share
arabic.china.org.cn | 15. 07. 2025

مقالة خاصة: طويلة .. واحة صغيرة في أقاصي شمال دارفور تحتضن جراح الفارين من الحرب

arabic.china.org.cn / 20:07:00 2025-07-15

الخرطوم 15 يوليو 2025 (شينخوا) في قلب صحراء قاسية، حيث تلهب حرارة الشمس الحارقة الأرض، وتذرو الرياح العاتية ذرات الرمال، تقف بلدة "طويلة" شامخة كمعجزة.

ببيوتها الطينية البسيطة، والأشجار الزابلة المتفرقة التي تتحدى الجفاف، لم تكن البلدة يوما على خريطة أحد، ولكنها أضحت الآن ملاذا لمئات الألاف من الفارين من جحيم الحرب المستعرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

عندما وصلت خديجة أحمد (30 عاما) ضمن الدفعات الأولي من النازحين من مخيم (زمزم) بالفاشر، إلى بلدة (طويلة)، سألها أحد أطفالها "هل هنا أيضا ستأتي الطائرات لتقصفنا؟"، أجابته خديجة "لا يا بني، نحن في أمان هنا".

وتقول خديجة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد خرجنا من معسكر زمزم بسبب القصف المدفعي وقصف الطائرات المسيرة والرصاص العشوائي، لقد رأيت وأطفالي أهوالا لن تمحها الذاكرة".

علي أطراف البلدة، اختارت خديجة مكانا لا شيء فيه يظلل الرؤوس إلا شجرة عتيقة تقاوم الجفاف، ولكن خديجة تشعر بسعادة لا توصف لأنها نجت وأطفالها من الموت، وتقول "لقد نجونا بأعجوبة، إن نظرات أطفالي الآن وإحساسهم بالأمان يعطيني إصرارا علي الحياة يفوق قسوة المكان".

لم يكن الوصول إلى بلدة (طويلة) أمرا سهلا، رغم أن البلدة لا تبعد إلا حوالي 70 كيلو مترا من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، المحاصرة منذ مايو 2024.

روايات غالبية من التقيناهم تشير إلى أنهم ساروا ليال عديدة بلا نوم، مختبئين بين الكثبان حين يسمعون دويّ طائرات، بالقرب من الطريق الوعر الذي سلكوه.

حكايات من وصلوا إلى (طويلة) تدمي القلب، (حواء أحمد)، التي فقدت زوجها في قصف طال مخيم زمزم للنازحين في مارس الماضي، وصلت إلى طويلة مع طفليها، أحدهما مصاب بشظية في ظهره.

وقالت حواء لـ((شينخوا)) "لم يكن قرار الفرار من مخيم زمزم قرارا سهلا، كانت رحلة موت، أما الوصول إلى هنا فكان معجزة، ما زلنا نعاني صدمة ما حدث لنا".

وأضافت "لقد فقدت زوجي، ولدي طفل مصاب، ولكن مجتمع (طويلة) يساعدنا علي تجاوز الصدمة".

ويحكي سكان من البلدة ونازحون وصلوا اليها نماذج لحالة "التضامن الإنساني" القائمة في (طويلة) لتجاوز المأساة الإنسانية القائمة.

وقال عبد الجليل علي، وهو أحد سكان بلدة طويلة "أهم شي هو توفير الغذاء لآلاف لا يمتلكون شيئا، هناك نماذج تكافلية رائعة فقد يقلص الأهالي حصصهم الغذائية اليومية كالخبز أو الدقيق لتوفير مائدة جماعية تطعم الجميع".

أما النازحة فاطمة آدم، فإنها تقوم الآن بتجهيز قطعة أرض مهجورة بإنتظار تساقط الأمطار لزراعة محاصيل سريعة النمو (مثل الذرة والدخن والخضراوات).

وقالت فاطمة لـ((شينخوا)) "أهالي بلدة طويلة لم يبخلوا علينا بأي شئ، لقد منحونا حتي الأراضي الزراعية، ووفروا لنا بعض البذور".

ومنذ أبريل الماضي، استوعبت بلدة طويلة ما يقرب من 379 ألف شخص فروا من العنف الذي يضرب مدينة الفاشر ومخيماتها، وذلك وفقا لأحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 11 يوليو الجاري.

ورغم شح الموارد لسكان البلدة الأصليين، ولكنهم كانوا يملكون "قلوبا أوسع من تلك الصحراء الممتدة، ويقول علي إسماعيل، وهو من أعضاء الإدارة الأهليّة بالبلدة "نحن لا نملك إلا التراب والصحراء المقفرة، لكننا نرفض أن ينام جائع على أعتاب بيوتنا، حاولنا جهدنا أن نجعل من طويلة واحة تحتضن جراح الفارين من الحرب".

ولكن كرم المجتمع المحلي وحده ليس كافيا، في ظل تحذيرات من قبل المنظمات الأممية والدولية من أن الوضع في البلدة الصغيرة يتجه لأن يكون أزمة إنسانية شاملة.

ووفقا لتقييمات أجرتها منظمات دولية أخيرا، فأن 21 ألف شخص فقط، أي ما يزيد قليلا عن 5 % من جملة النازحين بالبلدة، يحصلون على مياه شرب آمنة.

وقال النازح أحمد الطيب "نستخدم طرق بدائية للحصول علي المياه، كتجميع المياه في حفائر، وحفر آبار تقليدية، صحيح أن هذه المياه أحيانا لا تكون صالحة للشرب، ولكن نقوم بتكريرها علي النار".

وأضاف الطيب لـ((شينخوا)) "بالنسبة لنا فإن المياه تشكل التحدي الأبرز لمجتمع النازحين ببلدة طويلة، ولكننا نحاول التغلب علي المشكلة من خلال العمل الجماعي".

ولدي 2684 أسرة، إمكانية الوصول إلى المراحيض، بينما 31 ألفا و238 أسرة لا تستطيع الوصول إليها، وتبلّغ معظم الأسر عن تناولها وجبة واحدة أو أقل يوميا.

وفي البلدة 11 مكانا تعليميا مؤقتا فقط، مما يعني أن العديد من الأطفال غير قادرين على حضور الفصول الدراسية.

وقال الطفل خالد عبدالله، وهو نازح وصل إلى طويلة قبل شهرين مع أفراد أسرته "لا تتوفر مدارس مؤهلة هنا، ولكننا نتلقي بعض الدروس من متطوعين من سكان البلدة".

وأضاف عبدالله لـ((شينخوا)) "لدينا مدرسة مؤقتة تمت إقامتها تحت ظلال الأشجار، صحيح لا تتوفر بالمدرسة أجراس أو زي موحد، ولكنها علي الأقل محاولة لإعادتنا لأجواء الدراسة".

في هذه الزاوية المنسية من العالم، حيث تقل المساعدات، ولا تصل أحيانا، ولا تُسمع أصوات من يعانون، فإن من يكافحون في (طويلة) يرسلون رسائل مفادها: إن الجوع لا يقتل الأحلام، وان الحرب قد تسلب البيوت، لكنها لا تقدر على سرقة الرغبة في الحياة.

النازحون في طويلة، يقولون بصوت واحد "لا نريد شفقة .. نريد فرصة للسلام وللعيش في أمان، الحرب سلبتنا كل شيء، لكنها لم تسلب إنسانيتنا. 

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号