بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

14 نوفمبر 2025 / شبكة الصين / أقيمت قمة ووتشن لمؤتمر الإنترنت العالمي لعام 2025 في الفترة من 6 إلى 9 نوفمبر الجاري في بلدة ووتشن بمقاطعة تشجيانغ في الصين، وهذه هي النسخة الثانية عشرة على التوالي للقمة، والتي جاءت تحت عنوان "بناء مستقبل رقمي ذكي-منفتح، تعاوني، آمن وشامل- معا لبناء مجتمع بمستقبل مشترك في الفضاء السيبراني"، وقد شهدت القمة هذا العام حضورا هاما لحوالي 1600 ضيف من أكثر من 130 دولة ومنطقة حول العالم. وقد تداولت القمة عدة مواضيع هامة نحو مستقبل رقمي مشترك وحوكمة الإنترنت العالمية، كما شملت 24 منتدى فرعيا يشمل مواضيع متعددة مثل مبادرة التنمية العالمية والاقتصاد الرقمي والحوكمة والبيانات.

وخلال المناقشات حول حوكمة الإنترنت العالمية، أكد المشاركون على أهمية مبدأ "التشاور الواسع والمساهمة المشتركة لتحقيق المنفعة المتبادلة"، بما يضمن تمتع كل دولة وكل فرد بحقّ التنمية المتكافئة في الفضاء الإلكتروني، وذلك من خلال مشاركة مختلف الدول والأطراف في الحوار ووضع القواعد دون أن تفرضها جهة معينة واحدة، مع تطوير البنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني، ويُعتبر هذا المبدأ ركيزة فكرية هامة لبناء نظام إنترنت عالمي منفتح وآمن يقوم على التعاون بعيدا عن الانقسامات.

دعت القمة إلى حوكمة رقمية شاملة، ورفض الهيمنة التكنولوجية أو الاحتكار الرقمي. ويهدف هذا المبدأ إلى تعزيز الثقة الرقمية الدولية عبر التعاون والتبادل في البيانات والتقنيات، ودعم الدول النامية لتقليص الفجوة الرقمية، كما يسعى هذا المبدأ إلى وضع قواعد عالمية للذكاء الاصطناعي من خلال التعاون بين مختلف الدول والجهات دون احتكار جهة واحدة عبر آليات مشتركة على المستوى الدولي، وكل ذلك يضمن خلق اقتصاد رقمي عالمي مشترك قائم على المساواة في التمتع بالموارد الرقمية حول العالم، وهذا المبدأ الذي تم التأكيد عليه من جديد في القمة يأتي ضمن جوهر الفلسفة الصينية في الحوكمة العالمية والتنمية الرقمية، ويبرز رؤية الصين لعالم يتسم بالعدل والتوازن بين مختلف الدول، لتكون قمة ووتشن منصة رقمية لتنفيذ مبادئ التنمية العالمية في الفضاء السيبراني، وذلك ما يبرز في العديد من المشاريع التعاونية مثل تدريب الكوادر الرقمية وفي الجنوب العالمي والتعاون في التحول الرقمي الأخضر والمستدام.

أكدت القمة على حوكمة التكنولوجيا بذكاء لضمان أمن الذكاء الاصطناعي وتعزيز الشفافية والمسؤولية، حيث لا يكفي تطوير التكنولوجيا بوتيرة متسارعة، بل يجب إدارة هذه التكنولوجيا وحوكمتها بكل عقلانية لضمان أنها ستخدم على أحسن وجه البشرية والمجتمع العالمي بكل أمان وعدل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التشجيع على الشفافية في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطبيق آليات "تصنيف المخاطر" للذكاء الاصطناعي وفرض قواعد واضحة لاستخدام البيانات الشخصية وتمكين المستخدمين من التحكم ببياناتهم واختيار طريقة مشاركتها وغير ذلك من الآليات الذكية التي تم طرحها في قمة ووتشن، حيث شدد الخبراء في القمة على أن "الثقة الرقمية" هي أساس لبناء مستقبل رقمي مشترك، من خلال تعاون دولي في الحوكمة.

ومن بين المواضيع التي ركزت عليها قمة ووتشن مبدأ "التعاون الدولي وتبادل المعرفة"، وهذا المبدأ يُعد أيضا أحد الركائز الجوهرية في جميع دورات القمة، حيث يجسد الجانب العملي لمبدأ التشاور والمساهمة والمنفعة المشتركة في المجال الرقمي من خلال تبادل المعارف والخبرات، وهذه ضرورة في عصر تسارعت فيه وتيرة الثورة العلمية والتكنولوجية الجديدة والتحوّل الصناعي، إذ أصبح العالم أكثر ترابطا وتعاونا. كما دعت الصين إلى تعزيز التعاون ضمن مبادرة "بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك في الفضاء الإلكتروني" والذي يُعتبر ضرورة حتمية بين الدول. وقد تناولت القمة الورقة المفاهيمية لمبادرة الحوكمة العالمية التي أصدرتها الصين مؤخرًا، تأكيدًا على ضرورة تعزيز التعاون في مجال الحوكمة، وبذل الجهود المشتركة لمعالجة التحديات في المجالات التي تعاني من فجوات حوكمية، مثل الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي. وباعتبارها دولة كبيرة تتحمّل مسؤولياتها، أطلقت الصين مبادرة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي والإستراتيجية الدولية للتعاون في الفضاء الإلكتروني، كما دعت إلى إنشاء منظمة عالمية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار مساهمتها في تطوير منظومة حوكمة الإنترنت على المستوى العالمي.

أصبحت قمة ووتشن منصة عالمية لتعزيز حوكمة التعاون الرقمي على المستوى العالمي وتبادل الخبرات والتعاون في مجال تقنيات الإنترنت الحديثة. ومنذ إطلاق القمة، أبرزت الصين مسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي في فضاء الإنترنت من خلال مواصلة العمل على التعاون وتعزيز التبادلات والتعاون في الفضاء الإلكتروني، والحفاظ على أمنه وسلامته، ودفع التنمية الشاملة والمتكافئة للإنترنت، وتقليص الفجوة الرقمية، وبناء نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا لحوكمة الإنترنت. كما ستواصل الصين تعزيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يضمن أن تكون "حوكمة الذكاء الاصطناعي" ليس مجرد ابتكار تقني، بل منظومة تُعنى بضمان الاستخدام الآمن للجميع من خلال وضع معايير واضحة وتقنيات متقدمة قائمة على التعاون والابتكار.

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة