النزول ضيفا في بيت ويغوري (صور)
منطقة شينجيانغ موطن أقليات قومية عديدة أهمها قومية الويغور. سواء كنت تتجول في شارع كبير أم تتمشى في حارة صغيرة تجد من حولك أبناء الأقليات القومية يلبسون أزياء تقليدية زاهية ويحكون اللغة الويغورية أو لغات أخرى بشكل مطرب. يشتهر أبناء هذه القوميات بكرم الضيافة والمهارة في الغناء والرقص والتمسك بعقائدهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم بقناعة وسعادة فيضفي كل منها جمالا ورونقا إلى منطقة شينجيانغ من خلال ثقافاتهم القومية الباهرة. كل شيء كان جديدا علي في زيارتي الأولى إلى هذه الأرض التي طالما تشوقت إلى معرفتها والاحتكاك بالقوميات القاطنة فيها.
شعرت أن حلمي على وشك أن يصبح حقيقة عند وصولي إلى مدينة يينينغ عاصمة ولاية إيلي الذاتية الحكم لقومية القازاق. طالعني في قلب المدينة شارع ليس طويلا يحتضن حوالي عشرين عائلة ويغورية ميسورة الحال تسكن في بيوت منفصلة أقرب إلى أسلوب الفيلات الريفية. يختلف أصحاب البيوت في أهوائهم فمنهم من صمم بيته بالزخارف الإسلامية الخالصة ومن أضاف إلى بيته لونا أوروبيا وهناك من يتخذ الأسلوب المعماري التقليدي وعلى أية حال البيوت المتباينة تتناسق وتتناغم بصورة منسجمة.
أخبرنا قائد الفريق أن من يتجول في شارع ويغوري إذا طرق بابا فإن رب البيت يرحب به على الفور. رأيت بعد ذلك بيتا ذا ألوان منوعة على غرار أساطير الأطفال حيث كان برج البوابة خوخي اللون والأسوار بصفرة البرتقال والنوافذ بالزرقة السماوية وعارض البوابة مزخرفة برسم الأزهار والفواكه الناضرة وكان خارج الأسوار مشتل تتفتح فيه زهور صفراء تجاه الشمس الحارقة فطرقت بشيء من اليقين والشك على باب البيت فخرجت سيدة ويغورية ترحب بنا إلى داخل الباحة حيث رأينا المزيد من الأزهار التي تزيد من حيوية البيت كله وربما من عادة أبناء قومية الويغور تربية الأزهار.
حييت ربة البيت وهي تقودنا إلى الغرف الداخلية بتحية الإسلام: السلام عليكم فزخر وجهها بتعابير التعجب والفرح. رأينا في الغرف نظافة بالغة فخلعنا الأحذية قبل الدخول. لم نر في الحجرات أثاثا كثيفا إلا بساطا سميكا مفروشا على الأرضية.
أما غرفة الاستقبال فكان على جدارها بطانية معلقة تصور الكعبة المشرفة وهي دليل على اعتناق الويغوريين الإسلام وحلمهم بالحج إلى المكة المكرمة. ويزين السقف بزخارف ملونة لكافة الأزهار والفواكه تستحضر إلى الأذهان صور العنب في توربان والشمام في هامي والتفاح في إيلي والإجاص العطري في كورلا والمشمش الحلو في إنجرى واللوز والتين إلى آخرها. أما حجرة النوم فلم نجد فيها سريرا أو أثاثا آخر إلا بساطا سميكا على الأرضية وبطانيات معلقة ذات زهور مطرزة بالألوان الدافئة مما يزيد أناقة الحجرة وراحة الساكنين. وتراكمت في زوايا الحجرة لحف وحشايا منسقة حيث لفت أنظارنا أغطية اللحف الزاهية المصنوعة من الحرير الأطلس. وربة البيت النشيطة، على ما أظن، تبسط الفراش لأفراد الأسرة كل ليلة كي ينعموا بالنوم ثم ترتب الفراش في الصباح التالي.
من المعروف أن أبناء قومية الويغور يتمسكون بروابط الأسرة فتسكن الأجيال الثلاثة عادة تحت سقف واحد لتشكل أسرة كبرى أو حتى ينضم إليها الأعمام والعمات. وعندما خرجت من الغرف كان يلهو في الباحة بضعة أطفال هم أبناء الأعمام والأخوال ومنهم ابن وابنة لربة البيت. لم يخجل الأطفال أمام العدسة بل وقفوا دون أي تردد، فطفولتهم الأصيلة خالية من الهمم والغم. كم كان الفراق عزيزا علينا فلوحنا بأيدينا لتوديع ربة البيت بعبارات ويغورية بسيطة: رخمت خوشي (شكرا ومع السلامة)! (ياسمين تشانغ)
شبكة الصين /15 أغسطس 2005/
|