بقلم: خديجة عرفة

تولي كلُّ من مصر والصين اهتماما كبيرا بقضايا الجنوب العالمي، مع التركيز على تعزيز التعاون والتضامن بين دول الجنوب في مواجهة التحديات المتزايدة؛ وهي تحديات لم تفرضها الأوضاع الاقتصادية والسياسية لتلك الدول فقط، بل تعززت كنتيجة لتحديات عالمية.

وتمثل مشكلة الديون أبرز هذه التحديات، إذ لم تعد تعيق مسار التنمية في دول الجنوب فحسب، بل يهدد استمرارها بشل الاقتصاد العالمي بأكمله. يُضاف إلى ذلك تحدي تمويل التنمية المرتبط بشروط مؤسسات التمويل الدولية وما تفرضه من قيود على دول الجنوب، فضلا عن غياب التمثيل العادل لهذه الدول في المؤسسات الدولية، والحاجة الملحة إلى إصلاح الأمم المتحدة بما يضمن إيصال صوت الجنوب وتمثيل قضاياه بشكل عادل. كما يبرز التحدي المتعلق بنقل التكنولوجيا، التي تُعدّ ضرورة لدول الجنوب لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وهذه التحديات وغيرها لا تؤثر على مسار التنمية الحالي، بل ستترك تداعياتها على التنمية المستقبلية وحياة الأجيال المقبلة.

وقد مثّلت قضايا الجنوب محورا مهما في أولويات القيادة السياسية لكل من مصر والصين. فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد مرارا أهمية التضامن بين دول الجنوب لمواجهة التحديات المشتركة. ويعكس انضمام مصر إلى تجمع البريكس، وقبل ذلك إلى منظمة شانغهاي للتعاون كدولة شريكة، حرصها على التعبير عن رؤى دول الجنوب وتعزيز مصالحها.

بينما قدّمت الصين رؤيتها الخاصة بشأن قضايا دول الجنوب، وهو ما يتضح مِنْ خلال العديد مِنْ المبادرات والأفكار التي طرحها، من بينها مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية، لارتباطهما الوثيق بأهداف التنمية لدول الجنوب. وكذلك بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية".

ويأتي تلاقي الرؤى بشأن قضايا دول الجنوب وحقوقها العادلة انطلاقا من ثوابت راسخة في السياسة الخارجية لكل من مصر والصين، حيث تتمسك مصر باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على التكامل الإقليمي للدول، ودعم الاستقرار الإقليمي والدولي، واحترام قواعد القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق الدولية، فضلا عن تعزيز دور المنظمات الدولية. هذه الثوابت ترتبط بتوازن دقيق يربط بين دور مصر كقوة إقليمية ودولية فاعّلة، مع الحفاظ على ثوابت أمنها القومي ورعاية مصالحها الخارجية.

فيما حرصت القيادة الصينية على تحديد القواعد التي تحكم علاقاتها بدول الجنوب والتي تمثلت في الاحترام المتبادل والالتزام بالقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، انطلاقا من المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، والتعاون والكسب المشترك، وسلوك طريق التنمية السلمية، والمساعدة المتبادلة وتطبيق مفهوم المودة والصدق والمنفعة المتبادلة والشمول والاستفادة المتبادلة.

هذه الثوابت والرؤى المشتركة عمقت التعاون الثنائي بين مصر والصين، حيث احتفلت الدولتان في ديسمبر الماضي بمرور عشر سنوات على توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة. فمنذ توقيع الاتفاقية في ديسمبر 2014، شهدت العلاقات الثنائية تطورات مهمة. كما تستعد الدولتان العام المقبل للاحتفال بمرور 70 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، والتي تعززت على المستويين الرسمي والشعبي بفضل توافر التفاهم المشترك وتلاقي الرؤى والاهتمامات.

وتتجاوز العلاقات المصرية الصينية إطارها الثنائي لتمتد إلى الأطر متعددة الأطراف. وفي هذا السياق، ان الصين ستستضيف الجولة الثانية من القمة الصينية-العربية في العام المقبل، خاصة بعد ما أفرزته القمة الأولى التي انعقدت في المملكة العربية السعودية عام 2022 من تفاهمات مهمة، حيث أكد الجانبان العربي والصيني على أهمية التعاون والعمل بكافة السبل نحو بناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.

ويأتي الحديث عن بناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك في وقت تتزايد فيه التحديات التي تتطلب تعزيز التعاون القائم على المنفعة المشتركة. وهو ما ذكره الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالته بمناسبة القمة العربية الـ34 التي عُقدت في بغداد بالعراق، مؤكدا على أن القمة الصينية-العربية الثانية المقرر عقدها في 2026 ستكون "محطة مهمة" في تاريخ العلاقات الصينية العربية. حيث تقف الصين بحزم مع القضايا العربية العادلة، في ظل الحرص على دعم التعاون والمنفعة المتبادلة.

وتُعقد الآمال على القمة الصينية-العربية المقبلة لتعميق التفاهمات القائمة، وفتح المزيد من آفاق التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الدعم المتبادل للقضايا العادلة، بما يُسهم في المضي بقوة نحو بناء مجتمع صيني-عربي ذي مستقبل مشترك في مواجهة التحديات.

ملحوظة المحرر: الدكتورة خديجة عرفة هي رئيس الإدارة المركزية للتواصل المجتمعي بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في رئاسة مجلس الوزراء المصري.