كتاب "شي" فرصة لفهم الصين المعاصرة

*تساي مينغ تشاو

بدأ شي جين بينغ في أقل من عامين منذ توليه قيادة الصين مسيرة جديدة للإصلاح والانفتاح ودفع بناء التحديث. ويضم كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" حوالي ثمانين عملا مهما للرئيس الصيني خلال الفترة ما بين 15 نوفمبر 2012 و13 يونيو 2014، بما فيها الكلمات والخطب والتعليقات والأحاديث بلغات متعددة بما في ذلك العربية. ويقدم (الكتاب) إجابات شاملة ومنهجية لعدد من المشاكل الكبرى التي واجهت الصين، الأمر الذي يوفر فرصة فريدة للمجتمع الدولي لفهم الصين.

وتناول الكتاب ليس فقط الوضع الداخلي الصيني بل أمتد ليشمل العالم بأسره، وسيحصل مطالعوه على صورة واضحة لمفاهيم واستراتيجيات القيادة الصينية الجديدة، وسيشعرون بحجم التغييرات الجذرية التي شهدتها البلاد، ويتعرفون بشكل أفضل على أحلام أبناء الشعب وتطلعاته. والأهم من ذلك، أن المجتمع الدولي سيكون قادرا على فهم من أين أتت الصين وفي أي اتجاه تسير، وما يعنيه ذلك.

وكان الرئيس الصيني قد أعلن بعد وقت قصير من توليه منصب الأمين العام للجنة المركزية، أن طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هو السبيل الوحيد لتعزيز تنمية واستقرار الصين، وخلق حياة أفضل لأبناء الشعب، معترفا بأن ذلك لن يكون "مسارا سهلا".

ويحتل اقتصاد الصين حاليا المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة، إلا أنها (الصين) لازالت أكبر دولة نامية حيث يضعها نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المركز الـ80 بالتصنيف العالمي، الأمر الذي يشير إلى أن النمو في الصين "غير مستقر، وغير متوازن، وغير منسق، وغير مستدام".

وكانت الجماعة القيادية الجديدة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قد أدخلت مفاهيم مبتكرة وتدابير رامية إلى ضمان مزيد من الآفاق المشجعة للتنمية. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن عن "حلم تجديد شباب الأمة" بصفته جوهر "الحلم الصيني" لجعل البلاد قوية ومزدهرة وتمكين أبناء الشعب من عيش حياة سعيدة. وفي عصر العولمة يصبح الحلم الصيني متصلا بأحلام الناس في البلدان الأخرى، وسوف يستفيد ليس فقط شعب الصين، ولكن جميع شعوب العالم.

وفي مسيرة السعي لتحقيق الإصلاح، دخلت الصين "منطقة المياه العميقة" وتواجه تحديات صعبة، وتدعم فصول الكتاب الشجاعة والحكمة التي أظهرها الرئيس شي وزملاؤه في تخطي الصعاب، وتأكيد شي المستمر على أهمية الإصلاح والانفتاح في لعب دور حاسم في تحديد "مصير الصين"، كما تعهد بخوض التحديات بثبات والإبحار عبر المنحدرات للمضي قدما في طريق الإصلاح.

وكانت الحكومة الصينية قد تبنت في العام الماضي خطة إصلاحية جريئة وجدولا زمنيا وخارطة طريق، تغطي 15 قطاعا تضم 330 تدبيرا إصلاحيا. وكشف شي جين بينغ عن الأهداف والمهام والمنهج المتبع لتحقيق إصلاح شامل وعميق، الأمر الذي يسمح للقراء بمعرفة حجم صعوبات وتعقيدات عملية الإصلاح الحالية.

ويمكن تفسير الكثير من طرق معالجة الرئيس شي للتحديدات والتصدي للمشاكل من خلال التمعن في خلفيته الشخصية، حيث عززت خبراته خلال مرحلة شبابه ومعاناته لمصاعب الحياة الريفية بما تشكله من جوع وعدم كفاية حتى تدرج في صفوف الحزب ليصبح أعلى قائد للصين حزبا ودولة، ما ساهم في إصقال خبراته وفهمه للظروف الوطنية وتطلعات أبناء الشعب. حيث أعلن قائلا "هدفنا هو تحقيق رغبة الشعب في حياة أفضل"، وأكد على أنه سيعمل على خدمة الشعب والوفاء بالمسؤوليات التي تقع على عاتقه.

وتناول الكتاب زيارات شي جين بينغ للمناطق المنكوبة بالفقيرة للاطلاع على احتياجات سكانها والاستماع لأراء المحليين، والتشديد على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف.

وأظهر شي التزاما بإشراك أفضل لأبناء الوطن في كل خطوة من عملية الحكم، وكان أول تلك الخطوات هي تنفيذ التوجيه الذي ضم " 8 نقاط" لمكافحة الفساد وتحسين الأداء الرسمي والحفاظ على علاقات أوثق مع الشعب.

وفي العقود الأخيرة، برزت قوة الصين الشاملة على الصعيدين الوطني والدولي، ما جذب أنظار العالم نحو مسار التنمية في البلاد ودلالاته. وخصص الكتاب خمسة فصول كاملة للإجابة على هذه الشواغل، حيث وضح الرئيس شي التزام بلاده بطريق "التنمية السلمية" كونه الخيار الاستراتيجي للصين، مؤكدا على أن هذا التوجه ليس "دبلوماسية فارغة"، ولكنها نتيجة مستخلصة من تقييم موضوعي لتاريخ الصين والوضع الحاضر وآفاق المستقبل، لتحقيق المنفعة لكل من الصين والعالم، حيث ركز على عبارات منها "مجتمع ذو مصير مشترك"و"بناء نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى" و"الصداقة والإخلاص والتعاون على قدم المساواة".

وتعتبر حياة الرئيس الصيني شي جين بينغ مادة ممتازة للدراسة لما يتمتع به من ثقافة فريدة وتجربة غنية نابعة من حياة بسيطة مفعمة بالحيوية، وهو ما ظهر جليا في كلماته وتعليقاته التي منها "صاحب الحذاء فقط يعرف ما إذا كان الحذاء يناسبه أم لا" للإشارة إلى أن أبناء الوطن هم وحدهم الذين يعرفون إذا كان مسار اتجاههم مناسب أم لا، وحول مكافحة الفساد، أستخدم شي مقولة "صيد النمور والذباب معا" لكشفه عن عدم التسامح مع أي سلوك يخالف القوانين، وفي بروكسل استعان بعبارة "الصينيون مغرمون بالشاي، والبلجيكيون يعشقون البيرة" لتوضيح المفاهيم الشمولية والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة.

_______________

*مدير مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني.