share
arabic.china.org.cn | 29. 09. 2025

رؤية شرق أوسطية: العقوبات الدولية تعيد الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر وتزيد التوتر في الشرق الأوسط

arabic.china.org.cn / 08:50:19 2025-09-29

عواصم عربية 28 سبتمبر 2025 (شينخوا) عادت العقوبات الدولية على إيران إلى حيز التنفيذ اليوم (الأحد)، بعد نحو عشر سنوات على رفعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، وهو ما اعتبره مراقبون عودة لـ" نقطة الصفر" في مسار مفاوضات الملف النووي الإيراني، وخطوة لزيادة التوتر والتصعيد في الشرق الأوسط.

وفرضت هذه العقوبات بعد أن فشل مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي، في اعتماد مشروع قرار لتمديد الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى الكبرى لمدة ستة أشهر من أجل إتاحة مزيد من الوقت للجهود الدبلوماسية.

كما أعيدت هذه العقوبات بعد انتهاء مهلة "آلية الزناد"، المدرجة في الاتفاق، والتي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيا على إيران، وكانت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) قد أعلنت تفعيل هذه الآلية في 28 أغسطس 2025، بإخطار مجلس الأمن بـ"عدم التزام" طهران ببنود الاتفاق النووي.

ونددت إيران، في بيان لوزارة خارجيتها اليوم، بإعادة فرض العقوبات ووصفتها بأنها "غير مبررة"، قبل أن تتعهد بأنها ستتخذ "ردا حازما ومناسبا".

-- انهيار جهود الحل السلمي

وتشمل العقوبات الدولية حظرا على الأسلحة التقليدية، مع منع بيع أو نقل للأسلحة إلى إيران.

وبموجب العقوبات، تحظر الواردات والصادرات أو نقل مكونات أو تكنولوجيا مرتبطة ببرنامجي إيران النووي والباليستي، فضلا عن تجميد أصول في الخارج تعود إلى شخصيات أو مجموعات إيرانية على صلة بالبرنامج النووي.

كما تشمل منع الأشخاص الذين يصنفون على أنهم مشاركون في نشاطات نووية محظورة من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي سيتعين عليها تقييد الوصول إلى منشآت مصرفية ومالية يمكن أن تساعد برنامجي إيران النووي والباليستي.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك بأبوظبي الدكتور راشد الكعبي، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن فشل مجلس الأمن في تمديد الاتفاق النووي الإيراني، وما تبعه من تفعيل "آلية الزناد" وإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران يمثل "عودة إلى نقطة الصفر في مسار المفاوضات النووية، ويعني عمليا انهيارا للجهود التي بذلت طوال السنوات الماضية".

بدوره، رأى المحلل السوري بشار المحمد في تصريح لـ ((شينخوا))، أن "كل قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمنطقة يشوبها الكثير من التحيز لإسرائيل، وعليه فإن قرار مجلس الأمن بخصوص إعادة العقوبات على إيران يدخل في هذا السياق، إذ لا يفسر سوى خدمة لإسرائيل بمنع أي نشاط سلمي نووي لأي دولة في المنطقة".

بينما اعتبر الباحث العراقي الدكتور ناظم علي عبد الله عضو مجلس خبراء المنتدى (العربي لتحليل السياسات الإيرانية)، أن قرار مجلس الأمن بإعادة تفعيل العقوبات على إيران "محاولة أمريكية لقطع الطريق أمام الدبلوماسية التي كانت تسعى إليها بعض الدول مثل روسيا والصين من أجل التوصل إلى حلول تجنب المنطقة تداعيات التصعيد والتوتر".

وأضاف عبد الله، لـ ((شينخوا))، "أعتقد أن الإدارة الأمريكية عملت بكل ما تستطيع لكي يفشل مجلس الأمن في التوصل لقرار يمدد الاتفاق النووي الإيراني لستة أشهر".

في حين أوضح المحلل اللبناني طارق ترشيشي أن قرار مجلس الأمن الدولي بإعادة العقوبات على إيران "محفوف بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية ويحمل تبعات كبيرة على المنطقة والعالم".

وقال ترشيشي، لـ ((شينخوا))، إن دول الترويكا الأوروبية "قادت مسار القرار بدعم أمريكي وإسرائيلي "، حيث يستهدف القرار من منظور إسرائيلي مدعوم أمريكيا، إيران باعتبارها "مصدر خطر وجودي".

وأردف أن "القرار يأتي بعد إدراك الولايات المتحدة وإسرائيل أن كل مشاريع التفاوض مع إيران قاصرة عن الوصول إلى تسوية في إطار مشروعهما في تغيير وجه الشرق الأوسط"، ووصف القرار بأنه "فرصة ضائعة للدبلوماسية الأممية".

وأشار إلى أن "المستهدف من القرار هو دور إيران الإقليمي وزعزعة استقرار المنطقة، والوقوف بوجه المسعى الإيراني لإقامة جبهة تعاون في المنطقة بمواجهة المشروع التوسعي الإسرائيلي".

ولفت إلى أن إيران كانت تعول على الوصول لاتفاق مع الأوروبيين بعد أن توصلت لاتفاق في القاهرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الترويكا أفشلت المحاولات مفضلة الاصطفاف مع واشنطن.

وفي 9 سبتمبر الجاري، وقعت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقا في القاهرة لاستئناف التعاون بشأن الملف النووي الإيراني.

وأكد ترشيشي، أن البرنامج النووي الإيراني استمر تاريخيا تحت سقف العقوبات، التي قال إنها ليست حلا أو أداة بل أنها ستودي لتصعيد اقتصادي وسياسي وربما عسكري، بما يؤكد أنه كان من الأجدى فتح مسارات دبلوماسية مرنة تتيح حلا نهائيا.

من جانبه، رأى المحلل الفلسطيني عصمت منصور أن "هناك تحريضا دائما ضد إيران، وضغوطا لدفعها لتجميد برنامجها النووي، واعتقد أن هذه العقوبات تأتي في سياق الضغط أكثر ودفعها للقبول بالشروط الغربية".

فيما قال الباحث اليمني عدنان هاشم، إن عودة العقوبات على إيران "استخدام سيء لآلية الزناد، التي كان يفترض أن تستخدم عند فشل الحلول الدبلوماسية، بينما إيران اتفقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة، وكان هذا بطلب من الأوروبيين".

وأوضح أن قرار مجلس الأمن بعودة العقوبات "يجعل الدبلوماسية ضيقة أو ربما ينهي احتمالية بقائها، ويعيد الاقتصاد الإيراني إلى الظل، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إطلاق النار على الاتفاق النووي، الذي ظل رهينة مسارات غير معلومة النتائج منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من هذا الاتفاق، ويدفع إلى صدام دبلوماسي إيراني مع الغرب".

وأضاف أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق بين إيران والترويكا الأوروبية في حال تم تمديد الاتفاق النووي ستة أشهر، لكن اشتراط "الانخراط في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة وتسليم كامل مخزون اليورانيوم" للموافقة على التمديد أمر غير مقبول من قبل إيران، التي تشعر بأن الأمريكيين والأوروبيين يريدون تركيعها.

-- ضغوط أمريكية وراء القرار

وقال الكعبي، إن هناك أسبابا متعددة لفشل مجلس الأمن في الملف النووي الإيراني، أبرزها استمرار إيران في تجاوز حدود الاتفاق النووي وتخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من المسموح بها.

وأضاف أن الضغوط الأمريكية لعبت دوراً أساسياً في هذا الاتجاه، قبل أن يتابع أن الترويكا الأوروبية باتت مقتنعة بأن المماطلة الإيرانية في الملفات النووية والصاروخية لم تترك مجالاً لمزيد من التسويات الدبلوماسية، مشيرا إلى أن هذه الدول تواجه ضغوطا تدفعها إلى تبني موقف أكثر حزماً حتى وإن لم ترغب في القطيعة الكاملة مع طهران.

بينما أوضح المحمد أن أهم سبب لإعادة العقوبات على طهران هو "منع إيران من امتلاك الطاقة النووية وحرمانها من أي تقدم تكنولوجي، وبالتالي زيادة الضغط عليها لتأليب الرأي العام الداخلي والخارجي ضد مشروعها النووي السلمي، واللعب على وتر سعيها لامتلاك أسلحة نووية تهديدية، حسب السردية الإسرائيلية".

في حين أكد عبد الله أن هناك عدة أسباب لإعادة العقوبات على إيران أهمها أن الدول الغربية ترى أن إيران لم تلتزم بالاتفاق النووي وقامت برفع درجات تخصيب اليورانيوم خارج الحدود المسموح بها، فضلا أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وايران كشفت عن وجود صواريخ إيرانية بعيدة المدى وقدرتها التدمرية أكثر مما كان الغرب يتوقع، ما شكل تهديدا لأمن إسرائيل.

وأردف أن الترويكا الأوروبية أصرت على عدم إفساح المجال للطرق الدبلوماسية لحل الخلافات مع إيران، كون تلك الدول لا تريد أن تغضب أمريكا وإسرائيل.

-- إيران بين العزلة والتوتر الإقليمي

وقال الكعبي إن تداعيات إعادة العقوبات على إيران ستكون واسعة سواء على الاقتصاد الإيراني الذي سيعود إلى عزلة خانقة أو على استقرار المنطقة، حيث ستتزايد احتمالات التصعيد.

وأضاف أن القرار قد يفتح الباب أمام مواجهات غير مباشرة في الخليج، وفي مناطق النفوذ الإيراني.

ورأى أنه "من غير المستبعد أن تلجأ إيران إلى خطوات تصعيدية مثل تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بهدف الضغط على المجتمع الدولي"، وتابع أن طهران اعتادت استخدام مثل هذه التهديدات كورقة تفاوضية، لكن الخطر يكمن في أن تتحول إلى إجراءات فعلية تزيد من عزلتها.

وأكد الكعبي، أن إعادة فرض العقوبات ستؤدي حتماً إلى رفع مستوى التوتر في الشرق الأوسط خاصة في مناطق حساسة مثل الخليج العربي ومضيق هرمز، مشيرا إلى أن التوتر لن يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل قد يمتد إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة الاستقطاب بين القوى الإقليمية والدولية حول كيفية التعامل مع إيران.

وشاطره الرأي المحمد بقوله إنه "لاشك أن إعادة العقوبات على إيران ستزيد التوتر في المنطقة ليس من جهة إيران، بل من جهة إسرائيل التي ستراها مناسبة لإعادة المنطقة إلى المربع الأول"، قبل أن يضيف أن "تحديد مدى التوتر سيكون مرتبطا بالتهور الإسرائيلي".

وتابع "قد تدخل إسرائيل على خط الأزمة وتغامر بضربة جديدة لإيران التي سترد بشكل مباشر وأعنف من الرد السابق، وبذلك ستدخل المنطقة في حرب عنيفة قد لا تحمد عقباها".

فيما قال عبد الله، إن إعادة العقوبات على إيران لها "تداعيات كبيرة ومعقدة" بسبب تشابك المصالح الدولية والإقليمية والمحلية، حيث ترتبط إيران بمصالح استراتيجية مع بعض الدول الكبرى، كما أنها تسيطر على أهم منفذ بحري تتدفق من خلاله كميات هائلة من مصادر الطاقة إلى مختلف دول العالم.

وأشار إلى أن هذا القرار سوف يؤدي إلى "زيادة التوتر والتصعيد على المستوى الإقليمي"، كما سيكون تأثيره على الداخل الإيراني "كبيرا على المدى المتوسط" كون إيران أصلا تعاني من العقوبات الأمريكية، وبمرور الوقت ستتأثر كثيرا بسبب الضغوط التي ستفرضها واشنطن وحلفاؤها.

واستطرد قائلا إن إيران لم تتخذ بعد قرارا بإلغاء اتفاقية التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خشية أن "يدفع ذلك إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وشن حرب ضدها، كما أنه قد يدفع إسرائيل مجددا لاستهداف إيران كإجراء وقائي يؤخر إنتاج السلاح النووي"، واستدرك "لكن أتوقع ألا تبقى إيران مكتوفة الأيدي وسوف تنفذ بعض تهديداتها".

في حين اعتبر ترشيشي أن إعادة فرض العقوبات على إيران يحمل انعكاسات متشابكة على المستويات الاقتصادية الإيرانية والإقليمية والدولية، مع تأثيرات محتملة على الأسواق وأسعار الطاقة والتجارة العالمية بواقع تهديدات للملاحة أو ارتفاع أسعار صادرات النفط .

وأضاف أن القرار سيفاقم الاستقطاب الدولي، ونوه بأن "إيران قد تلجأ، للضغط على القوى الغربية، إلى تقييد عمليات التفتيش أو الحد من وصول المفتشين إلى المواقع، إلا انها قد تحفظ الحد الأدنى من التعاون مع الوكالة الدولية، بما يتيح العودة إلى المحادثات بشروط أفضل تفاديا لإصدار مجلس الأمن قرارات بصورة أشد".

وأكد أن إعادة العقوبات الدولية على إيران سوف تزيد التوتر في الشرق الأوسط وتفتح المنطقة على كل الاحتمالات، مشيرا إلى أن القرار يكاد يكون وصفة مؤكدة لزيادة التوتر، إلا أن درجة التصعيد تعتمد على كيفية تفاعل جميع الأطراف.

وحذر من أن انهيار الاتفاق النووي نهائيا سيرفع خطر مواجهة إسرائيلية إيرانية أو مواجهة أمريكية إيرانية، لكن هذا السيناريو يبقى أقل احتمالا إذا بقيت قنوات الوساطة نشطة عبر سلطنة عمان أو قطر أو تركيا. 



   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号