share
arabic.china.org.cn | 27. 07. 2025

رؤية شرق أوسطية: انسحاب واشنطن من اليونسكو "ابتزاز سياسي".. وأمريكا الخاسر الوحيد

arabic.china.org.cn / 01:01:54 2025-07-27

القاهرة 26 يوليو 2025 (شينخوا) يمثل قرار الولايات المتحدة الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) "ورقة ضغط" على المنظمة و"رسالة" للمنظمات الأخرى حتى لا تتخذ قرارات تعارض مصالح أمريكا وإسرائيل، بحسب خبراء عرب.

واعتبر المحللون أن هذا القرار "ابتزاز سياسي" يعكس عمق التوتر بين الإدارة الأمريكية والمنظمات الأممية، ويشير إلى رؤية أمريكية ضيقة تقوم على إخضاع المؤسسات الدولية لا التفاعل معها، قبل أن يؤكدوا أن الخاسر الوحيد من هذا الانسحاب هو "أمريكا فقط".

وأعلنت الولايات المتحدة، قبل أيام قرارها الانسحاب من اليونسكو بعد عامين من انضمامها مجددا للمنظمة. ومن المقرر أن يدخل القرار حيز التنفيذ في نهاية ديسمبر 2026.

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن قرار الانسحاب جاء بسبب ما تعتبره واشنطن سياسة من جانب المنظمة تهدف إلى "دعم القضايا الاجتماعية والثقافية المثيرة للانقسام" على خلفية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وتابعت "أن قرار اليونسكو قبول دولة فلسطين كعضو يمثل إشكالية كبيرة ويتعارض مع السياسة الأمريكية، فضلا عن أنه أسهم في انتشار الخطاب المعادي لإسرائيل داخل المنظمة".

وتعد هذه المرة الثانية التي تنسحب فيها واشنطن من اليونسكو في عهد الرئيس دونالد ترامب، وكانت المرة الأولى خلال ولايته الأولى في العام 2017، قبل أن تعود إليها في عهد الرئيس السابق جو بايدن.

-- قلب للحقائق

وقال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية الدكتور محمد الجبوري، إن الانسحاب من اليونسكو يتعارض مع مبادئ التعددية، ويدل على أن الولايات المتحدة لا تحترم القوانين والأعراف الدولية، ولا تهتم سوى بمصلحتها ومصلحة حليفتها إسرائيل.

وشاطره الرأي الكاتب السوري إبراهيم مرهج، بقوله إن قرار الانسحاب من اليونسكو "نابع من الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، لأن اعتراف المنظمة بفلسطين يمثل مشكلة كبيرة لواشنطن، بل يعارض سياساتها القائمة على الانحياز الأعمى لإسرائيل".

وأضاف مرهج أن حجة واشنطن بأن سياسة اليونسكو تساهم في انتشار خطاب معاد لإسرائيل داخل المنظمة "ليس إلا قلب للحقائق، لأن ما تقوم به اليونسكو هو نشر الثقافة والحفاظ على التراث الفلسطيني من السرقة والتزوير".

في حين قال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بدبي الدكتور أيمن الحاج علي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن قرار الولايات المتحدة قرارا تقنيا أو ماليا بل "رسالة سياسية صريحة للضغط على المنظمة وترويض خطابها خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".

وأوضح الحاج علي "أن الإدارة الأمريكية تعتبر قبول فلسطين كعضو في اليونسكو تجاوزا للخطوط الحمراء، وخطوة تتعارض مع مصالحها الاستراتيجية ومع الدعم المطلق الذي تقدمه لإسرائيل".

أما الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، ومقره القاهرة، فقد أكد أن الانسحاب الأمريكي "رسالة لباقي المؤسسات الدولية حتى لا تعطي عضوية كاملة لفلسطين، ولا تتخذ أي قرارات تعارض مصالح إسرائيل وأمريكا".

ورأى أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني الدكتور أمجد أبو العز، أن قرار الانسحاب من اليونسكو لا يمكن فصله عن سلسلة من السياسات الأمريكية التي تعكس توجها متصاعدا نحو الانكفاء القومي، ومعاقبة المؤسسات الدولية، ومحاولة فرض الهيمنة على النظام الدولي القائم، في تراجع واضح عن مبادئ العولمة التي ساهمت واشنطن نفسها في بنائها.

وأضاف أبو العز لـ ((شينخوا)) أن الانسحاب من اليونسكو، إلى جانب سياسات إغلاق الحدود ومعاقبة الدول والمؤسسات الدولية يشير إلى أن الدولة التي قادت العولمة في نسختها الليبرالية، بدأت الآن بمحاربتها.

-- ورقة ضغط

وأضاف الجبوري أن القرار الأمريكي "ورقة ضغط" على اليونسكو كون الأسباب التي ساقتها الإدارة الامريكية هي تقريبا نفسها قبل سنوات، عندما انسحبت من المنظمة في عهد ترامب أيضا، وهي تسعى من خلال هذا القرار إلى الضغط على اليونسكو لتغيير سياستها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن واشنطن ترفض أي قرار يعارض سياسة إسرائيل.

وأردف أن الإدارة الأمريكية تريد من المنظمات الدولية أن تسير وفقا لما ترغب هي، وليس لما يريد المجتمع الدولي وأعضاؤه، لذلك تعتبر أي منظمة دولية لا توافقها الرأي معادية لها، فالسياسة الأمريكية تقوم على مبدأ "إن لم تكن معي فأنت ضدي".

بدوره، قال إبراهيم مرهج إنه "لا يختلف اثنان على أن إعلان أمريكا الانسحاب من اليونسكو يأتي في إطار سياسة أمريكية تتسم بالانحياز لطرف على حساب آخر، فواشنطن تستخدم ورقة الانسحاب كأداة ضغط".

وأردف أن "المقلق في الانسحاب هو التوقيت، حيث تم الإعلان عنه في ظل حرب إبادة مستمرة على غزة، ويبدو أن واشنطن باتت ترى في اليونسكو منصة معادية، لا مجرد منظمة ثقافية محايدة".

واستطرد أن "كل انسحاب أمريكي من اليونسكو تقريبا كان مرتبطا بطريقة أو بأخرى بالقضية الفلسطينية، فمنذ اعتراف المنظمة بعضوية فلسطين عام 2011، تعرضت لضغوط أمريكية وإسرائيلية متواصلة، ولا يفهم انسحاب واشنطن إلا كخطوة سياسية لدعم إسرائيل في لحظة تتصاعد فيها المطالب الدولية بالتحقيق في الانتهاكات بحق التراث والثقافة الفلسطينية في ظل الحرب المستمرة على غزة".

الأمر نفسه أكد عبد المهدي مطاوع بقوله إن الانسحاب الأمريكي "ورقة ضغط على اليونسكو لتغيير سياستها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن اليونسكو لها دور مهم في تثبيت الملكية والتراث والآثار الفلسطينية، التي تحاول إسرائيل إثبات عكس ذلك"، قبل أن يضيف أن "اليونسكو مؤشر مهم أنه ليس كل ما تريده أمريكا سوف ينفذ".

-- فشل أمريكي

ورأى الجبوري أن الانسحاب من اليونسكو "يعكس فشل إدارة ترامب في فرض سيطرتها على اليونسكو، العالم تغير وأصبحت الشعوب أكثر دراية بالسياسات الأمريكية المعادية للجميع، والتي تبحث عن مصلحتها فقط دون الاكتراث لمصالح الآخرين، فالحقائق التاريخية لا يمكن تغييرها وفق رغبات الإدارة الأمريكية".

لكن مرهج أوضح أن الانسحاب الأمريكي من اليونسكو "ليس فشلا أو فرض سيطرة بالمعنى الكلاسيكي بقدر ما هو أداة من أدوات الضغط على المنظمة وابتزازها سياسيا عن طريق قطع التمويل".

في حين رأى الحاج علي أن "الانسحاب من منظمة ثقافية مثل اليونسكو يعكس عمق التوتر بين الولايات المتحدة والمنظمات الأممية، ويكشف في الوقت ذاته عن فشل واشنطن في فرض رؤيتها داخل هذه المنظمة خاصة مع تصاعد التأييد الدولي للقضية الفلسطينية".

وأشار إلى أن "هذا الانسحاب لا يجب فهمه كموقف معزول بل كجزء من سياسة أمريكية أوسع ترى في المؤسسات الدولية عبئا حين لا تتماشى مع مصالحها".

وأوضح أن "القرار الأمريكي يتناقض بوضوح مع روح التعددية التي يفترض أن تحكم العلاقات الدولية، ويطرح تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بالنظام العالمي الذي كانت من أبرز مؤسسيه".

-- أمريكا الخاسر الوحيد

واعتبر الجبوري أن الانسحاب من اليونسكو سوف يحرر المنظمة من الضغوط الأمريكية، ويجعلها أكثر مهنية وموضوعية في التعامل مع قضايا الثقافة والعلوم في العالم كله.

وأضاف أن غياب واشنطن عن اليونسكو سيسمح بأن تتفاعل الحضارات والثقافات المختلفة لدول العالم فيما بينها، لتخلق حالة من التقارب الذي يصب في مصلحة السلم العالمي وتعايش الشعوب.

ولفت إلى أن "الانسحاب الأمريكي من اليونسكو ستكون له مردودات سلبية تجاه أمريكا نفسها، كونه سيضعف قدرتها على التأثير في السياسات الثقافية والتعليمية العالمية التي تعتمدها المنظمة الدولية، فالخاسر الوحيد من هذا الانسحاب هو أمريكا فقط".

لكن مرهج رأى أن أهم تداعيات الانسحاب الأمريكي من اليونسكو هو "عدم اعتراف واشنطن بأي قرار سيصدر عن المنظمة الأممية، وما دامت خرجت من المنظمة فذلك يعني أن قرارات اليونسكو لا تنطبق على أمريكا وستكون غير ملزمة لها".

ومن بين التداعيات أيضا، وفق مرهج، هو التأثير الكبير على ميزانية اليونسكو وقدرتها على تنفيذ برامجها، كما أن غياب الدور الأمريكي سيؤدي إلى تغير ديناميكية التأثير داخل مجلس اليونسكو، وبالتالي التأثير على مواقف المنظمة تجاه بعض القضايا الدولية.

إلا أن الحاج علي أكد أن "الانسحاب الأمريكي من اليونسكو لن يضعف المنظمة على المدى البعيد بل ربما يدفعها لتعزيز استقلاليتها والتمسك بمبادئها الثقافية والتربوية، خصوصا فيما يتعلق بحماية التراث الفلسطيني، الذي تحاول واشنطن إسكاته تحت ذريعة الحياد".

-- توقعات بانسحابات أمريكية أخرى

وأشار الجبوري إلى انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتوقف عن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأوضح أن واشنطن "تسعى للسيطرة على الجميع، وعندما ترى أن هناك من يقف بوجهها تختلق ذرائع واهية للهروب".

وأضاف أن هذه المنظمات لم تنساق للأجندة الأمريكية، و"سوف تستمر أمريكا في الانسحاب من المنظمات الدولية طالما أن هذه المنظمات لا تتبع السياسات الأمريكية، فأمريكا تريد أن تكون هذه المنظمات واجهة لها تنفذ سياستها وتخدم أجندتها وتبرر أفعالها".

بدوره، رأى مرهج أن "ترامب ينفذ سياسته الخاصة بعيدا عن المزاج الأمريكي العام، من هنا نراه يأخذ بلاده بعيدا عن النظام الدولي القائم على القواعد، وذلك في إطار سلوكه التجاري الذي يرى فيه أداة للتسلط على الدول الأخرى ضمن سياسة العصى والجزرة".

وأضاف "لا استبعد استمرار ترامب في الانسحاب من باقي المنظمات الدولية خاصة أنه منذ ظهوره السياسي يرفض مفهوم النظام العالمي".

وواصل أن سياسة ترامب "سينتج عنها فقدان بلاده جزءا كبيرا من نفوذها الدولي، كما أنه يهز ثقة المجتمع الدولي في واشنطن".

واتفق معه الحاج علي بقوله إن واشنطن سبق أن انسحبت من منظمات أخرى، في "مشهد متكرر يكشف عن نمط جديد في السياسة الأمريكية يقوم على الانسحاب لا المواجهة، وعلى تقويض المؤسسات بدل إصلاحها".

وتوقع أن "تشهد المرحلة القادمة انسحابات إضافية من منظمات دولية أو على الأقل ضغوطا مالية وسياسية متزايدة، في إطار سعي الولايات المتحدة لإعادة تعريف قواعد التعددية الدولية بما يتوافق مع مصالحها أولا".

كذلك رجح أبو العز أن تشهد الفترة القادمة مزيدا من الانسحابات، خاصة من المنظمات التي لا تخدم الرؤية الأمريكية في السياسة الخارجية، وقال إن "واشنطن تنظر لهذه المؤسسات من زاوية براغماتية بحتة، وإذا لم تكن داعمة لمصالحها أو لمواقفها خاصة فيما يتعلق بإسرائيل، فإنها تسعى إما إلى تقليص تمويلها أو الانسحاب منها بالكامل". /نهاية الخبر/

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号