الدبة، شمالي السودان 14 نوفمبر 2025 (شينخوا) على الضفة الشرقية لنهر النيل، وفي منطقة العفاض الواقعة على بعد نحو 15 كيلومتراً عن مدينة الدبة شمال السودان، تنتشر آلاف الخيام البيضاء فوق أرض رملية جرداء تحولت في أسابيع قليلة إلى تجمع كبير جديد للنازحين من الفاشر.

وفي المخيم يحكي الفارون عن رحلة هروب مخيفة وصعبة فاقمها الجوع والعطش والفقد والتشتت على طول الطريق، مع وصول شاحناتٍ مكشوفة بدفعات جديدة من النازحين بوجوه مغبرة خائفة.

-- رحلة طويلة وصعبة

وتقول السودانية كلتوم حامد، وهي أم لخمسة أطفال وصلت إلى المخيم بعد رحلة سير دامت 11 يوماً لوكالة أنباء ((شينخوا)) "سرنا أولاً من الفاشر إلى منطقة قرني، ومنها إلى مليط، ثم إلى الحمرة وصولا إلى الدبة...أكلنا قليلاً وشربنا قليلاً، لكن الخوف كان يدفع أرجلنا".

وتضيف "تركنا البيت والنار خلفنا، وما زلت أسمع صراخ الجيران حتى الآن".

وتتذكر الحاجة كلتوم حامد، وهي تجلس في خيمة صغيرة تتقاسمها أربع عائلات، كيف فقدت أثناء الهروب جزءاً من أسرتها. قائلة "خرجنا في الليل من الفاشر. ابني الأكبر كان خلفنا...سمعنا إطلاق نار، انتظرناه لكنه لم يأتِ. لا نعرف إن كان قُتل أو أُسر".

ومثل قصة كلتوم، تتناثر القصص على طول الطريق الممتد من الفاشر حتى الدبة على مسافة تزيد عن 1200 كيلومتر، قطعها البعض مشياً وأكملها آخرون على عربات وشاحنات مكشوفة، بينما تاهت عائلات وتشتتت أخرى في طريق الهروب.

وتقول بدرية محمد آدم التي وصلت قبل أسبوع مع أسرتها إلى المخيم "سرنا خمسة أيام، كنا ننام في العراء. كانت رحلة مخيفة وصعبة للغاية، ولكننا الآن في أمان".

وداخل المخيم يلعب الأطفال بالحجارة، ويرسمون في التراب بيوتاً محترقة وطائرات تحلّق في السماء، وكأنهم يفرغون ذاكرتهم الصغيرة من صور الحرب، في مشهد يعكس حجم المعاناة.

وفي إحدى الخيام، تجلس أشواق آدم، وهي شابة من الفاشر، تبكي أفراد أسرتها وهي تقول "تشتتنا في الطريق. إخوتي لا نعرف مصيرهم...وأبي قُتل أمام عيني".

من بعيد، يبدو مخيم العفاض كمدينة جديدة. تتراص خيامه الرمادية، وتُهزّ الأقمشة الخفيفة بفعل الرياح التي تقتلع أحجار التثبيت، فيما يحاول الرجال يومياً إعادة بناء ما تفسده الرياح لاستقبال النازحين الجدد من الفاشر.

-- محطة "مليط"

قبل الوصول إلى العفاض، يتجمع النازحون في محطة المواصلات العامة المعروفة بـ"محطة مليط" عند مدخل الدبة. وهناك تُجرى لهم إجراءات تسجيل أولية، وتُقدم وجبة بسيطة، وتُجرى فحوصات طبية في عيادة صغيرة تعمل بأطباء متطوعين.

وفي المدينة نفسها، توجد عدة نقاط استقبال أخرى أعدتها السلطات لاستيعاب التدفق الكبير، إذ تعد الدبة المنفذ الرئيسي الواصل بين دارفور وشمال السودان.

وبحسب السلطات المحلية، تجاوز عدد النازحين في الدبة 60 ألف نازح خلال الأسابيع الأخيرة، ما جعل الإمكانات المتاحة غير كافية لمواجهة الوضع.

ويقول رئيس لجنة الطوارئ والأزمات بمحلية الدبة الحسن إبراهيم حامد، لـ((شينخوا)) "فيما يخص الطعام، هناك مطبخ خيري يوفر وجبتين يومياً بالتعاون مع عدد من المنظمات. وفي الجانب الصحي لدينا خمس عيادات، واحدة ثابتة وأربع جوّالة، كما نعمل على إصحاح البيئة ومكافحة البعوض الناقل للأمراض".

ويشير حامد إلى أن النقص يبقى كبيراً، داعياً المنظمات المحلية والدولية إلى توفير احتياجات أساسية للنازحين.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة الولاية الشمالية، إلا أن الإمكانات لا تتناسب مع حجم الكارثة.

ويقول رئيس لجنة الطوارئ والأزمات بمحلية الدبة "نحاول توفير الماء والغذاء، لكن الأعداد كبيرة جداً. نواجه نقصاً في الأغطية والأدوية، ونحتاج إلى إقامة نظام للصرف الصحي".

وتتعالى داخل المخيم المناشدات للمنظمات الدولية بالتدخل العاجل، فالعشرات من الأطفال يعانون من سوء التغذية، والمراكز الصحية الصغيرة تعمل بإمكانات شحيحة.

وفي مواجهة ذلك، فتح سكان مدينة الدبة أبوابهم وقلوبهم للنازحين، إذ تبرع البعض بملابس شتوية، فيما يقدم آخرون الطعام والمياه، ونظمت مجموعات شبابية مبادرات لجمع الاحتياجات الطارئة.

وتقول فاطمة إدريس، وهي سيدة من المدينة "هؤلاء إخوتنا، ونعلم أن الحرب دفعتهم إلى ترك ديارهم، وهم محل ترحيب".

ومع استمرار تدفّق النازحين إلى الدبة بلا انقطاع، يستمر مخيم العفاض في الاتساع، حيث يتقاسم الجميع الوجع ذاته، ويعيشون على أمل واحد، هو أن تنتهي هذه المأساة يوماً ما، وأن يعودوا إلى مدينة غادروها مجبرين، وتركت في قلوبهم جروحاً لا تُشفى بسهولة. /نهاية الخبر/