share
arabic.china.org.cn | 13. 08. 2025

مقالة خاصة: منقذو غزة … وجوه شاحبة وقلوب معلقة بين الحياة والموت

arabic.china.org.cn / 22:12:19 2025-08-13

غزة 13 أغسطس 2025 (شينخوا) مع كل نداء استغاثة يصل إلى جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، يدرك محمود مجدي حسونة أن المهمة قد تتحول إلى سباق محموم ضد الزمن، وربما ضد الموت نفسه.

منذ انضمامه إلى الجهاز قبل خمس سنوات، اعتاد مواجهة الحرائق وحوادث السير وعمليات الإنقاذ الروتينية، لكن منذ السابع من أكتوبر 2023، اليوم الذي اندلعت فيه الحرب المدمرة، تغير كل شيء.

صار العمل اليومي سلسلة من الاختبارات القاسية التي تتطلب شجاعة فائقة وصبرا طويلا وقدرة عالية على الاحتمال، في ظل ظروف تتآمر فيها النيران، والانهيارات، والانفجارات، ونقص المعدات على حياة المنقذين والمنكوبين معا.

حسونة، البالغ من العمر 32 عاما، يسكن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ويعيش منذ شهور في دائرة القلق والخطر، حاله كحال جميع سكان الحي، فقد قصف منزله واضطر للنزوح أكثر من مرة، وهو يقيم حاليا عند أحد أقاربه.

في كل صباح، يغادر المنزل مودعا زوجته الحامل بعد سنوات طويلة من الانتظار، مدركا أن احتمال عودته ضئيل، لكنها تبتسم بصمت وهي تراقبه يغادر، وكأنها تحاول أن تغرس في قلبه ما يكفي من القوة ليوم كامل من مواجهة الموت.

ويقول حسونة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "فقدت أقارب في القصف، ورأيت بأم عيني أحياء كاملة تتحول إلى أنقاض، لكنني أواصل عملي مدفوعا بإحساس داخلي أن كل دقيقة إضافية في الميدان قد تكتب حياة جديدة لإنسان ينتظر تحت الركام".

أحد المواقف التي لا تفارق ذاكرته وقع في حي تل الهوى، حين وصل مع فريقه بعد قصف منزل، فسمع صوت طفل صغير يصرخ وسط الغبار قائلا: "ساعدوني… أنا هنا".

كان اسمه إبراهيم، وصوته يختلط بالأنين والركام، وفي سباق مع الزمن والموت، حاول حسونة مع رفاقه شق طريقهم إليه، لكن ضيق المسافة وغياب المعدات المتخصصة جعلا العمل بطيئا، ويستذكر بحسرة: "كنت أسمع أنفاسه تتقطع، وكل دقيقة تمر كانت تقتلني من الداخل"، وبعد ساعات من المحاولات، أخرجوه أخيرا، لكن جسده كان قد خذله.

"عندما غطيته ببطانية، شعرت وكأني أدفن ابني، وتمنيت لو أنني وصلت في الوقت المناسب"، يضيف وهو يتنهد بمرارة، الوضع المأساوي ذاته يعيشه رائد الدهشان، مدير الدفاع المدني بمحافظة غزة، الذي لم يعد يكتفي بمتابعة البلاغات من مكتبه، بل يندفع إلى الميدان كلما استطاع.

ويقول لـ((شينخوا)): "في إحدى الليالي، هز انفجار قوي حي الزيتون، فسارعت إلى موقع الغارة التي دمرت منزلا فوق رؤوس ساكنيه.

لم أستطع انتظار وصول المعدات، فبدأت الحفر بيدي حتى تمكنت مع جيراني من انتشال أم وطفلها أحياء، بينما بقي ثلاثة من أفراد العائلة تحت الأنقاض إلى أن وجدوا وقد فارقوا الحياة".

الدهشان نفسه دفع ثمن الحرب، إذ دمرت منازله واضطر للنزوح مع أسرته المكونة من عشرة أفراد عدة مرات، وفي كل مرة، كان أطفاله يسألونه: "هل ستعود اليوم يا أبي؟"، لكنه لم يكن يجد الجرأة ليعدهم.

ومع الحصار المشدد منذ أشهر ونقص المواد الغذائية في الأسواق، أصبح الجوع جزءا من حياة رجال الدفاع المدني، يرافقهم في مواقع الإنقاذ كما في بيوتهم المؤقتة، بعضهم يعمل لساعات طويلة دون وجبة طعام كاملة، مكتفين بقطع خبز يابسة أو تمر، أو قليل من المعلبات التي يحصلون عليها من تبرعات الأهالي أو المساعدات النادرة.

من جانبه، يقول محمود بصل، الناطق باسم الدفاع المدني، إن الإرهاق الجسدي والجوع يضاعفان المخاطر، لكنهم تعلموا التكيف، فيشربون كميات كبيرة من المياه حين يتوفر، ويحاولون الاستراحة دقائق معدودة قبل العودة لرفع الأنقاض.

ورغم الهزال الذي بدأ يظهر على وجوههم، فإنهم يواصلون العمل مدفوعين بالواجب، مؤمنين أن إنقاذ حياة واحدة أهم من الراحة والطعام، ويشير بصل إلى أن الشعور بالجوع أثناء العمل تحت الأنقاض له وقع خاص، فهو يضعف التركيز ويثقل الحركة، لكنهم يتغلبون عليه أحيانا بمضغ قطعة صغيرة من الخبز أو شرب رشفات مياه إذا كانت متاحة.

ويضيف: "أحيانا نعمل أكثر من 16 ساعة دون طعام حقيقي، فقط لأننا نعرف أن هناك من ينتظرنا في الظلام".

بيانات الدفاع المدني تكشف حجم الفاتورة الباهظة التي يدفعها هؤلاء المنقذون، فقد قتل أكثر من 111 عنصرا من أفراد الجهاز منذ بداية الحرب، بعضهم استهدف مباشرة أثناء تنفيذ مهامه، فيما أصيب عشرات آخرون بجروح متفاوتة.

ويشرح بصل أن نحو 85 % من آليات الإنقاذ دمرت أو تعطلت، ونفدت معظم معدات الحماية الشخصية من خوذ ودروع واقية وأدوات قص ورفع، ولا تزال بعض الجثامين تحت الركام في مناطق لا يمكن الوصول إليها بسبب استمرار القصف أو الدمار الكامل في الطرق.

ويشير إلى أن المشاهد اليومية لجثامين الأطفال والنساء وصرخات الناجين تترك آثارا نفسية عميقة لدى المنقذين، وأن بعضهم يحتاج إلى دعم نفسي عاجل، لكن الأولوية تبقى للإنقاذ ما دام هناك من ينتظر تحت الأنقاض.

الحرب المستمرة منذ أكثر من 22 شهرا حولت قطاع غزة إلى ما يشبه ساحة خراب مفتوحة، حيث تواصل الغارات والقصف البري والبحري والجوي حصد الأرواح وتدمير المباني والبنية التحتية.

ووسط هذه الفوضى، يجد رجال الدفاع المدني أنفسهم في مواجهة شبه يومية مع الخطر، يعملون في أحياء مدمرة، أحيانا بلا معدات كافية، وأحيانا تحت تهديد الانهيارات المفاجئة أو تجدد القصف في المواقع نفسها التي يباشرون فيها عمليات الإنقاذ.

رغم كل هذه التحديات، لا يزال حسونة والدهشان وبصل يؤمنون أن عملهم ليس مجرد وظيفة، بل التزام إنساني وأخلاقي لا يمكن التخلي عنه.

في نظرهم، نهاية الحرب وتوفير الإمكانيات الكافية ستمنحهم فرصة لإنقاذ مزيد من الأرواح، وإعادة بناء الثقة في قدرة الإنسان على الصمود أمام الكوارث.

وبينما تظل أصوات الانفجارات والرصاص جزءا من خلفية حياتهم اليومية، يتمسكون بخيط الأمل، لأن كل حياة تنتشل من بين الركام تمثل، بالنسبة لهم، انتصارا صغيرا على الحرب، وانحيازا للحياة في وجه الموت.

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号