arabic.china.org.cn | 26. 09. 2025 | ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
بقلم: الدكتور محمد العرب
المنامة 25 سبتمبر 2025 (شينخوا) في عالمٍ يتسارع فيه إيقاع التحولات وتتشابك فيه المصالح، لم يعد من الممكن لأي دولة أن تسير منفردة في طريقها دون شريك موثوق، وفي هذا المشهد العالمي المليء بالاضطرابات، تبرز الصين بوصفها صديقاً جيداً، لا بالخطاب العاطفي، بل بالأرقام والمواقف والوقائع التي أثبتت أن بكين تبني صداقاتها على أسس راسخة، وتترجمها إلى سياسات متوازنة ومشروعات كبرى تتجاوز حدود الشعارات.
يكفي أن نذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بلغ العام 2023 أكثر من 430 مليار دولار، بزيادة تقارب 8 % عن العام الذي سبقه، لتصبح الصين الشريك التجاري الأول لمعظم العواصم العربية، وفقا لإحصاء مركز العرب للرصد والتحليل (غير حكومي مقره البحرين).
هذا الرقم ليس مجرد إحصائية اقتصادية، بل يعكس حقيقة أن بكين لا تكتفي ببيع منتجاتها أو استيراد الطاقة، بل تعمل على نسج شبكة مصالح ممتدة تشمل الاستثمار في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، وحتى الأمن الغذائي.
وفي إفريقيا، ارتفعت الاستثمارات الصينية إلى ما يزيد على 155 مليار دولار خلال العقد الأخير، بحسب إحصاء مركز العرب للرصد والتحليل، وهو حضور لم يقتصر على الموارد بل شمل بناء سكك حديدية وموانئ ومحطات كهرباء، مما جعل الكثير من الدول ترى في الصين شريكاً تنموياً أكثر من كونها مجرد قوة اقتصادية كبرى.
على الصعيد السياسي، لم تتورط الصين في إرث الاستعمار الذي ما زال يلقي بظلاله على علاقات بعض القوى الغربية بالشرق الأوسط أو إفريقيا، بل إن بكين طرحت مبادرات مثل (الحزام والطريق)، الذي انضمت إليها أكثر من 150 دولة، كمشروع للتنمية المشتركة لا للإملاء السياسي.
في الأزمات، أثبتت الصين أنها لا تفرض حلولًا جاهزة، بل تدعو إلى الحوار، من الملف الفلسطيني إلى الملف الأوكراني، اتخذت الصين مواقف تعكس رؤية مبدئية تقوم على احترام السيادة ورفض التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما جعلها تكسب ثقة عدد متزايد من الأطراف الدولية الباحثة عن توازن جديد.
على المستوى العسكري والأمني، ورغم أن الصين ليست طرفاً مباشراً في النزاعات الإقليمية، إلا أنها عززت شراكاتها الدفاعية والتكنولوجية مع عدد من الدول، بما في ذلك صفقات طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة متقدمة، لكن اللافت أن بكين تقدم هذه الشراكات في إطار (الأمن التنموي)، حيث يترافق الجانب الدفاعي مع جانب اقتصادي واستثماري، ما يعكس فلسفة ترى الأمن والاستقرار بوصفهما شرطًا للتنمية لا مجالًا للهيمنة.
وفي مجال الطاقة، تُعد الصين اليوم المستورد الأكبر للنفط من الخليج العربي، حيث تجاوزت وارداتها من السعودية وحدها 1.7 مليون برميل يومياً، وهو رقم يؤكد أن استقرار المنطقة ليس مصلحة خليجية فحسب، بل مصلحة صينية عالمية.
لهذا، نجد أن بكين تحرص على دعم مبادرات التهدئة في المنطقة، سواء عبر الوساطة بين طهران والرياض أو من خلال تعزيز التعاون في مجال الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.
والأرقام هنا لافتة، الصين استثمرت ما يزيد على 90 مليار دولار عالمياً في مشاريع الطاقة المتجددة خلال 2022 وحده، وهو ما يفتح الباب أمام شراكات استراتيجية جديدة مع الدول العربية الساعية للتحول في قطاع الطاقة.
أما في المجال التكنولوجي، فإن الصين تمثل اليوم القوة الثانية عالمياً في الذكاء الاصطناعي، بعد أن خصصت أكثر من 70 مليار دولار لدعم هذا القطاع حتى عام 2030.
هذه الطفرة التكنولوجية تفتح المجال أمام شراكات غير تقليدية، حيث يمكن للعواصم العربية أن تستفيد من التجربة الصينية في تطوير المدن الذكية، وحلول المراقبة، والروبوتات الصناعية، بما يعزز مكانتها في الثورة الصناعية الرابعة. هنا، لا تتحدث الصين عن تصدير تقنيات فقط، بل عن بناء مراكز بحثية مشتركة وتدريب كوادر محلية، بما يضمن نقل المعرفة لا مجرد استيرادها.
الصداقة الجيدة تُختبر أيضاً في المواقف الصعبة .. حين واجهت بعض الدول العربية أزمات اقتصادية خانقة، جاءت الصين لتدعمها عبر قروض ميسرة أو استثمارات مباشرة، بعيداً عن شروط المؤسسات المالية الغربية.
وعندما تعرضت بعض الدول لضغوط سياسية، وجدت في بكين مظلة سياسية لا تُخضعها لمعادلة (المساعدة مقابل التبعية)، بل تقوم على قاعدة المنفعة المتبادلة. حتى في جائحة كورونا، أرسلت الصين ملايين اللقاحات إلى الدول النامية، في وقت احتكرت فيه بعض الدول المتقدمة الإنتاج لشعوبها.
غير أن صداقات الدول الكبرى لا تُبنى فقط على اللحظة، بل على الرؤية المستقبلية. الصين، وهي اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي يفوق 18 تريليون دولار، تدرك أن مستقبلها لا ينفصل عن استقرار العالم وتوازناته.
الصين الصديق الجيد ليست شعارًا يُرفع، بل واقعًا تؤكده الأرقام والمشروعات والمواقف. هي صداقة تقوم على الاحترام المتبادل، لا على فرض الإملاءات؛ على المصالح المشتركة، لا على استغلال الأزمات؛ على بناء المستقبل، لا على إرث الماضي. وفي عالمٍ يبحث عن توازن جديد، قد يكون الرهان على صديق عاقل ومتزن وعملي مثل الصين خياراً استراتيجياً لا غنى عنه.
ولأن السياسة لا تُقاس بالنيات بل بالنتائج، فإن حصاد العقدين الأخيرين كفيل بأن يبرهن أن الصين، حين توصف بالصديق الجيد، فإنما تستحق هذه الصفة عن جدارة، لأنها لم تترك شركاءها في مواجهة الرياح وحدهم، بل وقفت بجانبهم بقدرة اقتصادية، ورؤية سياسية، وتوجه حضاري يعكس أن القوة يمكن أن تكون أداة للبناء بقدر ما تكون أداة للنفوذ.
في النهاية، قد يختلف البعض مع الصين في بعض الملفات أو يثير المخاوف من طموحاتها المستقبلية، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن بكين، بحجمها وثقلها ومواقفها، تمثل اليوم صديقاً حقيقياً لا يمكن الاستغناء عنه في صياغة ملامح القرن الحادي والعشرين.
ملحوظة المحرر: الدكتور محمد العرب، هو خبير ومحلل بحريني، ورئيس مركز العرب للرصد والتحليل (غير حكومي).
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة آراء وكالة أنباء ((شينخوا)).
![]() |
![]() |
![]() |
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |