بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

12  نوفمبر 2025 / شبكة الصين / يصادف هذا العام الذكرى الـ80 لتأسيس جامعة الدول العربية، ومن بين أهم وأقدم الشركاء للدول العربية هي جمهورية الصين الشعبية، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد نمت هذه العلاقات بسرعة لتصبح الصين شريكا استراتيجيا للدول العربية في العديد من المجالات، وتوسعت العلاقات بين الجانبين بشكل كبير على مر السنين في القطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتكنولوجية وغيرها. ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية في عام 1945، شهدت العلاقات بين الجانبين مسارا متدرجا بدأ من إقامة علاقات دبلوماسية وتعاون سياسي ليصل إلى شراكة استراتيجية شاملة.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، سارعت الدول العربية إلى الاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وقد أيد الجانبان بعضهما البعض في مختلف القضايا الدولية، وتم تبادل الوفود الرسمية والثقافية وركزت العلاقات على أهمية التعاون والاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ثم تطورت هذه العلاقات مع نجاح التوجه الصيني في الانفتاح والإصلاح منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت العلاقات تتخذ طابعا متعدد التوجهات، وقد تعززت العلاقات بين الجانبين في التعاون العلمي والصحي والتعليم والثقافة ولم تعد تقتصر على التجارة فقط. وتم إطلاق حركات التبادل الطلابي والتي ساهمت في تعرف شعوب الجانبين على الثقافة والحضارة الصينية والعربية بشكل معمق.

وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، أظهرت الصين اهتماما أكبر بالدول العربية عبر تعزيز قنوات الحوار بين الصين والجامعة العربية، كما ازداد التركيز الصيني بالمنطقة العربية وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. وقد تم انشاء آليات مشاورات سياسية واقتصادية منتظمة بين الجانبين، وبدأت الشركات الصينية الدخول بشكل أكبر في الأسواق العربية وتعزز التعاون في مجالات متعددة في مختلف الدول العربية.

ومع تأسيس منتدى التعاون الصيني-العربي في عام 2004، تعمق التعاون بين الجانبين بشكل مستمر وشامل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وقد سعى المنتدى إلى تأطير التعاون الصيني-العربي مؤسسيا ووضع آليات واضحة للحوار والتنفيذ، مما فتح آفاقا جديدة في التعاون بين الصين والدول العربية. حيث ساهم المنتدى في ضخ المزيد من التعاون التجاري خلال السنوات السابقة بين الجانبين، وارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 36 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى أكثر من 400 مليار دولار أمريكي في عام 2024. وازداد حجم الاستثمارات الصينية في الدول العربية وأصبحت الصين شريكا تجاريا رئيسيا للدول العربية، ما يعكس توازنا جديدا في العلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية. وأظهر هذا التعاون تنوعا كبيرا في السلع والاستثمارات، مع الاهتمام بالاستثمارات والبنى التحتية والطاقة والتوسع في مجالات جديدة كالطاقة والتكنولوجيا.

ثم شملت العلاقات الصينية-العربية زخما أقوى في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، فمنذ إطلاق المبادرة في عام 2013، نفّذت الشركات الصينية مشاريع ضخمة في الدول العربية وأصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لهذه الدول واستثمرت الصين مشاريع هامة في البنية التحتية والطاقة المتجددة وعززت وجودها في الدول العربية في مشاريع الطاقة النظيفة. وحتى عام 2024، وقّعت 22 دولة عربية مذكرات تفاهم مع الصين في إطار "الحزام والطريق" تشمل أغلب المجالات من بينها التعاون في الاقتصاد الأخضر، والتكنولوجيا المتقدمة والأمن الغذائي، والذكاء الاصطناعي. كما قامت الصين بإنشاء مراكز لتعليم اللغة الصينية في معظم الدول العربية مع تسجيل إقبال كبير لدراسة اللغة الصينية من قبل الشباب العرب. حيث أصبحت هذه المبادرة ركيزة أساسية في التعاون المشترك بين الجانبين ولم تعد تقتصر على التجارة والمشاريع، بل أصبحت "رؤية شاملة للتنمية المشتركة" تسعى إلى تحقيق تنمية مشتركة وبناء مستقبل مشترك بين الصين والدول العربية.

إن التعاون الصيني-العربي منذ تأسيس جامعة الدول العربية وصولا إلى اليوم، ليس مجرد علاقة اقتصادية وتواصل دبلوماسي، بل هو تعاون ضمن رحلة طويلة من الثقة المتبادلة والتعاون المربح للجميع من أجل بناء مستقبل واعد للشعوب وتحقيق تنمية مشتركة. وقد دخلت العلاقات الصينية-العربية مرحلة التكامل الاستراتيجي الشامل لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وتهدف إلى تحقيق المزيد من الإنجازات في آفاقها المستقبلية. 

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة