الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

د. أنور عبد الملك: عندما تفتح قلبي فوق سور الصين الكبير


دخلنا العاصمة حتى بلغنا ميدان السلام الدائم‏،‏ وهنا كانت لمسة جديدة من نوع جديد تفوق مساحة هذا الميدان عشر مرات مساحة ميدان التحرير‏،‏ وهذا مجرد تقدير رباعي الشكل‏:‏ الضلع الرئيسي هو مدخل المدينة المحرمة مقر الأباطرة والحكم وفي واجهته صورة ضخمة للرئيس ماو تسي تونغ ثم رأيت علي الجانب الآخر من الميدان أربع لوحات بنفس هذا الحجم لكل من ماركس وإنجلز ولينين وستالين‏.‏

وقفة لتبادل الأفكار مع مرافقيي تساءلت‏:‏ لماذا هذه الوجوه التاريخية الأربعة وكلها لمؤسسي وزعماء الاشتراكية والشيوعية في العالم‏،‏ وهل من المعقول أن يشاطروا قائد الثورة الصينية المكانة في أكبر ميادين العاصمة‏،‏ وأضفت أنني أري أن تكتفي العاصمة بصورة مؤسسها ورئيسها الأول دون إعلاء الصور الأربع الأخرى‏.‏ ساد الصمت وكأن العيون تتساءل‏.‏ وهنا لابد أن أستبق الأحداث لاستكمال الصورة‏:‏ فعندما عدت إلى الصين في رحلتي الدراسية الثانية بعد عامين ما أن وصلت بنا السيارة إلي الميدان العظيم حتى ضحك المرافق الصديق مشيرا إلي زوال اللوحات الأربع وقال بكل بساطة‏:‏ كانت ملاحظتك غريبة في آنها‏:‏ وعندما عرضناها على المسئولين رأيناهم يستجيبون بعد التشاور‏،‏ فهذا هو الميدان كما كنت تقترح بشعور صادق أليس كذلك‏.‏

ثم بدأ برنامج الزيارة في اليوم التالي بعد ساعات الراحة ليلا‏،‏ انطلقنا في الصباح الباكر لزيارة سور الصين الكبير الذي يمر قرب العاصمة متجها إلي عمق الصين‏،‏ وقد أقامه الأباطرة بدءا من القرن الثالث قبل الميلاد لحماية الصين من توغل الغزوات‏.‏ وعندما وصلنا إلي السور صعدنا درجات السلم حتى السطح‏.‏ وأصابتني الروعة أمام منظر عشرات الكيلو مترات الممتدة من العاصمة تخترق الغيوم حتى الأفق‏.‏ رئيس الوفد المرافق شرح التاريخ ومكانة هذا السور العظيم في السياسة والحرب والوجدان مرحبا بالضيف المصري المنبهر‏.‏ ثم ألقيت كلمة للتعبير عن الامتنان والانبهار والإشادة بحضارة الصين العريقة شريك الحضارة المصرية منذ أقدم العصور‏،‏ وقد دخلت عبر الثورة في مرحلة النهضة بقيادة حزبها الكبير ورئيسها التاريخي وصحبه‏.‏

انتهت الزيارة فوق السور‏،‏ أو هكذا تصورت‏،‏ وفجأة رأيت المضيف الكريم يستأنف الحديث‏:‏ يقول بالنص الصيني صديقي الرفيق ملك إنك تحيي حضارة الصين العريقة‏.‏ شكرا لك‏.‏ ولكن نرجو أن تدرك أن مصر ألفي عام قبل الصين هي التي أقامت الأهرامات‏..‏ وهكذا كان ترحيب المضيفين فوق سور الصين العظيم في الساعات الأولي من اليوم الأول لرحلتي الأولي إلي الصين‏.‏

تأثرت إلي حد الذهول لهذه التحية الحضارية غير المألوفة التي لم أستمع إلي ما يماثلها في بلاد عجائب الدنيا كما عرفتها‏،‏ وهي تحية تكررت بعد ذلك بشكل تلقائي مع الناس في الشارع والفندق والأكاديمية والمطاعم وفي اجتماعات مع المثقفين والمعاهد البحثية والمجالس السياسية‏.‏



     1   2   3    




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :