بغداد 12 أغسطس 2025 (شينخوا) تحت أشعة شمس بغداد الحارقة، يزيل عمال يرتدون سترات عاكسة، أثار عقود من الأوساخ عن نوافذ المباني التاريخية المصطفة بشارع الرشيد، حيث تلتصق السقالات بالواجهات العتيقة، فيما يعيد الحرفيون إحياء أنماط إسلامية متقنة على شرفات منسية، ليكون شاهدا على الجهود الدؤوبة لإعادة إحياء أشهر شوارع بغداد.

وتهدف عملية إعادة إحياء شارع الرشيد، والتي تعد جزءا من مبادرة (نبض بغداد) التي تدعمها الحكومة، إلى استعادة الشريان الثقافي الذي يعود تاريخه إلى أوائل القرن العشرين، بعد اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025.

واختارت المنظمة العربية للسياحة في شهر أكتوبر الماضي العاصمة العراقية بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، بعد تقديم العراق طلبا للمنظمة في شهر سبتمبر العام 2022.

وكان الشارع في يوم من الأيام مسرحا لقصائد الشعراء الكبار مثل محمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي، ومكانا للمناظرات بين العلماء، لكن ساد الصمت فيه بعد عقود من الصراع، الذي بلغ ذروته بالعنف الطائفي الذي أعقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003، ولكن منذ هزيمة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي العام 2017، سمح السلام الهش بعودة الحياة إلى الشارع.

وقال المهندس المعماري محمد هادي لوكالة أنباء ((شينخوا)) مسلطا الضوء على أهمية الترميم "نهدف إلى الحفاظ على روح الشارع دون أن نحصره في الماضي فقط".

وتابع "نعمل على ترميم جزء من الشارع الأصلي، الذي يبلغ طوله (3 كلم) بمزج سحره التاريخي مع البنية التحتية الحديثة من خلال مد كابلات الكهرباء والماء والصرف الصحي والإنترنت تحت الأرض"، مضيفا "لا يمكن للشارع أن يخلو من الحنين إلى الماضي وحده، بل يجب أن يلبي احتياجات اليوم".

من جانبه، قال المهندس سامي جليل، الذي يعمل في الموقع، لـ((شينخوا)) "إن حوالي 70 مبنا، بعضها يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، تخضع حاليا لأعمال تجديد، مع إجراء إصلاحات لبعض هياكلها عند الضرورة".

بدوره، أشار الصحفي المخضرم موفق الخطيب إلى الإلهام الذي حصل من إعادة إحياء شارع المتنبي الشهير العام 2021، قائلا "هذا النجاح لـ (لشارع المتنبي) هو الذي خلق الزخم".

وأضاف الخطيب، البالغ من العمر 65 عاما "تركز هذه المرحلة على امتداد 650 م والممتدة بين ساحتي الرصافي والميدان، وبمجرد اكتمالها، سيشكل هذا المشروع، إلى جانب شارع المتنبي وسوق السراي التاريخي، مركزا ثقافيا وسياحيا كبيرا، ما يجذب الزوار ويعزز الاقتصاد المحلي".

وعلى الرغم من الغبار وضجيج أعمال البناء، ما يزال مقهى أم كلثوم الشهير مفتوحا حيث يعبق هواءه في الداخل برائحة الشاي المعطر بالهيل حيث بقي أبو مروان، مالك المقهى صامدا منذ العام 1989، باحلك الأيام التي مر بها الشارع.

وقال أبو مروان وهو يراقب العمال في الخارج "كنت أعاني من نقص المال مثل جميع الناس هنا، لكننا مستعدون للانتظار، لأن هذا المشروع سيبعث حياة جديدة، وسيعود السياح والمثقفون والكتاب والعائلات لزيارة هذا الشارع العريق".

وبالجوار من المقهى وعند مدخل زقاق ضيق يراقب أبو رزاق، البالغ من العمر (70 عاما) بهدوء ترميم واجهات الشارع وهمس قائلا "كنت أسير هنا في شبابي، وعندما أرى هذا العمل، أشعر وكأن بغداد تتنفس من جديد، لأن كل حجر هنا يروي قصة".

وكان أمين بغداد عمار موسى كاظم قال يوم الأحد الماضي في بيان إن "نسب الإنجاز في المرحلة الحالية وصلت إلى مراحل متقدمة"، متوقعا الانتهاء من الأعمال خلال مدة شهر تقريبا، ليتم افتتاح الشارع وإدخاله إلى الخدمة أمام المواطنين، بما يساهم في تعزيز الهوية التاريخية للعاصمة وتحسين بيئتها الحضرية وإعادة إحياء قلبها التراثي من جديد.

اما علي شاكر، البالغ من العمر 30 عاما، ويدير مقهى صغيرا بمنزل تراثي مهجور سابقا وتم اعماره، في بداية طريق فرعي يربط بين شارعي الرشيد والمتنبي، فهو يعيش نهضة الشارع بصورة فعلية.

وقال شاكر مبتسما "بعد ترميم شارع المتنبي، ازدهر عملي، والآن مع إعادة إعمار شارع الرشيد وعودة الحياة فيه لسابق عهدها، أتوقع المزيد من النمو".

وأضاف وعيناه مليئتان بالأمل "ستصبح المنطقة بأكملها وجهة سياحية، ما سيوفر فرص عمل ليس لي وحدي، بل للعديد من العاملين في قطاعات السياحة والضيافة والبيع بالتجزئة، وربما سنعمل على مدار الساعة في المستقبل وسأحتاج بالتأكيد إلى توظيف المزيد من الاشخاص".