الصفحة الأولى | اطبع | أرسل لصديق | أضف إلى المفضلة | اتصل بنا | حجم الخط أ أ أ |
الصين.. انطباعات الرحلة الأولى (صور)
سائحون صينيون في زيارة إلى ضريح كونفوشيوس بمدينة تشيويفو
عند الاحتكاك مع الصينيين تتعلم الكثير من الحِكَم. فأثناء زيارتي للصين زرت عدة أماكن تاريخية وأثرية مهمة. فالمدينة المحرمة لم تعد محرمة اليوم، بل أصبحت مقصدا للكثير من الصينيين والأجانب وقد استمتعت كثيرا بزيارتها وسماع قصتها. وكانت تجربة صعود السور العظيم مثيرة وتستحق المغامرة. أما زيارة تشيويفو، مدينة الفيلسوف الصيني العظيم كونفوشيوس، فكانت تجربة ثرية تشعر من خلالها بأنك تعود بالتاريخ للوراء لاكتساب الحكم والعبر. وربما فسر هذا الإحساس لدي ظاهرة رصدتها أثناء زيارة الأماكن التاريخية والمعابد بالصين وهى أن نسبة السياحة الداخلية لتلك المعابد والمزارات مرتفعة. فنسبة كبيرة من الأفواج السياحية الموجودة كانت من الصينيين أنفسهم، فالصينيون معنيون بالتواصل مع تاريخ الأسلاف ليس لمجرد معرفة هذا التاريخ وإنما الإيمان به والاعتقاد الكامل به والتواصل معه.
وإذا كنا نتحدث عن أن إحدى مشكلات الصعود الصيني تتمثل في افتقادها لعناصر القوة المرنة وخاصة مشكلة اللغة، وأن هناك صعوبة شديدة في التعامل في الصين بسبب حاجز اللغة وكنت مقتنعة تماما بذلك قبل ذهابي إلى الصين، إلا أن التجربة الفعلية غيرت تلك القناعات، فاللغة الإنجليزية منتشرة خاصة بين صغار السن في الصين، فليس غريبا الآن أن تجد بائعة صغيرة السن في محل تجاري تتحدث معك باللغة الإنجليزية. كما أن هناك حرصا على تعلم اللغة الإنجليزية لدى من يجهلونها.
أما عن منظومة القيم الصينية فكثيرا ما قرأت عن منظومة القيم الكونفوشيوسية التي أرجع إليها الكثيرون الفضل فيما حققته الصين ودول المنطقة من تقدم مهم في المجال الاقتصادي، خاصة في ظل ما تقوم عليه من مبادئ تتمثل في الهيراركية وأولوية الأسرة والجماعة على الفرد، وأهمية الإجماع، والعمل الجاد، وأهمية التعليم. برغم أن فترة إقامتي بالصين كانت قصيرة إلا أنني كنت حريصة خلالها عند التعامل مع الصينيين على اكتشاف إلى أي مدى ما زالت تلك المنظومة القيمية حاكمة لهم، حيث اتضح لي مدى عمق هذا الأمر، فالتعليم والعمل الجاد أولويات مهمة بالنسبة للشعب الصيني، ونرجع مرة أخرى لبائعة في محل تجاري تجدها تمسك بكتاب تقرأه وأخرى تقوم بأشغال ومنسوجات يدوية وبجانب عملها.
قضاء الصينيين لأوقات المساء في الميادين العامة ظاهرة أعجبتني بشدة. في الميادين الواسعة يخرج الصينيون مساءً صغارا وكبارا للسهر والاستمتاع بالوقت حيث تجد شبابا يمارسون بعض أشكال الرياضة ومجموعة ثانية تُمارس بعض أشكال الرقص وفريق ثالث يتجمع حول شركة ما للدعاية. وبشكل عام فهناك قدرة لدى الصينيين على الاستمتاع بالوقت ولكن الأهم هو الفصل بين وقت الفراغ ووقت العمل.
ليس صحيحا أن الصين مصدر لكل ما هو رخيص ومنخفض الجودة، وليس صحيحا أن الصينيين شعب عدواني، فالصين تجربة مختلفة والشعب الصيني يستحق كل التقدير والاحترام ليس فقط على معجزته التي حققها ولكن أيضا على أسلوبه ترحيبه المتميز.
ما رأيته في الصين مثّل خبرة مميزة بالنسبة لي، خاصة أنه يختلف بصورة كبيرة عن معرفتي السابقة. لكن المهم بالنسبة لي أن الصين، رغم القراءة والزيارة، ما زالت بحاجة لمزيد من التعمق والبحث في هذه التجربة المتميزة والتي كلما تعمقت فيها تعلمت منها وزاد تقديري لها ورغبت في معرفة المزيد.
(العدد 8، مجلة الصين اليوم)
شبكة الصين / 11 أغسطس 2009 /
تعليق |
مجموع التعليقات : 0 |