share
arabic.china.org.cn | 05. 10. 2025

رؤية شرق أوسطية: كيف وجدت حماس وإسرائيل نفسيهما مضطرتين لقبول خطة ترامب؟

arabic.china.org.cn / 22:32:50 2025-10-05

غزة 5 أكتوبر 2025 (شينخوا) بعد نحو عامين من الحرب الدامية التي دمّرت قطاع غزة، جاء الرد الإيجابي من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وموافقة إسرائيل على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات العشرين بندا لوقف الحرب، ليشكّل منعطفا مفاجئا في مسار الصراع، ويفتح الباب أمام أسئلة بشأن طبيعة هذا التوافق، ودوافع الأطراف، والأهداف الأمريكية الكامنة خلفه.

ورأى محللون وخبراء من عدة دول عربية في مقابلات مع وكالة أنباء ((شينخوا)) أن إعلان قبول إسرائيل وحركة حماس بخطة ترامب لم يكن مفاجئا بقدر ما كان انعكاسا للحظة سياسية مشحونة بالتعب العسكري والإنهاك الإنساني، بدت أقرب إلى "انتصار الضرورة" منها إلى تحوّل استراتيجي في المواقف أو قناعة حقيقية بمسار سلام جديد.

فمنذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، ظلّ كل طرف يرفع سقف مطالبه، لكن الضغوط الدولية وانكشاف هشاشة الطرفين السياسية والعسكرية، جعلت من خطة ترامب مخرجا اضطراريا من مأزق حرب لا تنتهي.


-- توازن الضعف

يقول الخبير العراقي ياسر مطلك الجبوري رئيس مؤسسة "فواصل للبحوث والدراسات" إن "موافقة إسرائيل ورد حماس الإيجابي على خطة ترامب يأتيان في سياق إعادة تموضع أكثر من كونهما تحولا في القناعات".

فبالنسبة لإسرائيل، يرى الجبوري أن "الحكومة الإسرائيلية تواجه ضغوطا داخلية غير مسبوقة واتهامات بالإخفاق في غزة، وكانت تبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه ويعيد ترتيب المشهد الداخلي قبل الانتخابات المقبلة".

أما حماس، التي تكبدت خسائر بشرية وميدانية فادحة، فوجدت نفسها أمام معادلة معقدة: إما الاستمرار في حرب تستنزف قوتها التنظيمية والاقتصادية، أو القبول بخطة يمكن أن تمنحها متنفسا سياسيا وإغاثيا مؤقتا.

ويقول الكاتب الفلسطيني مصطفى بشارات إن "الطرفين كانا ينتظران سلّما للنزول عن الشجرة، وقد وجدا ضالتيهما في مقترح ترامب الذي لم يرتقِ إلى مستوى خطة حقيقية بقدر ما شكّل فرصة لالتقاط الأنفاس".

ويضيف أن "إسرائيل وجدت في المبادرة مخرجا من العزلة الدولية التي فُرضت عليها نتيجة بشاعة الحرب، بينما رأت حماس فيها وسيلة لوقف نزيف الدم وترتيب أوراقها الداخلية".


-- ضغوط ومصالح

في واشنطن، بدا الرئيس الأمريكي مصمما على تحويل النزاع إلى ورقة دبلوماسية تخدم طموحاته السياسية والشخصية.

ويقول الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى "الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي" في القاهرة، إن "خطة ترامب قد تحقق أهدافا متعددة، فهي تمنح واشنطن مكسبا دبلوماسيا، وتعيد ترتيب نفوذها في الشرق الأوسط ضمن رؤية أمريكية أوسع".

ويضيف مطاوع أن "ترامب يحلم بجائزة نوبل للسلام، ويعتبر وقف الحرب في غزة خطوة ضمن مشروعه لإعادة رسم موازين القوى الإقليمية بعد الضربات الأمريكية لإيران، وضربات إسرائيل لحزب الله" اللبناني.

ويشير مطاوع إلى أن الخطة الأمريكية "تخدم عمليا المصالح الإسرائيلية، إذ تضمن واشنطن إعادة إعمار غزة ضمن مشروع استثماري كبير لا يتعارض مع الضمانات الأمنية لإسرائيل، بل يعززها".

ويرى أن "الولايات المتحدة لا تريد فقط إنهاء الحرب، بل تسعى إلى إعادة هندسة الشرق الأوسط بما يجعل إسرائيل مركز النفوذ السياسي والاقتصادي".

ويذهب الكاتب السوري صفوان الماضي في الاتجاه ذاته، معتبرا أن الخطة "نتاج ضغط كبير مارسه ترامب على كل الأطراف لإنهاء حالة الصراع"، مضيفا أن "الأهداف الحقيقية ليست إنسانية أو إنقاذية، بل إعادة هندسة المنطقة على نحو يخدم إسرائيل ويكرس تفوقها".

ويقول الماضي إن "واشنطن ستضمن تنفيذ الخطة عبر أدواتها في المنطقة، وإن تعثر التنفيذ ستلجأ إلى الضغط وربما القوة كما في كل مرة".


-- القبول كتكتيك لا كتحوّل

ولا يرى أغلب الخبراء أن رد حماس وإسرائيل يعكس تحوّلا جذريا في المواقف.

