| arabic.china.org.cn | 22. 12. 2025 | ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
في الثالث والعشرين من سبتمبر 2025، خلال الاجتماع الرفيع المستوى لمبادرة "التنمية العالمية" الذي عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، أكدت الصين وضعها كـ"دولة نامية كبيرة تتحمل مسؤوليتها"، مما أثار نقاشا واسعا في الأوساط الدولية. قد يبدو أن وضع الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم ورائدة في التصنيع ولها قصب السبق في التقنيات التكنولوجيا المتقدمة، لا يتفق تماما مع كونها دولة نامية.
ثمة رؤية ضبابية في العالم حول وضع الصين كدولة نامية، مع وجود تساؤلات بشأن القضية الكبيرة المتعلقة بمسارها المستقبلي. واليوم، يتشابك هذان الأمران معا. يثير انخراط الصين في النظام الدولي القائم قلقا خاصا لدى كثيرين في الغرب. وتفاقم هذه الشكوك، على ما يبدو، مخاوف المجتمع الدولي إزاء طبيعة الدور الذي ستضطلع به الصين في الشؤون العالمية.
في الثالث والعشرين من سبتمبر 2025، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ أن الصين لن تسعى للحصول على "معاملة خاصة وتفضيلية" جديدة في المفاوضات الحالية والمستقبلية لمنظمة التجارة العالمية. تشير هذه "المعاملة الخاصة والتفضيلية" إلى سلسلة من البنود التفضيلية التي تقدمها منظمة التجارة العالمية للأعضاء من الاقتصادات النامية والأقل نموا.
عموما، تشمل هذه البنود: فترات انتقالية أطول للوفاء بالالتزامات التجارية؛ ومرونة أكبر في تحمل الالتزامات، مع السماح بالإبقاء على بعض الحواجز التجارية لفترة أطول. وبموجب البنود المعنية، يتم تشجيع الدول المتقدمة على تقديم مساعدات فنية ودعم بناء القدرات، وخلق فرص تفضيلية للصادرات من الاقتصادات النامية عبر خفض التعريفات الجمركية أو الإعفاء من نظام الحصص. بالإضافة إلى ذلك، وفقا للمعاملة الخاصة والتفضيلية، يحق للدول النامية اتخاذ إجراءات وقائية لحماية الصناعات الناشئة وضمان الأمن الغذائي وتعزيز تحقيق أهداف تنموية أوسع.
عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، كانت لا تزال "دولة هامشية". وبعد عقود من الجهود المتواصلة، أصبحت "دولة شبه هامشية" في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. واليوم، تبزغ الصين بشكل متزايد كـ"دولة مركزية" في الاقتصاد العالمي، خاصة في المجالات الرئيسية مثل التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع والتجارة.
في هذا السياق، فإن إعلان الصين التخلي عن المعاملة الخاصة والتفضيلية له مغزى كبير وتأثير بعيد المدى. فهو يرسل إشارة واضحة إلى العالم: الصين مستعدة لتحمل مسؤوليات مماثلة لتلك التي تتحملها الدول المتقدمة، مع استعدادها لأن تكون جسرا يدافع عن مصالح الاقتصادات النامية في نظام التجارة العالمية.
من المتوقع أن يعزز هذا الإجراء تأثير الصين كمشرع للقواعد في المفاوضات التجارية العالمية. فلن تتمكن الصين من حماية مصالحها الخاصة فحسب، وإنما أيضا ستتمكن من السعي لتحقيق قواعد ونتائج أكثر إنصافا للدول النامية. إن مواصلة الصين تعريف نفسها كدولة نامية تؤكد موقفها المتضامن مع دول "الجنوب العالمي"، وتظهر أيضا أنها كدولة نامية تواجه تحديات تاريخية وهيكلية مماثلة، مما يحافظ على شرعيتها السياسية.
إستراتيجية الوضع المزدوج هذه للصين لها آثار متعددة الأبعاد في تحقيق التوازن بين أهدافها المختلفة؛ فهي تمكن الصين من إظهار عزمها على الالتزام بالمعايير الدولية والوفاء بمسؤولياتها كدولة كبيرة أمام الدول المتقدمة، مع المحافظة في الوقت نفسه على دعوتها للمبادئ والقواعد وتأثيرها وقوتها الناعمة بين الدول النامية.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الصين، على الرغم من أنها كانت تتمتع بمعاملة خاصة وتفضيلية كدولة نامية في منظمة التجارة العالمية، تحملت منذ فترة طويلة مسؤوليات ثقيلة في مجال التنمية العالمية. خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2021، أصبحت الصين مصدرا رئيسيا لتمويل التنمية على مستوى العالم، حيث التزمت بتقديم أكثر من تريليون دولار أمريكي للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وهو ما يتجاوز حجم جميع المانحين الثنائيين الآخرين.
