share
arabic.china.org.cn | 19. 11. 2025

مقالة خاصة: "طفولة في الخيام".. أطفال الفاشر يكبرون على رماد الحرب

arabic.china.org.cn / 08:59:13 2025-11-19

الدبة، شمالي السودان 18 نوفمبر 2025 (شينخوا) على أطراف مدينة الدبة، الواقعة على بُعد نحو 340 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة السودانية الخرطوم، تنتشر صفوف طويلة من الخيام البيضاء التي تحولت إلى موطن مؤقّت لآلاف النازحين الفارين من القتال في مدينة الفاشر.

وبين تلك الخيام، ترتفع ضحكات خافتة لأطفال يركضون حفاة فوق الرمال الحارقة، في محاولة لاستعادة شيء من طفولتهم الضائعة.

يصنع الأطفال كرة من قطع القماش، ويرسمون أحلامهم على أرض لا تعرف الاستقرار، هؤلاء الصغار جاءوا من الفاشر، لكنهم لا يعرفون عنها اليوم إلا "بيتا احترق" و"مدرسة لم يعودوا يذهبون إليها".

تجلس الطفلة صفاء، ذات العشرة أعوام، أمام خيمتها وهي تقلب دفترا ممزق الغلاف، تقول بصوت يختلط بالحزن "كنت في الصف الرابع...كانت المدرسة جميلة، وعندما اقترب القتال، طلبوا منا أن نعود إلى بيوتنا، ومن يومها لم نرجع إلى المدرسة".

وتتحدث صفاء لوكالة أنباء ((شينخوا)) وكأنها تسترجع سنوات طويلة، رغم أن عمرها لا يسمح لها حتى بفهم طبيعة الصراع الذي اقتلعها من عالمها الصغير، تمسح الغبار عن صفحة فارغة، وكأنها تبحث في الكتابة عن وسيلة لاستعادة جزء من ذاتها.

ويمثل أطفال مثل صفاء جيلا وُلد في ظل الحرب ويعيش طفولته في المنفى، وفي محاولة لردم الهوة التعليمية، بدأ المعلم عبد الرحمن إسحق، وهو نازح من الفاشر، التطوع لتعليم الأطفال داخل المخيم.

ويقول لـ((شينخوا)) "حتى الآن لم يُخصص أي مكان ليكون مدرسة للأطفال".

ويضيف "أنشأنا فصلا صغيرا داخل خيمة كبيرة فيها لوح خشبي وطباشير قليلة، الأطفال يأتون يوميا لأنهم يشتاقون للدراسة أكثر من الطعام".

وتابع "يصلون قبل أن أفتح الخيمة، يطرقون على العمود الخشبي كأنهم يستعجلون بدء الدرس، التعليم بالنسبة لهم أصبح ملجأ وسلوى".

غير بعيد عن خيمة الدرس، يلعب ثلاثة أطفال فوق أكياس فارغة، بينما تحذرهم أمٌّ من الاقتراب من حفرة خلفتها أمطار غزيرة ضربت المنطقة أواخر أكتوبر الماضي.

وتقول نسيبة عثمان عامر، وهي أم لأربعة أطفال لـ((شينخوا)) "نخاف عليهم من المرض أكثر من أي شيء. هناك أيضا انتشار للعقارب السامة، لم نعتد بعد على طبيعة المنطقة".

تحمل نسيبة طفلها الرضيع الشاحب، وتتابع بصوت متعب "أطفالي مرّوا بكل شيء...الخوف والجوع والنزوح لمسافات طويلة، تأثروا نفسيا ويحتاجون إلى علاج".

ووفق عبد الرحيم حسن، أحد المتطوعين في منظمة محلية، يضم المخيم مئات الأطفال الذين لا يحصلون على تعليم رسمي أو دعم نفسي.

ويقول حسن لـ((شينخوا)) إن "العديد من الأطفال رأى القصف بعينيه، وبعضهم فقد والديه، نحتاج إلى مساحات آمنة للعب والتأهيل".

ويضيف "الكثير منهم لا ينام ليلته...الكوابيس ما تزال تطاردهم، هم بحاجة إلى رعاية نفسية قبل الكتب".

داخل المخيم، تتخلق طفولة مختلفة تماما عن تلك التي ترويها الكتب المدرسية أو الأغاني الصباحية. طفولة تقوم على الخوف، وتصنعها التجارب القاسية، وتكبر على رماد الحرب.

وفي المخيم الذي يتسع كل يوم، يعيش أطفال الفاشر طفولة لا تشبه الطفولة إلا في محاولة النجاة.

يركض عدد من الأطفال حفاة على الأرض الوعرة، تتعالى ضحكاتهم ثم تنطفئ فجأة مع هبة الريح، يتوقف أحدهم، يلتفت نحو الجنوب، ويتمتم "الفاشر بعيدة...لكننا سنرجع يوما ما".

ويقول الطفل مهدي إبراهيم (12 عاما) "نلعب بكرة القماش، ونقسم وقتنا بين اللعب والدراسة في الفصل المؤقت. نحاول نسيان ما مررنا به".

أما عبد الودود عثمان (10 أعوام) فيقول "أشتاق إلى بيتنا وأصدقائي ومدرستي، رأيت أطفالًا يموتون من الجوع والعطش خلال رحلتنا من الفاشر إلى طويلة ومنها إلى الدبة، لن ننسى ما حدث".

في هذه المخيمات التي تحيط بمدينة الدبة، والتي باتت واحدة من أكبر تجمعات النازحين القادمين من الفاشر، تكبر طفولة من دون ألعاب حقيقية، وتُكتب الدروس على الخشب بدل الدفاتر، ويستبدل دفء البيوت بالبطانيات الخفيفة.

ورغم كل ذلك، يظل الأطفال الذين يركضون حفاة فوق الرمل أو يحملون دفاتر ممزقة أملا في التعلم، شاهدين على قدرة الطفولة على المقاومة...حتى داخل خيمة لا باب لها يصدّ الرياح. /نهاية الخبر/

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号