الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
موقع الكفاح العربي: المثلث الاستراتيجي الحاسم
إطلالة جديدة
لكن، كيف يتعين على المحللين التفكير بهذا المثلث الاستراتيجي الجديد؟ وكيف يمكن لهذا المثلث أن يتطور، وما تأثيره على الشؤون الدولية ؟
من الخطأ الإطلالة على المثلث الجديد بالطريقة نفسها التي تم الإطلالة بها على المثلث القديم بين روسيا واميركا والصين خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. إذ أن المثلث الجديد له سمات عدة خاصة به منها :
أولا، أطراف هذا المثلث اكثر سيولة واقل جمودا. فأي عمل يقوم به طرف من أطراف المثلث، لا يثير رد فعل معارض من الطرفين الآخرين. كما أنه لا يوجد تحالف استراتيجي بين طرفين ضد الطرف الثالث. وعلى عكس المثلث القديم الذي لم يكن فيه للصين والولايات المتحدة اتصالات مع المجتمع السوفييتي، المثلث الجديد تفاعلي إلى حد بعيد. وهكذا فان كل اقتصاد ومجتمع وحكومة مترابطة مع مثيلاتها في المثلث ومعتمدة بعمق عليها.
بكلمات أوضح : هذا ليس مثلثا يستند إلى الحصيلة صفر لتحالف طرفين ضد الطرف الثالث، بل هو مثلث يقوم على حصيلة إيجابية تشمل بعض المصالح المشتركة بين الأطراف الثلاثة. وعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة وأوروبا تتشاطران جملة من الرؤى المشتركة حيال اندماج الصين في النظام العالمي، واحترام حقوق الإنسان، والانتقال إلى اقتصاد السوق وتأسيس حكم القانون، وتعزيز المجتمع المدني وتحرير النظام السياسي وجعل الإعلام حرا واكثر استقلالية، وحماية البيئة.
وفي الوقت نفسه، أوروبا والصين لهما مصالح مشتركة في قيام نظام دولي يستند إلى التعددية القطبية أو التعددية الدولية، وفي تطوير العلاقات التجارية والثقافية بينهما. والحال أن الأطراف الثلاثة متفقة على بعض القضايا مثل حظر انتشار الأسلحة النووية وتحرير التجارة العالمية.
الاختلاف الثاني هو أن هم الأمن القومي لا يهيمن على هذا المثلث كما كان الأمر إبان الحرب الباردة. وبرغم انه (الهم) يلعب دورا مهما في العلاقات الصينية- الأميركية، خاصة في إطار تايوان، إلا أن روابط واشنطن وبكين عميقة بشكل استثنائي وتعمل على مستويات عدة تتضمن علاقات مهمة بين المجتمعين. والأمن القومي ليس البتة سمة من سمات العلاقات الأوروبية- الصينية التي تستند إلى التجارة والتفاعل الثقافي المتزايد.
وهكذا، وعلى عكس المثلث الاستراتيجي القديم، المثلث الجديد لا يربط مصيره بتوازن الرعب النووي وعلى التنافس العالمي على الدول التابعة، وعلى افتراضات الحصيلة صفر (حيث البرح الصافي لطرف يشكل خسارة صافية للطرف الآخر) حيال سياسات وسلوكيات كل ضلع من أضلاع هذا المثلث.
الاختلاف الثالث يكمن في التباينات المهمة بين الأطراف الثلاثة. فللولايات المتحدة وأوروبا بالتأكيد خلافاتهما حول العراق، وسلسلة الاتفاقات الدولية ودور الأمم المتحدة في العالم، وحظر الأسلحة على الصين. وأوروبا والصين تتنازعان حول التجارة وحقوق الإنسان وانتشار الأسلحة وحرية المجتمع المدني. كل هذه العوامل تسفر عن سيولة وتحولات عميقة في تركيبة المثلث الجديد، حيث تتقاطع المصالح مرة وتتباين مرة أخرى. وهكذا تقف أوروبا وأميركا مرة جنبا إلى جنب، ومرة أخرى تجد أوروبا والصين نفسيهما في زورق واحد، ومرة ثالثة تتقاطع مصالح الصين وأميركا، ومرة رابعة تتشابك مصالح الأضلاع الثلاثة معا. ما لم يحدث حتى هذا اليوم هو بروز وضع تتوحد فيه المقاربات الصينية- الأميركية ضد المصالح الأوروبية.
لهذه الأسباب وغيرها، يمتلك المثلث الجديد بين أميركا وأوروبا والصين ديناميات مختلفة عن تلك التي هيمنت على الشؤون العالمية منذ بدء الانفتاح الأميركي على الصين في العام 1971 إلى التقارب الصيني- السوفياتي في أواخر الثمانينيات. ورغم أن التوترات قائمة بين محوري الصين- أميركا وأوروبا- أميركا، إلا انه لا يتوقع أن تتطور هذه التطورات إلى تنافسات كتلك التي ميزّت علاقات المثلث القديم. بالطبع، نزاع بين الصين وأميركا حول تايوان أو حتى حول كوريا الشمالية قد يغيّر إلى حد كبير هذا التوصيف. والتوترات المتصاعدة عبر ضفتي الاطلسي حول جملة من القضايا مثل العراق وإيران والأمم المتحدة وحلف الأطلسي أو التجارة، يمكن أن تغيّر أيضا هذه الديناميات عبر زيادة افتراق أوروبا وأميركا عن بعضهما البعض.
لكن، ما يمكن أن يخفف من هذه السلبيات هو أن أضلاع المثلث الثلاثة متفقة على القضية الأهم : تدبير مسألة اندماج الصين في النظام العالمي بطريقة سلسة وسلمية. وكما هو معروف تاريخيا، القوى الصاعدة، بما في ذلك أوروبا وأميركا، عمدت غالبا إلى زعزعة النظام العالمي بشكل خطير. وسيتعين الآن على أطراف المثلث الاستراتيجي الجديد أن تضمن بأن التاريخ لن يكرر نفسه. وهذا سيتطلب جهدا من كل الأطراف الثلاثة كي يركزوا تفكيرهم على القضية المركزية وهي إدماج الصين، بدون أن ينغمسوا في النزاعات الثانوية الأخرى. كما سيتطلب الأمر أيضا إجراء حوار مكثف ليس فقط بين كل ثنائي من أضلاع المثلث بل أيضا بين كل هذه الأضلاع مجتمعة. وعلى سبيل المثال، قمة سنوية أو شبه سنوية لرؤساء دول الصين وأميركا وأوروبا سيكون آلية عظيمة الفائدة.
وإذا ما تمكنت القوى الثلاث من العثور على وسيلة لإجراء حوار إيجابي مشترك، وتنسيق السياسات، وتعزيز التعاون الملموس، فان العالم سيكون اكثر استقرارا.
شبكة الصين / 20 أغسطس 2009 /
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |