arabic.china.org.cn | 06. 08. 2025 | ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
بقلم لي يا نان*
6 أغسطس 2025 / شبكة الصين / أكدت عدة دول، في مقدمتها فرنسا وبريطانيا وكندا، أنها تدرس الاعتراف بدولة فلسطين خلال انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل بنيويورك الأمريكية، في حين ستضع شروطا محددة وجدولا زمنيا لتحقيق ذلك.
علاوة على ذلك، أعرب وزراء خارجية عدة دول، بما فيها أستراليا ونيوزيلندا والبلغاريا، في بيان مشترك، أن بلدانهم تستعد للاعتراف بدولة فلسطين أو تفكر جديا في ذلك، مما يبشر باحتضان العالم الغربي، وخاصة داخل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، موجة جديدة من دعم حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وتمثل هذه الخطوة تحولا سياسيا كبيرا في العالم الغربي التقليدي من حيث مواقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. إذ إن كندا والدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا وفرنسا، ظلت تتبنى موقفا مماثلا للولايات المتحدة من دعم إسرائيل وتوفير المساندة والحماية لها.
وبعد اشتعال الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، دعمت عدة دول غربية، بما فيها بريطانيا وفرنسا وكندا، في بادئ الأمر تحرك إسرائيل لحماية ما وصفته بـ"حق الدفاع عن النفس". غير أنها أصبحت مستاءة مؤخرا من انحياز الولايات المتحدة التدريجي إلى إسرائيل مع مرور الوقت. وقد انتقدت بشكل علني سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه القضية الفلسطينية، وبدأت الضغط على إسرائيل ومطالبتها بوقف عملياتها العسكرية ودعوتها إلى تنفيذ حل الدولتين. وتكمن الأسباب وراء هذا التحول في موقف الدول الغربية إلى عاملين:
أولا، تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بشكل مستمر، ما يجلب ضغوطا كبيرة على حكومات الدول الغربية من الرأي العام. فمنذ سبتمبر 2023، تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية بغزة في مقتل أكثر من 60 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال. كما تسبب تشديد إسرائيل حصارها الشامل على غزة بشكل متزايد بعد انهيار اتفاق الهدنة في مطلع مارس الماضي، في عرقلة حملات المساندة للأمم المتحدة وتدهور الوضع في غزة لتصبح "أكثر بقعة مجاعة في العالم".
وقد أثار ذلك استياء وغضب المجتمع الدولي، حيث انتقدت الأمم المتحدة تحركات إسرائيل ووصفتها بأنها تحول المجاعة إلى "سلاح حرب"، واعتبرت ما يحدث في غزة "أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي".
وفي ظل ذلك، واصلت بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الغربية تنفيذ سياساتها السابقة، حتى حافظت على حالة التغاضي والصمت. ويُنظر إلى ذلك على أنه نوع من الدعم لإسرائيل، مما يجعلها تضحي بصورتها وسمعتها في العالم.
ثانيا، أصبحت القضية الفلسطينية قضية أيديولوجية في الدول الغربية، وتأثر حكوماتها بردود فعل داخلية ناجمة عن سياساتها الخارجية. وتسببت الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في تصاعد التناقضات العرقية وارتفاع حاد في حوادث معاداة السامية داخل فرنسا، باعتبارها تحتضن تحتضن التجمع الأكبر للمسلمين واليهود في أوروبا. كما شهدت البلاد كذلك تباينا حادا بين اليسار واليمين السياسي في المواقف تجاه القضية الفلسطينية، واغتنم كل منهما الفرصة للضغط على الحكومة. ولا يهدف إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قراره الاعتراف بدولة فلسطين إلى استرضاء الناخبين المسلمين فحسب، بل إلى التودد إلى معسكر اليسار والوسط والموازنة مع قوى اليمين المتطرف.
وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة البريطانية ضغوطا من الرأي العام وأعضاء البرلمان، حيث وقع أكثر من 230 نائبا وثلث أعضاء البرلمان تقريبا على بيان مطالبين رئيس الوزراء كير ستارمر بدعم حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، ودفع الحكومة للقيام بـ"دور تاريخي".
ومثل الدول الغربية الأخرى، تشهد كندا انقساما حادا بين مواقف الأحزاب السياسية الداخلية والرأي العام حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويهدف تحركها الحالي لتعديل موقفها المؤيد لإسرائيل إلى الحفاظ على التوازن السياسي داخليا.
وجاء تحول الدول الغربية، وخاصة الدول الأوروبية، تجاه تغيير مواقفها من القضية الفلسطينية الإسرائيلية نتيجةً حتمية لخلافاتها مع الولايات المتحدة من حيث المصالح بالشرق الأوسط. إذ إن المصالح الأوروبية لا تتطابق بالكامل مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، رغم أنها ظلت تُعتبر حليفا إستراتيجيا لواشنطن.
وفي السنوات الأخيرة، زادت خلافاتهما مع التحول الجيوسياسي. فأوروبا في حاجة ماسة إلى شرق أوسط مستقر لموازنة التهديدات الأمنية وضغوط إمداد الطاقة الناجمة عن الأزمة الأوكرانية. وفي المقابل، تنوي الولايات المتحدة استخدام الجولة الحالية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لإقامة نظام جديد مقود بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط. لذا، تتبنى موقفا مؤيدا ومتساهلا للسياسات الإسرائيلية المتشددة التي تؤدي إلى استمرار الاضطرابات في المنطقة.
وأدركت الدول الأوروبية أن انحياز الولايات المتحدة إلى إسرائيل لن يسهم في تحقيق السلام في المنطقة، فعلقت أمالا على استئناف الحديث عن حل الدولتين من خلال دفع وقف الحرب على غزة وإعادة القضية الفلسطينية إلى مسار الحل السياسي. ومن جهة أخرى، تنوى أوروبا اغتنام فرصة تراجع سمعة الولايات المتحدة وإسرائيل في العالم إلى أدنى مستوياتها لإبراز دورها في عملية السلام في الشرق الأوسط وتأكيد موقفها وإعادة تشكيل تأثيرها في المنطقة، مما يمهد الطريق لدفع الأجندة التي تتفق مع المصالح الأوروبية بالمنطقة في المستقبل.
ورغم الانتقادات لإعلان بريطانيا وفرنسا وكندا وغيرها من الدول الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين، بوصفها خطوة تحمل أهمية رمزية أكبر من تأثيرها الفعلي، إلا أن تحول موقف دول أوروبا، باعتبارها "الحليف التقليدي" للولايات المتحدة وإسرائيل، سيفاقم حالة العزلة الدبلوماسية للولايات المتحدة وإسرائيل، ويزيد من الضغط على صانعي القرار في واشنطن وتل أبيب.
وإذا تم الالتزام بالجدول الزمني المحدد كما هو مخطط له، فسيقلب الوضع الحالي المتمثل في عدم اعتراف أي دولة من مجموعة السبع بدولة فلسطين، ويحول الولايات المتحدة إلى "أقلية مطلقة" من بين الأعضاء الدائيمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في القضية الفلسطينية. وعلى المدى الطويل، يهيأ ذلك- بلا شك- ظروفا إيجابية لتنفيذ حل الدولتين وتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جذريا.
مع ذلك، وبنظرة واقعية، وضعت الدول الغربية شروطا مختلفة للاعتراف بدولة فلسطين، ومازال وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب أكبر تحدٍ إلحاحا في الوقت الراهن. وبدءا من التصريحات الدبلوماسية، ووصولا إلى تنفيذ حل الدولتين بشكل ملموس، لا يزال الطريق طويلا وشاقا أمام القضية الفلسطينية.
*باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين
![]() |
![]() |
![]() |
انقلها الى... : |
China
Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000 京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号 |