في الوقت نفسه، أصبحت الصين رائدة عالميا في مجال الاستثمار في البنية التحتية عبر مبادرة "الحزام والطريق" والمشروعات المرتبطة بها، حيث تشكل الموانئ والسكك الحديدية ومحطات توليد الطاقة والبنية التحتية الرقمية التي شيدتها الصين في مناطق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ركائز أساسية لإستراتيجيات الربط والنمو الاقتصادي المحلي.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الصين أكبر دائن ثنائي للدول النامية، حيث تجاوز حجم قروضها إجمالي قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس مجتمعين. وقد أسهم ذلك في ترسيخ مكانة الصين المحورية في تمويل التنمية العالمية.
في الأول من سبتمبر 2025، خلال اجتماع "منظمة شانغهاي للتعاون+" في تيانجين، قدم الرئيس شي جين بينغ مبادرة "الحوكمة العالمية". تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز وتحسين نظام الحوكمة العالمية لمواجهة الوضع الدولي المتغير بسرعة والتحديات العالمية غير المسبوقة.
تتعاطى هذه المبادرة مع قضية العصر الأساسية: أي نظام للحوكمة العالمية ينبغي لنا أن نبنيه؟ وكيف يمكن إصلاح وتحسين النظام الحالي؟ تشكل مبادرة "الحوكمة العالمية" امتدادا طبيعيا للمبادرات السابقة التي قدمها الرئيس شي، وهي مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة "التنمية العالمية" ومبادرة "الأمن العالمي" ومبادرة "الحضارة العالمية"، والتي ترسم معا رؤية الصين الشاملة لبناء نظام دولي جديد أكثر تعاونا.
تجمع الصين بين الإجراءات السياسية الملموسة (مثل التخلي عن المعاملة الخاصة والتفضيلية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية) والمفاهيم الكبرى مثل مبادرة "الحوكمة العالمية"، مما يظهر التزامها بالقيادة بموقف عملي. يهدف نهج الصين إلى ترجمة مفاهيم الحوكمة العالمية إلى ممارسات مسؤولة. ومن خلال هذه الإجراءات، تظهر الصين للعالم أنها ليست فقط مقترحة للمبادرات العالمية، وإنما أيضا منفذة نشيطة لها.
تشكل هذه القرارات الصينية تحديا لمقولات الواقعية السياسية التقليدية الغربية، التي تدعي أن أي قوة صاعدة لا بد أن تسعى للتوسع العالمي والهيمنة بعد بلوغها مصاف القوى العظمى. ويبرز تنازل الصين الطوعي عن المعاملة الخاصة والتفضيلية الجديدة السمات المميزة لنهضتها السلمية: التمسك بالحوار الدبلوماسي والتعميق المتواصل للتعاون المتعدد الأطراف والمحافظة على الاستقرار العالمي، وتقاسم المسؤوليات الدولية.
باختصار، لا تعد المبادرات العالمية المتعددة التي أطلقتها الصين وقرارها بالتخلي عن المعاملة التفضيلية في منظمة التجارة العالمية مجرد تعديل سياسي، بل خطوة مدروسة لإعادة تعريف دورها في الحوكمة العالمية. إن تحديد الصين لوضعها كفاعل عالمي مسؤول وعضو ثابت في مجتمع الدول النامية، يعزز رؤيتها الكبرى لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية من خلال هذا الوضع المزدوج.
يتيح هذا التحرك المتوازن للصين تأكيد التزامها بالمعايير الدولية مع المحافظة على تضامنها مع دول "الجنوب العالمي"، مما يحافظ على شرعيتها الأخلاقية ويوسع تأثيرها في آن واحد.
أنا على قناعة بأن الصين ستواصل هذا النهج، لأنها أظهرت من خلال أفعالها أنها تمتلك ليس فقط القدرة، بل والعزيمة أيضا للوفاء بتعهداتها تجاه التعاون الإنمائي العالمي والحوكمة العادلة. وتنبع هذه الثقة من إدراك واضح: فالصين تتجاوز وضعها كدولة نامية، وتتطور كدولة تكرس نفسها للعب دور قيادي في تعميق التعاون الإنمائي العالمي والعمل مع جميع الدول من أجل بناء مستقبل أكثر ازدهارا وجمالا للعالم.
لي شينغ، باحث أكاديمي بجامعة الدراسات الأجنبية في قوانغدونغ، ومدير مركز الدراسات الأوروبية بمعهد قوانغدونغ للدراسات الإستراتيجية الدولية.
![]() |
|
![]() |
انقلها الى... : |
|
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |