الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط    أ أ أ

د. أنور عبد الملك: عندما تفتح قلبي فوق سور الصين الكبير


زار د. أنور عبد الملك الصين عدة مرات، وصعد سور الصين العظيم. في مناسبة الذكرى السنوية الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، كتب مقالا بعنوان "عندما تفتح قلبي فوق سور الصين الكبير"، نشرته جريدة ((الأهرام)) المصرية مؤخرا.

 

عندما تفتح قلبي فوق سور الصين الكبير

د. أنور عبد الملك

كيف ترى نحتفل بالذكري الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية أول أكتوبر‏1949‏ ؟ في ذلك اليوم المحوري في تاريخ الصين‏،‏ وكذا العالم أجمع‏،‏ كما بدأ يدركه عالمنا اليوم‏،‏ وقف ماو تسي تونغ على شرفة المدينة المحرمة‏،‏ قصر أباطرة الصين‏،‏ يعلن باسم الحزب الشيوعي الصيني انتصار الثورة وتأسيس جمهورية الصين الشعبية بكلمات فاتحة‏:‏ أمتنا لن تكون من الآن موضع السب والمهانة‏،‏ من اليوم أمتنا تقف شامخة‏!‏ ومن ميدان السلام الدائم ‏(‏ تيان أن من‏)‏ تعالت هتافات الملايين‏:‏ عشرة آلاف عام‏!‏ وهي التحية التقليدية لأباطرة الصين يوم اعتلاء الحكم‏.‏

من كتاب الذكريات،‏ بدلا من التحليل‏،‏ هذه اللمسات من رحلتي الأولي إلي ديار الصين في مطلع أكتوبر‏1978.‏

كنت آنذاك مديرا للأبحاث في المركز القومي للبحث العلمي في باريس‏،‏ وبعد انتخابي نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلم الاجتماع‏،‏ توليت مهام الأستاذ المنسق للمشروع الرئيسي في العلوم الإنسانية بجامعة الأمم المتحدة في طوكيو‏(1976‏ ـ‏1989).‏ وفي هذه الظروف التقيت بالعالم الكبير فاي تشاو تونج‏،‏ مندوب الصين في مجلس الجامعة ورئيس اتحاد علم الاجتماع الصيني الذي كان يتولى منصب مدير معهد الأقليات في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية‏،‏ وهي الترسانة الفكرية التي أقامها شو إن لاي‏،‏ رجل الدولة العظيم وزير خارجية ورئيس وزراء الصين‏،‏ لتعبئة أهم مفكري وباحثي وعلماء الصين في جميع المجالات لمواصلة بناء الصين الجديدة بعد تقلبات الثورة الثقافية‏.‏ وقد أدرك العالم الكبير عمق اهتمامي بنهضة الصين بعد الثورة وقرر التوسط لدي الأكاديمية لدعوتي إلي الصين‏،‏ وقد علمت أنني ثاني المفكرين بعد جون فيرباك الذين تمت دعوتهم‏،‏ ثلاثة شهور بعد نهاية الثورة الثقافية وإقرار التوجه الإسلامي الجديد الذي رفع لواءه دنغ شياو بينغ رفيق ماو تسي تونغ حول شعار أن نتعلم من الواقع من الواقع وليس من تراث النظريات السابقة‏.‏

لمسة أولى،‏ سرعان ما توالت بعدها اللمسات المثيرة الشيقة‏،‏ اللمسة الثانية من مطار بكين إلي الفندق في العاصمة‏.‏ في المطار فوجئت بوفد استقبال وسيارتين من الأكاديمية وسجاد أحمر وزهور‏،‏ قال مندوب الأكاديمية‏:‏ قال كونفوشيوس‏،‏ أستاذنا الأول‏:‏ إن الضيف الذي يحضر لزيارتنا من بعيد هو ضيف كريم‏..‏ كلمات فتحت طريقا جديدا بعيدا عن الكتب‏.‏

ثم انطلقنا بالسيارتين نحو العاصمة‏.‏ وعلي أبواب العاصمة رأيت عمودين علي بداية مداخل العاصمة‏.‏ الزميل المرافق أمر بتوقف السيارتين‏،‏ وإذ بأشياء غريبة فوق العمودين‏.‏ قال صديقي المرافق‏:‏ إنها أدوات للرصد الفلكي علي تنوعها جاء بها الصديق القس الايطالي ماثيو ريتشي‏(1552‏ ـ‏1610)‏ عندما جاءنا كما تعلم في القرن السادس عشر‏.‏ وقد أمر الرئيس ماو ألا تمس هذه الأدوات أثناء الثورة الثقافية اعترافا من الصين بما قدمه الصديق العالم الكبير إلي بلادنا‏...‏ أصابني الذهول‏.‏ كنت أعرف أن ماثيو ريتشي من أعضاء هيئة الياسوعيين في إيطاليا‏،‏ وأنه قرر الذهاب إلي الصين عام‏1583‏ ليحمل إليها معاني العلم الجديد والفكر المسيحي المستنير‏.‏ كانت هذه كبرى رحلات استكشاف الصين قبل ماركو بولو‏.‏ استقر الأب ريتشي في بلاط الإمبراطور الذي رحب به عالما ومفكرا ومبشرا لدين يحترم حضارة الصين‏،‏ بل وعينه مستشارا علميا له وأطلق عليه اسم لي ماثو وفي بكين‏،‏ اجتهد ماثيو ريتشي‏،‏ أي المستشار لي ماثو‏،‏ لبناء قنوات التفاهم والشراكة بين تعاليم المسيحية الكاثوليكية وأفكار كونفوشيوس الملهمة لحضارة الصين‏،‏ وهو المنهج الذي أطلق عليه فيما بعد منهج التثاقف ـ بعيدا عن التبشير والتعالي‏.‏



1   2   3    




تعليق
مجموع التعليقات : 0
مجهول الاسم :