Home |
arabic.china.org.cn | 14. 07. 2016 |
بقلم عباس جواد كديمي
14 يوليو 2016/ شبكة الصين/ أصدرت محكمة التحكيم في لاهاي يوم الثلاثاء 12 يوليو، حكما متعجلا حول الخلاف بين الصين والفلبين إزاء مياه وجزر ببحر الصين الجنوبي. قرار محكمة التحكيم مثير للجدل والقلق في آن واحد؛ فالمحكمة أصدرت حكما تجاهل الكثير من الحقائق التاريخية والوثائق التي تمتلكها الصين، وقد تسرعت المحكمة ولم تقم بمراجعة وافية يصدر على أساسها قرار معقول. أما مبعث القلق هنا فهو أن القرار سيزيد التوتر بدلا من إيجاد تسوية، وقد يسبب أمواج توتر عنيفة في هذا البحر. الصين، ومنذ بداية تحركات الفلبين الأحادية الجانب، مطلع عام 2013 لطرح القضية على محكمة التحكيم في لاهاي، أكدت أن هذه المحكمة ليست مخولة للنظر أو البتّ بمثل هذا الخلاف، وأنها لن تقبل بهذا الطرح، ولن تشارك فيه، ولن تقبل نتائجه، وستحمي بحزم حقوقها التاريخية ومصالحها في مناطقها البحرية. عدم قبول الصين برفع القضية لمحكمة لاهاي، له مبرراته التي تعترف بها حتى الفلبين، وهي وجود اتفاق منذ عام 2002، موقع عليه بتعهد جاد من قبل الأطراف المجاورة للبحر، المعنية مباشرة بالقضية، وعلى الأخص هنا الصين والفلبين، يؤكد ضرورة اللجوء إلى آلية فعالة لتسوية الخلافات بين الدول المعنية، وهذه الآلية تسمى (قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي). الصين تؤكد وتركز على ضرورة تسوية أي خلاف بهذا الشأن، على أساس الحوار والتشاور بين الطرفين المعنيين مباشرة، وعلى أساس احترام الحقائق، ودون تدخل طرف ثالث، لاسيما غير المعني مباشرة بهذا الأمر.
أصل القضية
الصين لديها من الخرائط والوثائق والأدلة الملموسة ما يؤكد أنها مارست السيادة والإدارة ونشاطات العيش والصيد على مياه البحر الإقليمية وعلى جزر شيشا ونانشا (باراسيل وسبراتلي- التسميتان الغربيتان لهذه الجزر) منذ عدة قرون، وهناك مصادر أممية ودولية تعترف بحقوق الصين على هذه المياه الإقليمية والجزر. ولو عدنا إلى ما قبل التاريخ الحديث للصين، أي إلى فترة سلالة تشينغ، آخر سلالات الأباطرة التي حكمت الصين(1616-1911)، هناك ما يؤكد ويثبت أن حكام الصين في تلك الفترة، قد مارسوا السيادة والحكم والإدارة على هذه المياه والجزر، وقاموا بتعيين العديد من المبعوثين عليها، وتواصل أولئك المبعوثون وحكامهم، بشتى السبل مع دول مجاورة اعترفت بسيادة الصين على تلك المياه والجزر. وهناك العديد من هذه الحقائق والوقائع والنشاطات، مسجلة في سجلات التاريخ الصينية والإقليمية والدولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، شواهد وردت في أطلس خرائط طبع في ألمانيا يؤكد سيادة الصين على هذه المياه والجزر، وهناك وثائق لمستشرقين فرنسيين أشارت لتواجد الصينيين ونشاطاتهم على هذه المياه والجزر، واعتراف مسئولين من حكومات مجاورة للصين بسيادة الصين على هذه الجزر، وعدم وجود أي اعتراض على سيادة الصين وحقوقها على هذه المياه والجزر، وصدور تكليفات إلى الصين من هيئات الأمم المتحدة المعنية ومؤتمراتها، بموجب قوانين دولية نافذة صادرة عن مؤتمرات دولية معنية بهذه الشئون البحرية، ومنها قانون البحار، لتقوم الصين بتنظيم فعاليات ونشاطات وبناء أبراج ومنارات للسفن على هذه المناطق والجزر، وكل هذه أدلة اعتراف من المجتمع الدولي بسيادة الصين على هذه المياه والجزر. في مطلع عام 1948، أي خلال فترة جمهورية الصين(1912- 1949)، أصدرت الصين خريطة تضمنت بالتفصيل هذه الجزر والخطوط البحرية ضمن السيادة الصينية. وبعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949، دأبت أجيال القيادة فيها على ضمان هذه الحقوق التاريخية للصين في بحر الصين الجنوبي. ولكنها حرصت، وعلى أساس علاقات السلام وحسن الجوار، على ترك الخلافات جانبا، والتركيز على نقاط الاتفاق بما يجعل بحر الصين الجنوبي بحر سلام وتنمية مشتركة لكل الدول المتشاطئة عليه. هذه الحقائق والأدلة التاريخية تجعل من المستحيل على الصين أن تقبل بتحدي سيادتها أو التنازل عن حقوقها، مهما كلف الأمر. لكن الفلبين التي تفادت تماما فتح أي حوار مع الصين حول هذا الموضوع، وضمن الآلية المذكورة أعلاه، تعمدت رفع هذه القضية للتحكيم الدولي.
تدخل الأطراف الغريبة
الصين أعلنت بوضوح منذ البداية حول هذه القضية، بأنها منفتحة تماما على التفاوض بين الأطراف المعنية مباشرة، وترفض رفضا قاطعا تدويل القضية أو تدخل طرف غير معني بها. والصين تدرك تماما، والعالم كله يعرف حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول استغلال أي شيء، ومنه قرار محكمة التحكيم هذا، من أجل تفعيل ما تتبناه من سياسة الاحتواء ضد الصين. الصين المتزايدة القوة والتأثير بالعالم، تفهم طبيعة التنافس الجيوبوليتيكي بين القوى الكبرى، وهنا تحديدا مع الولايات المتحدة، ولكنها، رغم إمكانياتها الهائلة، لا تريد تنافسا عدائيا، بل تؤمن بأن البحر واسع بما فيه الكفاية لصالح الجميع. مع ذلك، فالمشكلة تكمن في عقلية الاحتواء والحرب الباردة؛ ورغم أن واشنطن تعلن أنها لا تنحاز لطرف ضد آخر في هذه القضية الإقليمية، ولكنها في الحقيقة هي الدافع الرئيسي للتوتر وتفاقمه ببحر الصين الجنوبي من خلال مساعيها لعسكرة هذا البحر، وتكريس نفوذها.
هناك علاقات جوار تاريخية ودية بين شعوب المنطقة عموما، وبين الشعبين الصيني والفلبيني خاصة، والكثير من أبناء الشعبين يدعون للحوار والتفاوض لمعالجة القضية، والحكومة الفلبينية الجديدة هي الأخرى داعية للحوار والتفاوض، ووضع التنمية الاقتصادية أولا. ولكن الإدارة الأمريكية، وهي من خارج المنطقة، تسعى لتأجيج الخلاف بين البلدين، وعليها أن تحترم رغبة الملايين من أبناء البلدين والمنطقة، وخياراتهم الذاتية. وهنا نتساءل، والشواهد بالعالم كثيرة على التدخل الأمريكي بشئون الدول الأخرى وخاصة جرائمها ضد الشعب العراقي، هل من حق واشنطن أن تتدخل في خيارات الشعوب، ومنها الشعب الفلبيني، أو تقود حكومته وقراراته؟
وكما أشرنا أعلاه، فإن الصين لا يمكن أن تتنازل بمسألة تخص حقوقها التاريخية ومصالحها الوطنية، ولم تفرط بالماضي، ناهيك عن الصين القوية الآن، بأي حق وطني. لذلك، وكما قلنا في بداية المقال، فإن قرار محكمة التحكيم هذا، ومعه التدخل الأمريكي بشئون بحر الصين الجنوبي، يمثل نقطة حساسة خطيرة، قد تكون لها عواقب لا مرد لها. الصين، شعبا وحكومة، رافضة لهذا القرار، وتؤكد بحزم أنها لن تقبله، ولن يغير من حقيقة الأمر شيئا، وتحذر بحزم شديد، كل من يسعى لتقويض الحقائق وزعزعة السلام والاستقرار بالمنطقة، وهذا التحذير موجه خصيصا لمن يحاولون تعكير المياه والاصطياد فيها. ولكن، رغم هذا الوضع الحساس، هناك ما يدعو للتفاؤل الحذر، وهو أن الصين عضو مسئول بالمجتمع الدولي، وتحترم القوانين الموضوعية، وتؤكد دوما على ضبط النفس، وأن أبواب الحوار والتشاور مفتوحة وستبقى كذلك، من أجل التوصل لحل يرضي الأطراف المعنية، وأن سياستها تجاه جيرانها قائمة بثبات على حسن الجوار ومشاركة الجوار وتحقيق المصلحة المشتركة للجوار، بما يجعل جنوب شرق آسيا، بل وعموم آسيا، منطقة سلام وتنمية تنشر السلام والتنمية للعالم أجمع.
-----------------------------------------------
الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، و ليس الشبكة
انقلها الى... : |
|
||
China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |