share
arabic.china.org.cn | 21. 11. 2025

رسالة من الشرق الأوسط: في اليوم العالمي للطفل .. والي الدين طفل سوداني يحلم بالمستقبل رغم أحمال الفقد

arabic.china.org.cn / 09:00:00 2025-11-21

الخرطوم 20 نوفمبر 2025 (شينخوا) في أطراف مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، تلك الرقعة القاحلة الممتدة حتى خط الأفق، كانت الأغنام تتناثر مثل بقع بيضاء فوق تراب أكلته الرياح، وبينها، كان والي الدين، يتنقل بخفّة طفل وحذر رجل كبير، يلوّح بعصاه الدقيقة، يراقب القطيع ويعيد الشارد منه.

ملامحه الطفولية تختبئ خلف نظرة أثقلتها الظروف، يرفع طرف جلبابه المتربة بين حين وآخر، ويحكّ عنقه من العرق، ثم يعود لعمله، وكأنه وُلد وهو يحمل مهمة أكبر من جسده الصغير.

يبلغ والي الدين من العمر 12 عاما فقط، لكن سنوات الحرب والنزوح، وما جرّته من فقدان وانقطاع، جعلته أقرب إلى رجل يتجاوز عمره بثلاثة أضعاف.

يقضي والي الدين ما يقارب ست ساعات يوميا في الرعي ومراقبة القطيع بين الحقول الرملية القريبة، وأحيانًا تسع ساعات في العطلات.

لا يتقاضى الطفل مرتبا ثابتا، لكنه يحصل من عمه على ما بين 100 و150 ألف جنيه شهريا، وبعض النقود اليومية التي لا تتجاوز الألف جنيه (الدولار يساوي نحو 3421 جنيه سوداني).

-- الليلة التي تغيّر فيها كل شيء

قبل عام واحد، كان والي الدين يعيش في بيت من الطين على أطراف مدينة بارا بولاية شمال كردفان، والده مزارع وجندي سابق يجلس ليلا مع أطفاله حول نار الحطب، ويحكي لهم عن المواسم والمطر وحكايات الجندية، فيما كانت أمه تخبز وتغني، وأخواته يركضن في الفناء تحت ظل شجرة نبق تعرف ضحكاتهم جميعًا.

وفي مساء 28 أكتوبر 2024، لم تعد الشجرة تعرف ضحكا بعدها، عند الساعة العاشرة مساء اقتحمت قوة مسلحة من الدعم السريع حيّهم في الجانب الشرقي من مدينة بارا، كان والي الدين يختبئ خلف شجرة النبق نفسها، عندما رأى والده يندفع ليحمي النساء والأطفال، ارتفعت أصوات الرصاص، ثم سقط والده.

لم يبكِ، تحجّر وجهه، وكأن الزمن توقف حوله، بقي على حاله ساعات طويلة، بصمت أعمق من الصراخ، بعد يومين فقط، حين دُفن والده، انفجرت الدموع دفعة واحدة، كأنها كانت تنتظر إذنًا بالرحيل.

ومع تزايد الاقتحامات وخوف العائلات من تجنيد الأطفال، هرب والي الدين مع مجموعة من الصبية، ساروا لثلاثة أيام فوق وادٍ جاف، يختبئون بين الأشجار كلما مرّت سيارات مسلحة، وأخيرا وصل إلى بيت عمه في أطراف مدينة الأبيض، وهو يحمل كيسًا صغيرًا فيه ملابس قليلة، ودفترًا لم يتركه.

ويروي عمّه، محمد الحسن، وهو يجلس على حصير قديم، ما حدث لأخيه، قائلا "انهال الرصاص كالمطر على منزل أخي عبد الله (والد والي الدين)، في لحظة اختطف الموت أخي، لقد رأي والي الدين كل شيء".

يصمت قليلا، يمسح وجهه بكفه الخشنة قبل أن يضيف "بينما تمكن والي الدين من الخروج من المدينة، فان أمه وأخواته الثلاث لم يستطيعوا الهروب ومازالوا في بارا حتى الآن".

ومنذ ذلك اليوم، يعيش والي الدين على حافة قلق دائم، بين رعي الأغنام صباحا ومتابعة دروسه في مدرسة حكومية متواضعة، يظل ذهنه معلّقًا هناك، حيث ترك قلبه.

-- طفل يحاول أن يكبر رغم الجرح

في المدرسة، وبحسب المعلمة أميرة النور، يظهر الذكاء في عينيه قبل أن ينطق، وتقول "لهذا الطفل إصرار غريب، تبدو عليه ملامح التعب والإرهاق، ولكنه لا يضيع أي حصة".

وتضيف وهي ترتّب دفاتر التلاميذ "يبدو عليه الاضطراب نتيجة ما حدث أمام عينيه، في أحيان كثيرة يجلس لوحده، ينظر في الأرض، وإذا سألناه، يقول: أشتاق لأمي".

أما الطريق إلى المدرسة، فهو فصل آخر من المعاناة، ثلاثة كيلومترات يومية، يستيقظ قبل الفجر ليقطعها.

يروي والي الدين نفسه، بينما يتابع قطيعه بعينين يقظتين "أستيقظ باكرا، وأتحرك نحو الطريق الرئيسي، في مرات أجد من يقلني إلى المدرسة عبر سيارة أو عربة كارو، ومرات اضطرّ للذهاب مشيا على الأقدام".

ورغم صغر سنه، يحاول أن يوازن بين العمل والدراسة دون شكوى، "أريد مساعدة عمي، لكني مصر علي الاهتمام بالدراسة"، هكذا يقولها ببساطة طفل، وبرغبة رجل.

-- أثر الفقد

وترى أخصائية علم النفس في مدينة الأبيض آسية عبد المحمود، أن حالة والي الدين ليست فريدة، لكنها مؤلمة، وتقول "بعد الأحداث الأخيرة، هناك أعداد كبيرة من الأطفال المنفصلين عن أمهاتهم أو فاقدي آبائهم، وهذا يخلق فراغا نفسيا خطيرا".

وتتابع "الوضع الاقتصادي لا يساعد هؤلاء الأطفال أبدا، هناك أطفال يدخلون سوق العمل في سن صغيرة جدا، وهذا له تأثير نفسي كبير".

وتصف آسية حالة والي الدين تحديدا بأنها حالة "قلق دائم مرتبط بالانفصال"، وقالت "نراه يركز على العمل والدراسة، لكن في داخله هناك خوف مستمر وقلق من المستقبل".

بالقرب من بارا، تحدثنا عبر وسيط مع والدة والي الدين، التي تحدثت بصوت مضطرب "مازلنا هنا (بارا)، لكن الوضع صعب، أتمنى رؤية إبني، لكن الطرق غير آمنة".

ثم قالت جملة بسيطة، لكنها تحمل من الدموع أكثر مما تحتمله الكلمات "أخته الصغرى لا تنام إلا عندما نخبرها أن أخيها بخير وسيعود قريبا".

وفي المقابل، لا يمتلك والي الدين هاتفا، لكنه يستخدم أحيانا هاتف عمه أو هاتف تاجر صغير قرب المدرسة، مقابل مبلغ بسيط، ليطمئن على أمه وأخواته مرة أو مرتين كل أسبوع، المكالمة قصيرة جدًا، سؤال عن الصحة، وعبارة سريعة: "أنا بخير، لا تقلقوا".

-- أمنية واحدة في اليوم العالمي للطفل

في اليوم العالمي للطفل والذي يصادف 20 نوفمبر من كل عام، سألنا والي الدين عن أمنيته. تردّد، حكّ التراب بطرف عصاه، نظر جهة بارا ثم رفع رأسه، قائلا "أريد أن أصبح شرطيا، لكي أحمي الناس، لا أريد لطفل آخر أن يرى أباه يُقتل أمام عينيه، ولا أن يفترق طفل عن أهله كما حدث لي". 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号