share
arabic.china.org.cn | 21. 07. 2025

رسالة من الشرق الأوسط: النجاة أولاً .. أيام صعبة في محافظة السويداء السورية

arabic.china.org.cn / 22:47:02 2025-07-21

بقلم: منذر الشوفي

السويداء، سوريا، 21 يوليو 2025 (شينخوا) كان صمت الفجر في 14 يوليو الجاري أشبه بأنفاس محتبسة، من نافذة شقتي، كانت شوارع السويداء الجنوبية مشدودة بالتوتر، مقاتلون من الطائفة الدرزية ينتشرون على الحواجز، وغموض كثيف يملأ الأجواء مع انتشار أخبار عن صراع وشيك أعرف نتائجه مسبقا مما عايشته خلال الـ 14 عاما الماضية.

أنهكتني ساعات الليل الماضية في كتابة التقارير الصحفية، كنت أحاول أن أشغل نفسي أكثر من موضوع العمل، لكن مع حلول الفجر الذي أنار ضياؤه الشوارع المثقلة بالتوجس والتوتر ولمسات الأيدي على الزناد لدى المقاتلين في الشوارع، صدمتني الحقيقة أن الأمر لم يعد أخبار عن أحداث بعيدة، أصبح الأمر شخصيا وأصبحت أنا وعائلتي جزءا من الحدث، كالطبيب الذي يريد أن يجري عملية جراحية لنفسه أو لأحد من عائلته.

قررت الذهاب في جولة قصيرة لمعرفة ما يجري ربما أردت أن أخفف من توتري قليلا، لأن البقاء في المنزل في مثل هذه الظروف يفتح الباب لكل الأفكار السلبية بالولوج إلى العقل، وفي طريقي صادفت جاري اللبناني، أمسك بذراعي وسألني بصوت مرتجف: "هل ستغادر؟" أجبته بالنفي، محاولا تهدئة نفسي، قول "نعم" كان سيغرقني في دوامة قلق لم أكن مستعدا لمواجهتها.

مع حلول الليل، دوى إطلاق النار، وتساقطت القذائف بالقرب من حينا، أولادي كانوا يتابعون تحركات القوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يكن لدينا مصدر أكثر موثوقية.

-- لم نذق طعم النوم تلك الليلة

صباح 15 يوليو الجاري نظرت من شرفة منزلي، وشاهدت سيارات مكتظة بالعائلات وأطفالهم يخرجون رؤسهم من النوافذ، ربما بسبب الحر وتنطلق صوب الريف نساء يمسكن بأطفالهن، وشيوخ بوجوه كئيبة كالذي يسير في موكب دفن.

مشهد حطم قلبي، قلت لزوجتي: "جهزي نفسك والأولاد، سنرحل إلى قرية أهلك قرب الحدود الأردنية". أما أنا، فقررت البقاء، ربما كان تصرفا فيه حمق، أو شجاعة متهورة.

المدينة كانت تتداعى، الكهرباء مقطوعة، الطعام يفسد، الأفران متوقفة، والمتاجر مغلقة، لا أحد في الشوارع سوى المسلحين المحليين، كانت السويداء مدينة أشباح.

ليلة الثلاثاء-الأربعاء كانت الأكثر رعبا، أصوات الانفجارات تقترب، وطائرات إسرائيلية تحلق فوقنا، تقارير قالت إن الفصائل المحلية استعادت أجزاء من المدينة، لكن لا أحد شعر بالنصر.

صباح الأربعاء، بعد أن أعلن عن حظر التجوال الكامل، قررت الفرار مع اثنين من أقاربي إلى مدينة صلخد، المدارس والجوامع كانت تكتظ بالنازحين.

طوال الطريق، ظل سؤال واحد يطاردني: هل سنعود إلى منازلنا يوما؟

رغم سنوات عملي كمراسل في الحرب السورية، لم أشعر بالخوف كما شعرت به تلك الليلة، أصبحت أنا شخصا من الذين جارت الحرب عليهم، أصبحت أنا شخصية من الشخصيات التي كنت أكتب عنها، أي حظ عاثر هذا، حاولت تذكر بعض من المقابلات التي أجريتها خلال الحرب ربما أستقي منها نصيحة لتخفف عني هذا التوتر والهم الجاثم على صدري.

انقطعت الاتصالات والإنترنت لاحقا، والطريق الرئيسي إلى دمشق أصبح مغلقا، كان مؤشر شؤم معناه أن هذه المواجهة لن تكون قصيرة، لم يعد بالأمكان أن نعرف شيئًا، قطعنا عن الأخبار سوى ما ينقله العائدون، ذكرني هذا بمسلسلات عن العصور الغابرة، عندما كانت الأخبار تأتي عن طريق الرسل والحمام الزاجل أو ربما عن طريق الرحالة.

كانت الأخبار سلبية جداً، لم أكن أشعر بأي شعور إيجابي عندما يحضر أحدهم ويبدأ بالحديث، في داخلي كان هنا صوت يقنعني أنه ربما هناك الكثير من المبالغات، ربما لم أشأ أن أصدق كل شيء وتصديقه كان يعني المزيد من التوتر والخوف.

مع الأسف، عندما عاد الإنترنت بشكل متقطع شاهدت الكثير من مقاطع الفيديو عن الأوضاع والأحداث، الأوضاع بدت سيئة للغاية، ربما مشاهدة هذه الأشياء هو أكثر صعوبة من سماعها.

-- ساعات الانتظار في هذه الأوضاع بدت سنين طويلة.

لم يكن هناك مجال للحديث بأي شيء أخر سوى محاولة تهدئة أسرتي وإقناع أبنائي بأن الأمور لابد أن تتحسن.

في 17 يوليو الجاري، سرت شائعات بانسحاب القوات الحكومية، قررت العودة إلى منزلي رغم شح الوقود، وصلنا بعد ثلاث ساعات، لنفاجأ بجاري يطرق بابي صارخا: "قوافل العشائر قادمة!".

لم نفكك حقائبنا بل حملناها مجددا، وصعدنا السيارة التي بالكاد فيها وقود، توقفت بنا في قرية الكفر بعد نفاد الوقود، ركبنا حافلة نقلتنا مجددا إلى صلخد، ثم إلى قريتنا على الحدود الأردنية.

ابني الأكبر، الذي فاته امتحانات من الشهادة الثانوية، نظر إلى وسأل: "هل سأكمل امتحاناتي؟"، قلت له: "النجاة أولا".

اليوم، نحن هنا، متعبون، نازحون، حذرون، البعض عاد إلى قراه التي غادرها قبل سنوات، هناك بارقة أمل بوقف إطلاق النار، لكن الخوف لا يزال حاضرا.

نحن نشتاق للعودة، لا نعلم متى، أو ما إذا كان الوطن كما كان، لا يزال موجودا.

الأن نحن في واقع جديد، الشيء الوحيد المتأكد منه أن الواقع القادم سيكون جديد أيضا ولن يكون كالسابق، سواء إلى الأفضل أو الأسوأ، هذا شيء الوقت كفيل بكشفه. /نهاية الخبر/

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号