ويعتبر الدكتور أحمد خليل أستاذ العلاقات الدولية والإعلام في جامعة الإمارات أن "القبول من الطرفين تحرك تكتيكي أكثر منه تحولا استراتيجيا".

ويقول إن "كلا الطرفين يتعامل مع الخطة بوصفها هدنة تسمح بإعادة ترتيب الصفوف، لا كاتفاق دائم ينهي الصراع".

ويضيف خليل أن "الولايات المتحدة تسعى من خلال الخطة إلى تحقيق مكسب سياسي واستعادة دورها القيادي في المنطقة، أكثر من سعيها إلى إنهاء الحرب فعليا"، مشيرا إلى أن "قدرتها على ضمان التنفيذ مرهونة بالشركاء الإقليميين وبمدى التزامها السياسي طويل الأمد".

ويرى الباحث اليمني خليل مثنى العمري أن القبول المتبادل يعكس حجم الضرر الذي تكبده الطرفان.

ويقول إن "إسرائيل واجهت تراجعا حادا في صورتها الدولية مع ملاحقة قادتها في محاكم دولية، بينما حماس فقدت معظم قياداتها الميدانية وبُناها التنظيمية في غزة".

ويضيف أن "الخطة تمثل مزيجا من الضرورات الاستراتيجية والضغوط الدولية، لكنها لا تقدم حلا جذريا للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".


-- إدارة غزة والوحدة الوطنية

في الداخل الفلسطيني، تفتح الخطة الباب أمام أسئلة صعبة بشأن مستقبل إدارة غزة والوحدة الوطنية.

ويرى مطاوع أن "خطة ترامب لم تترك لحماس خيارا للعمل خارج إطار النظام السياسي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير، والطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسها هي تحقيق التوافق الوطني".

لكن بشارات يرى أن "رد حماس كان ذكيا حين أحال ملف إدارة غزة إلى التوافق الوطني، ما ترك الباب مواربا أمام المصالحة الفلسطينية".

ويضيف أن "ما حصل من حرب ثم وقف لها قد يكون مدخلاً لاستعادة الوحدة الفلسطينية، إن صدقت النوايا وتوفرت الإرادة السياسية".

في المقابل، يحذر الماضي من أن الخطة قد تخلق تصادما فلسطينيا-فلسطينيا إذا فُسرت على أنها وصاية دولية على غزة، مشيرا إلى "خطورة تشكيل مجلس مؤقت لإدارة القطاع برئاسة شخصية دولية مثل توني بلير".


-- الانعكاسات الإقليمية والأفق السياسي

على المستوى الإقليمي، تتقاطع مصالح القوى الكبرى والدول العربية المعنية بالملف الفلسطيني عند هذه اللحظة.

ويرى الجبوري أن "الأدوار الإقليمية تتوزع بين الرعاية والتمويل والضمان الأمني".

ويضيف الجبوري أن "نجاح الخطة أو فشلها سيؤثر مباشرة في التحالفات الإقليمية. ففي حال تعثر التنفيذ، قد تعود الحرب بوتيرة أشد، أو تنهار الوساطة العربية لصالح قوى خارجية".

ويقول إن "أخطر السيناريوهات هو تحول الهدنة إلى سلام هش يسمح بانفجارات دورية من دون أفق سياسي حقيقي".

في المقابل، يرى مطاوع أن الولايات المتحدة "ضامنة فعلية للخطة طالما تحقق مصالح إسرائيل"، معتبرا أن "نجاحها سيعيد واشنطن إلى موقع متقدم في الشرق الأوسط بعد سنوات من التراجع".


-- سلام الضرورة أم هدنة مؤقتة؟

في الجوهر، تتباين قراءات المحللين بشأن ما إذا كانت خطة ترامب بداية مسار سياسي أو مجرد هدنة ميدانية.

ويقول خليل إن "الخطة تبدو هدنة مؤقتة أكثر من كونها تسوية نهائية، هدفها تهدئة الضغوط الدولية لا حلّ جوهر الصراع"، بينما يشير بشارات إلى أن "الولايات المتحدة تدير الأزمة ولا تحلّها، إذ ما تزال ترى في إسرائيل الحليف المضمون، وفي الفلسطينيين الطرف القابل للضغط".

ويجمع أغلب الخبراء على أن مستقبل الخطة سيُقاس بمدى التزام الأطراف بالاتفاق وقدرة واشنطن على فرض إرادتها وسط التحديات الإقليمية والدولية.

لكنهم يتفقون أيضا على أن ما جرى ليس اتفاق سلام بالمعنى الكامل، بل صفقة اضطرارية فرضها الإنهاك والضغوط المتبادلة.

ويقول الجبوري إن هذه الخطة قد تفتح بابًا لهدنة مؤقتة، لكنها تبقى هشّة، فيما يختتم مطاوع بالقول إن نجاح الخطة سيُحسب لترامب كإنجاز دبلوماسي شخصي، أما فشلها فسيُكرّس صورة واشنطن كقوة تدير الأزمات ولا تحلّها.

ويضيف أن بين "انتصار الضرورة"، و"سلام العجز"، يبقى المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات، في منطقة لم تعرف يوما استقرارا طويلا ولا سلاما بلا ثمن. 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号