بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

23 يوليو 2025 / شبكة الصين / منذ القرن الـ21، أصبح الاقتصاد الصيني أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي العالمي، حيث حققت الصين قفزات هامة في مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي، كما واصلت الصين تطوير سياساتها الاقتصادية لتسجل إنجازات هائلة في مختلف القطاعات، حيث أصدرت الصين بيانات اقتصادية في شهر يوليو الجاري، تبرز استمرار تقدم الاقتصاد الصيني وذلك بالرغم من كل التحديات الاقتصادية والاضطرابات الجيوسياسية العالمية.

وقد أظهرت البيانات الحديثة الصادرة عن الهيئة الوطنية للإحصاء في الصين، أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني سجل نموا بنسبة 5.3% خلال النصف الأول من عام 2025، ويعود هذا النمو إلى عدة أسباب من أهمها تحفيز الاستهلاك المحلي والاستقرار النسبي في قطاع التصنيع. ليرى بعض الخبراء أن الصين يمكن أن تكون أهم قوة اقتصادية في العالم خلال السنوات القادمة.

ورغم حالة التباطؤ في الاقتصاد العالمي، أظهرت الصادرات الصينية مرونة كبيرة، حيث ارتفع إجمالي واردات وصادرات الصين السلعية من حيث القيمة باليوان إلى 21.79 تريليون يوان (حوالي 3.05 تريليون دولار أمريكي) في النصف الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 2.9 في المئة على أساس سنوي، مدفوعة بزيادة الطلب من بلدان جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والدول الواقعة على طول "الحزام والطريق". كما أن الصين برزت بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة كأهم مزود للسيارات الكهربائية والمنتجات التكنولوجية ومكونات الطاقة النظيفة، فالصين تلعب دورا محوريا في هذه القطاعات وأصبحت دولة رائدة على المستوى الصناعي وحتى البنية التحتية والابتكار التكنلوجي، إذ تحتل الصين المرتبة الأولى عالميا في إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبلغت قدرة توليد الطاقة الشمسية في الصين أكثر من 600 غيغاواط في عام 2024، لتنتج أكثر من ضعف ما توفره الدول الأوروبية. كما حققت الصين 80% من إنتاج الألواح الشمسية عالميا، و70% من بطاريات الليثيوم، وتنفرد بحصة كبيرة من إنتاج المعادن النادرة الأساسية لصناعة البطاريات لتمثل الصين العمود الفقري للاقتصاد الأخضر العالمي.

ومن بين أهم التوجهات الاقتصادية في الصين، تعزيز الاستهلاك المحلي، واتباع سياسة تحفيز الطلب المحلي لتقليل الاعتماد على التصدير، وقد حققت هذه السياسة نتائج ملموسة، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة 5% في النصف الأول من العام الحالي، وذلك بضخ كبير من القطاع الرقمي والتجارة الالكترونية، كما شهدت السياحة الداخلية والدولية ارتفاعا مهما، وخاصة مع اتباع سياسات تسهيل السفر للأجانب الوافدين من أهمها الإعفاء من التأشيرات للعديد من الدول وتطبيق إجراءات استرجاع الضرائب على المشتريات الدولية.

ومن بين أهم الاحصائيات التي تُبرز نمو الاقتصاد الصيني، توسع القيمة المضافة للإنتاج الصناعي في الصين بنسبة 6.8% على أساس سنوي في يونيو الماضي، وارتفاع الاستثمارات الصينية في الأصول الثابتة، حيث ارتفعت هذه الاستثمارات بنسبة 2.8% على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام، وذلك يساهم بشكل كبير في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال توليد الطلب على المواد الخام والعمالة وقطاع الخدمات وتحفيز الصناعات المحلية وتقوية سلاسل الإمداد الصناعية. كما تراهن الصين أيضا على أن تكون المنتجات الصينية ذات جودة عالية، وعلى تعزيز الابتكار والتكنلوجيا، حيث ازداد الإنفاق على البحث العلمي في الصين بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي، وازداد عدد براءات الاختراع الصينية، مع تسجيل قفزة كبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات. وكل ذلك يُشكل دعامة قوية للنمو الاقتصادي الصيني، وتحقيق المزيد من الاستقرار وسط التحديات العالمية.

تعكس البيانات الاقتصادية الصينية استمرار النمو الاقتصادي المدعوم بالابتكار وزيادة الانفتاح على الأسواق العالمية، فالصين مستمرة في تطوير إستراتيجيات مرنة لتحفيز النمو، وتنويع مصادره وتعزيز دورها الريادي على المستوى العالمي، لتمثل الصين نموذجا للصمود الاقتصادي من خلال استثمارات الأصول الثابتة، والاستمرار في تعزيز البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، وكل هذه المجالات تبرز كأساس قوي لتحقيق النمو المستدام وتعزيز النمو الاقتصادي الصيني، وبذلك تبرز مكانة الصين كقوة اقتصادية قادرة على التأثير في الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد العالمي.

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة