سنّي في فتاء، ومن الزي في حبر ووِشَاء، ومن الغِنَى في بَقَر وشَاء) وزملائه الذين أتوا المربد في البصرة للتسلية في متنزهاته. قال لهم المتسول:

أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنَ الثُّغُورِ الأَمَوِيَّةِ، قَدْ وَطَّأَ لِيَ الفَضْلُ كَنَفَهُ، وَرَحَّبَ بي عَيْش، ونَمَاني بَيْت، ثُمَّ جَعْجَعَ بي الدَّهْر عَنْ ثَمِّهِ وَرَمِّهِ، وأتلاني زَغَاليلَ حُمْرَ الحواصل:

كَأَنَّهُمْ حَيَّاتُ أَرْضِ مَحْلَةٍ *** فلو يَعَضُّونَ لَذَكَّي سَمُّهُمْ

إِذَا نَزَلْنَا أَرْسَلُونِي كَاسِباً *** وإن رحلنا ركبوني كُلُّهُمْ

وفي النص التالي حيث يتناوب السجع والشعر مرتين، وصف لهم الاسكندري كيف أتى إلى منتزهات المربد من أجل عيالته. وفي نهاية خطبته، أظهر أنه كان بحاجة الى الطعام والكساء: " فَهَلْ مِنْ فَتَىً يُعَشِّيهِنَّ، أَوْ يُغَشِّيهِنَّ؟ وَهَلْ مِنْ حُرٍّ يُغَدِّيهِنَّ، أَوْ يُرَدِّيهِنَّ؟" نال كلامه البليغ هذا تعاطف الجماهير الذين لا بد أن فكروا في تقلب الدهر السريع بعد الاستماع الى الخطبة. مهما كان الشخص غنياً أو قوياً، فمن المحتمل أن يصبح مهجورا من قبل الدهر المتقلب.

وعدنا في المقالة السابقة أننا سنقارن خطب الاسكندري مع مقامات "عيون الأخبار". وأكبر تشابه بين الاسكندري وخطباء مقامات "عيون الأخبار" هو بلاغتهم الرائعة وقدرتهم على اختيار المانحين المثاليين في الوقت المناسب. وفي "المقامة البصرية"، خطب الاسكندري أمام مجموعة من الشباب الأغنياء في متنزهات المربد حيث قد نزلت أمطار الربيع (في تلك المُتَوَجَّهَات). وفي بداية مقام خالد بن صفوان أمام الخليفة هشام بن عبد الملك، نقرأ أنه حدث "في عام باكَر وَسمِيُّه ويتابع وَليُّه وأخذت الأرضُ زخرفها". وفي هاتين القصتين، يكون المنظر الربيعي (وخاصةً مطر الربيع) استعارة ثروة وشباب المانح. ولا أحد، عندما "يتمتع بنعمة الله"، ينتبه الى تقلب الدهر. وعلى الواعظ أن يصف له تقلب "متَاعِ الدُنْيَا وَزُخْرِفِهَا". مثلاً، قال خالد بن صفوان للخليفة هشام بن عبد الملك:

أرأيتَ من جُمِعَ لك، أشيءٌ هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيءٌ كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك؟

وأما قصر الحياة الدنيا فهو موضوع مهم آخر لمواعظ الإسكندري. وتشابه بداية "المقامة الأهوازية" بداية "المقامة البصرية". كان عيسى بن هشام وزملاؤه مستعدين للولائم (فَقَالَ أَحَدُنا: عَلَىَّ الْبَيْتُ والنُّزْلُ، وَقالَ آخَرُ: عَلَىَّ الشَّرابُ وَالنَّقْلُ)، فاذا بهم رجل "فِي طِمْرَيْنِ فِي يُمْنَاهُ عُكَّازَةٌ، وَعَلى كَتِفَيْهِ جِنَاَزةٌ". وبعد الاستماع الى خطبته التي تهدف الى حتمية الموت، ما أرادت الجماعة الملائم (فَلَقَدْ نقَضَ مَا كُنَّا عَقَدْنَاهُ، وأَبْطَلَ مَا كُنَّا أَرَدْنَاهُ)، بل أحتاجت الى مزيد من النصائح (مَا أَحْوَجَنَا إِلى وَعْظِكَ، وأَعْشَقَنَا لِلَفْظِكَ، وَلَوْ شِئْتَ لَزِدْتَ). ثم الواعظ (نثق بأنه البطل الإسكندري مع أنه مجهول في هذه المقامة) أكمل خطبته ببيت:

وإِنْ امْرأَ قَدْ سَارَ عِشْرِينَ حِجَةً *** إِلى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لِقَـرِيبُ

وكان الواعظ ليس بحاجة الى أي مقابل مادي: وإِنمَا حَاجَتِي بَعْدَ هَذا أَنْ تَخِدُوا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَعُوا. أما في نهاية "المقامة الوعظية"، فنجد الإسكندري الشيب ينشد لعيسى بن هشام شعراً قصيراً في بحر متقارب:

نَذِيرٌ، وَلَكِنَّهُ سَـاكِـتُ *** وَضَعِيفٌ، وَلَكِنَّهُ شَامِتُ

وَأَشْخَاصُ مَوْتٍ، وَلَكِنَّهُ *** إِلَى أَنْ أُشَيِّعَهُ ثَـابِـتُ

وجدير بالذكر أن خطبة الإسكندري في "المقامة الوعظية" تتكون من جزئين: جزء واحد من السجع وجزء آخر مرصع بالسجع وتسعة قطع من الشعر. وادعى الإسكندري أنه اقتبس الجزء الثاني من خطب الحسين (وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ عَلِيَّ بْنُ الحُسَيْنِ كَانَ قَائِماً يَعِظُ النَّاسَ وَيَقُولُ). وفقا لمعيار مقامات "عيون الأخبار" حيث الواعظ "قام وقال"، يملك الجزء الثاني معظم خصائص المقام.

 

_______________

* حاصلة على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة بنسلفانيا.

 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

الترتيب للأخبار

تعليق

تعليق
مجهول
الاسم :
(0) مجموع التعليقات :
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号