بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

5  نوفمبر 2025 / شبكة الصين / منذ إنشاء المنتدى الصيني-الأفريقي (فوكاك) في أكتوبر عام 2000، سعت الصين والدول الأفريقية إلى تعزيز الشراكة وتوسيع التعاون المربح للجميع، حيث تم إنشاء المنتدى إثر مبادرة مشتركة من الصين وعدد من الدول الأفريقية، في وقت كانت الصين تنمو فيه بسرعة وتسعى إلى تعزيز حضورها الدولي، بينما تشكو الدول الأفريقية من ضعف البنية التحتية وتواجه العديد من التحديات الاقتصادية. وأتى المنتدى كمنصة للتعاون بين الدول النامية ليكون إطارا دائما للحوار والتعاون بين الصين والدول الأفريقية وتعزيز التضامن بين دول الجنوب وبناء نظام دولي متوازن. وبعد مرور ربع قرن من التعاون الدائم بين الجانبين، أثبت المنتدى أنه أكثر من مجرد إطار دبلوماسي، بل أصبح منصة شاملة تجمع بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والتبادل الثقافي والتعاون الصحي. 

من خلال المنتدى، أبرزت الصين دورها كقوة دولية مسؤولة، عبر مساهمتها في التنموية العالمية ودعمها للنظام الدولي المتعدد الأقطاب، ومن جهتها، دعمت الدول الأفريقية الصين في العديد من القضايا المهمة في مختلف المنصات الدولية حول حقوق الإنسان ومبدأ الصين الواحدة. ومنذ تأسيس المنتدى، شهد التعاون بين الجانبين تطورا هائلا، حيث ارتفع حجم التجارة من حوالي 10 مليار دولار عام 2000 إلى أكثر من 295 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وهو ما يعادل أكثر من 20 ضعف ما كان عليه قبل إنشاء المنتدى. فالصين هي الشريك التجاري الأول لأفريقيا منذ عام 2009، كما ارتفعت الاستثمارات الصينية المباشرة من مليار دولار إلى أكثر من خمسين مليار دولار خلال 24 سنة ماضية، ويشمل التعاون العديد من القطاعات أهمها الطاقة والتعدين والزراعة والبنية التحتية. وقد قامت الصين بتمويل مشاريع الطرقات والجسور والموانئ والمستشفيات والمدارس، كما أنشأت الصين مناطق تعاون اقتصادي وتجاري خاصة في أكثر من 20 دولة أفريقية تهدف إلى جذب الشركات الصينية وتشجيع التصنيع المحلي وخلق المزيد من فرص العمل لسكان أفريقيا. كما منحت الصين إعفاءات جمركية لآلاف السلع القادمة من الدول الأفريقية الأقل نموا، مما ساهم في زيادة صادراتها غير النفطية إلى الصين. وساهمت مبادرة "الحزام والطريق" في تعزيز الترابط اللوجستي والتجاري بين القارة الأفريقية وشبكة التجارة الآسيوية.

شمل التعاون الصيني-الأفريقي أيضا التعليم، إذ استفاد أكثر من 100 ألف متدرب أفريقي من برامج دراسية وتدريبية في الصين، كما أنشأت الصين العديد من معاهد "كونفشيوس" في الجامعات الأفريقية لتعليم اللغة الصينية وتعزيز التبادل الثقافي بين الجانبين، ووفرت آلاف المنح الدراسية بشكل سنوي للطلاب الأفارقة، وبلغ عدد الطلاب في الصين من القارة الأفريقية 86 ألف طالب في عام 2024، وتم إنشاء فروع جامعية صينية في دول أفريقية بالإضافة إلى تدريب آلاف المعلمين والباحثين الأفارقة. كما توسع التعاون ليشمل التعليم المهني والتقني، حيث أنشأت الصين مراكز تدريب في مجالات الزراعة والاتصالات والطاقة المتجددة مما ساهم في إعداد جيل جديد من المهنيين الأفارقة. وشمل التعاون بين الجانبين أيضا مجال الصحة، فمنذ ستينيات القرن الماضي، أرسلت الصين أكثر من 20 ألف طبيب إلى نحو 50 دولة أفريقية، ليعالجوا أكثر من 200 مليون مريض في القارة، وقدمت الصين الكثير من الدعم في المجال الصحي لمكافحة الأوبئة وتدريب الكوادر الصحية وتطوير الأنظمة الصحية الأفريقية وبناء مراكز مشتركة في هذا المجال. إذ يُعتبر الدعم الصحي والتعليم من أهم الركائز في التنمية البشرية في مسيرة التعاون الصيني-الأفريقي، وهو ما يعكس تحولا نوعيا في فلسفة التنمية المشتركة، والتي أصبحت تركز على شراكة متوازنة قائمة على نقل الخبرات والمعرفة نحو مستقبل مشترك ومزدهر بين الجانبين.

ساهم منتدى التعاون الصيني-الأفريقي في تعزيز التعاون بين الجانبين في مختلف القطاعات، حيث انتقل التعاون من مجرد تبادل سلع وبضائع إلى شراكة تنموية شاملة. ومع مرور 25 عاما على إنشاء المنتدى، أصبح هذا التعاون ركيزة أساسية لبناء مجتمع صيني-إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك، وهو أكثر ارتباطا وازدهارا قائما على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة، وأصبح هذا التبادل نموذجا ناجحا للتعاون بين دول الجنوب. وبعد مرور ربع قرن من التعاون، يواصل المنتدى رسم خريطة جديدة للتنمية المشتركة بين الصين والدول الأفريقية مرتكزة على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة