share
arabic.china.org.cn | 28. 05. 2025

وراء قصة القهوة: نضال أفريقيا ضد الاستعمار

arabic.china.org.cn / 14:32:56 2025-05-28

نيروبي 27 مايو 2025 (شينخوا) في مقهى دافئ يقع في حي كارين بالعاصمة نيروبي، تُطحن حبوب البن الكيني المصنف من الدرجة "AA" ذات اللون الكستنائي بعناية، ثم تُستخلص نكهاتها وتُحضر تحت أنظار باريستا محلي يقوم بعمله بتركيز فائق.

ويتحول طعم المرارة إلى شيء مدهش، وتنبثق حموضة منعشة، تستحضر نكهات الفواكه الاستوائية الناضجة والغنية بالعصارة. وسرعان ما يملأ عبير القهوة المكان، مما ينعش الحواس.

وتشترك منطقة شرق أفريقيا، التي تقع فيها كينيا، في علاقة لا تنفصم مع القهوة، بينما تعتبر إثيوبيا، الواقعة في القرن الإفريقي، مهد القهوة كما يجمع الكثيرون.

وتعتبر حبوب البن المحمصة مثل "كينيا AA" و"إثيوبيا يرغاشيفي" من الأصناف المفضلة لدى عشاق القهوة حول العالم، وتظل من السلع الأكثر طلبا في الأسواق العالمية.

من "المنشأ في أفريقيا" إلى "الخروج من أفريقيا"، تحمل حبوب البن المتواضعة معها إرثا مؤلما من الاستعمار والاستغلال.

اليوم، أصبحت حبوب البن السحرية رمزا للصلابة والاعتماد على الذات في أفريقيا والجنوب العالمي، وشاهدة على موجة جديدة صاعدة من الجنوب العالمي.

-- هدية غير متوقعة من أفريقيا

وغالبا ما يُنظر إلى القهوة على أنها هدية غير متوقعة من أفريقيا.

وتحكي الأسطورة أنه في حوالي عام 800 ميلادي، في منطقة كافا بجنوب إثيوبيا، لاحظ راع للماعز يدعى كالدي أن معيزه أصبحت أكثر نشاطا وحيوية بشكل غير عادي بعد أن أكلت حبات حمراء من شجيرة غير مألوفة.

وبدافع الفضول، جرب كالدي الحبات بنفسه وشعر بتأثير مماثل من النشاط. وشارك الاكتشاف مع دير محلي، حيث استقبل الرهبان الأمر في البداية بتحفظ، لكنهم اكتشفوا لاحقا أن المشروب المستخلص من تلك الحبوب يساعدهم على البقاء مستيقظين خلال ساعات الصلاة الطويلة.

ورغم أن القصة قد لا تكون حقيقية بالكامل، فإنها تعد على نطاق واسع حكاية أصل القهوة، حيث يُعتقد أن كلمة "قهوة" مشتقة من "كافا"، المنطقة التي تم اكتشافها فيها لأول مرة.

واليوم، لا تزال القهوة جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإثيوبية، حيث تعكس الأمثال الشعبية مثل "بونا دابو ناو" (القهوة هي خبزنا) مدى أهميتها.

ويُقال إن أرابيكا وروبوستا، أشهر نوعين من حبوب البن على مستوى العالم، يعود أصلهما إلى أفريقيا. ويوفر مناخ المرتفعات في شرق أفريقيا ظروفا مثالية لزراعة حبوب الأرابيكا، بينما تناسب الأراضي المنخفضة في وسط وغرب وأجزاء من شرق أفريقيا زراعة الروبوستا.

ويلعب هذان النوعان دورا محوريا في صناعة البن العالمية، حيث يلبيان أذواق المستهلكين المتنوعة ويدعمان اقتصادات العديد من مناطق إنتاج البن حول العالم.

وتوفر منطقة هلال بحيرة فيكتوريا، التي تتمتع بالتضاريس المناسبة والمناخ الاستوائي، بيئة مثالية لزراعة حبوب بن الروبوستا. وقد عُرفت هذه المنطقة، المتميزة بتربتها الخصبة والأمطار المنتظمة، باعتبارها الموطن الأصلي لأشجار روبوستا البرية.

ولقرون من الزمن، نمت أشجار الروبوستا البرية في الغابات الطبيعية في أوغندا. وقبل وقت طويل من وصول المستعمرين الأوروبيين، كان شعب قبيلة الباغاندا قد بدأ بالفعل في زراعة البن.

واليوم، في المناطق التقليدية لزراعة البن مثل سفوح جبل إلغون وجبال روينزوري، لا تزال بعض أشجار البن المعمرة قائمة حتى اليوم، لتكون شاهدة على إرث البلاد العريق في البن.

-- حبات البن والسوط

"كان لدي مزرعة في أفريقيا، عند سفح تلال نغونغ. يمر خط الاستواء عبر هذه الأراضي المرتفعة، على بعد مئة ميل إلى الشمال، وكانت المزرعة تقع على ارتفاع يزيد عن ستة آلاف قدم".

بهذه العبارة الأيقونية افتتحت الكاتبة الدنماركية كارين بليكسن مذكراتها الشهيرة "الخروج من أفريقيا"، التي صدرت في عام 1937.

في هذا الكتاب، تروي بليكسن تجاربها في الفترة الممتدة بين عامي 1914 و1931، حينما أدارت مزرعة بنّ في شرق أفريقيا البريطانية، والتي تعرف الآن بكينيا.

وتوفر تأملاتها لمحة عن تعقيدات الاستعمار والتحولات الشخصية التي طرأت عليها خلال فترة وجودها في أفريقيا.

في أواخر القرن الـ19، وبدافع السعي وراء الربح، استولت القوى الاستعمارية الغربية بالقوة على الأراضي من السكان الأصليين في شرق أفريقيا لإنشاء مزارع للمحاصيل النقدية مثل البن.

وفي عام 1893، أدخل المبشرون الفرنسيون البنّ إلى كينيا، وزرعوا أولى بذور صنف بوربون تم جلبها من جزيرة رينيون بالقرب من نيروبي. وبعد عامين، في عام 1895، أعلنت الحكومة البريطانية المنطقة محمية شرق أفريقيا البريطانية، ومع حلول عام 1920، أصبحت مستعمرة كينيا تحت الحكم الاستعماري البريطاني المباشر.

إدراكا منها لربحية المحاصيل النقدية، أولت الإدارة الاستعمارية البريطانية الأولوية لزراعة البن. وحددت المرتفعات الوسطى -- التي تمتاز بالتربة البركانية الخصبة، وارتفاعات تتراوح بين 1500 و2100 متر ومناخ معتدل -- باعتبارها بيئة مثالية لزراعة بن أرابيكا، مما أدى إلى التسليع السريع لزراعة البن في كينيا.

وكانت الأرض من أبرز أهداف النهب الاستعماري. ففي عام 1902، أصدرت الإدارة الاستعمارية البريطانية مرسوم أراضي التاج، الذي نص على أن جميع الأراضي ضمن محمية شرق أفريقيا تعتبر من الأراضي التابعة للتاج وتخضع لسلطة الملك البريطاني.

وسمح هذا التشريع ببيع أو تأجير قطع من الأراضي تصل مساحتها إلى ألف آكر من قبل مسؤولين معتمدين، وغالبا ما كانت عقود الإيجار تُحدد بـ99 عاما. وخُصصت أكثر المناطق خصوبة، وخاصة في الأراضي المرتفعة الوسطى في كينيا، بشكل حصري للمستوطنين الأوروبيين، وأطلق عليها اسم "المرتفعات البيضاء".

وتعرض السكان الأصليون، ولا سيما شعبي الكيكويو والكالينجين، للتهجير القسري من أراضي أجدادهم، وتم نقلهم إلى محميات أقل خصوبة. وبموجب السياسات الاستعمارية الصارمة والضرائب الباهظة، لم يخسر العديد من السكان المحليين أراضيهم فحسب، بل أُجبروا أيضا على العمل كعمالة رخيصة في مزارع المستوطنين.

وقال ماينا كياري، أمين متحف إنزي في كينيا، إن عدد المستوطنين الأوروبيين في المناطق التي تم تخصيصها باسم "المرتفعات البيضاء"، بما فيها نانيوكي ونياهورورو ومنطقة واسين غيشو، كان نحو 100 في عام 1903. وبحلول عام 1950، قفز هذا العدد إلى أكثر من 80 ألفا.

وبحلول عام 1960، كان حوالي 2000 مستوطن أوروبي يمتلكون لكل واحد منهم مزارع تزيد مساحتها عن 2000 آكر، مما يدل على مدى التمركز الكبير للأراضي بيد المستوطنين الأوروبيين خلال الحقبة الاستعمارية.

في "الخروج من أفريقيا"، تتحدث بليكسن عن استغلال ملّاك الأراضي الأوروبيين للمزارعين المحليين المستأجرين في أراضيهم.

فعلى مزرعتها التي تمتد على مساحة 6 آلاف أكر، كانت حوالي ألف آكر مزروعة من قبل عائلات مستأجرة. وكان هؤلاء المستأجرون، الذين وُلد آباؤهم ونشأوا أيضا في المزرعة، من السكان الأصليين لتلك الأرض، لكنهم لم يكن لديهم أي حقوق ملكية.

وكتبت تقول "كان هؤلاء القاطنين من السكان الأصليين، الذين عاشوا في المزرعة مع عائلاتهم وزرعوا أراضيهم الصغيرة هناك. وفي مقابل ذلك، كان يتعين عليهم أن يعملوا لدي عددا معينا من الأيام في السنة".

وقال كاروغا ماتشاريا، نائب رئيس جمعية البن الفاخر الأفريقية، ومقرها كينيا، إنه خلال الحقبة الاستعمارية، حظر المستوطنون الأوروبيون على السكان الأصليين في كينيا زراعة البن بأنفسهم.

وأضاف ماتشاريا في حديث لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد جرى تهجيرهم قسرا من الأراضي الخصبة وأُجبروا على العمل في مزارع البن التي يملكها المستوطنون، وغالبا في ظل ظروف استغلالية".

وأوضح أن صناعة البن الاستعمارية كانت مهيكلة أساسا لتصدير حبوب البن الخام إلى أوروبا، حيث تجري عمليات معالجتها وبيعها هناك، مما ترك المجتمعات المحلية بمنافع اقتصادية ضئيلة للغاية، على الرغم من أن المحصول يزرع على أراضيها.

في غضون ذلك، سلط كريس أولووتش، مدير البرامج في منظمة "فيرتريد أفريقيا"، الضوء على الأثر المستمر للاستعمار على صناعة البن في كينيا.

وقال إن المنتجين المحليين في كينيا اليوم غالبا ما يجدون أنفسهم مضطرين إلى التعامل في تجارة البن من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي تتواجد مقراتها في الدول الغربية.

وأصبحت أوغندا، جارة كينيا، محمية بريطانية في أواخر القرن التاسع عشر.

وخلال الحقبة الاستعمارية، روجت السلطات البريطانية لزراعة الشاي بنشاط، مما دفع السكان المحليين لاعتماد الشاي كمشروب أساسي لهم.

في هذه الأثناء، كان إنتاج البن في أوغندا موجها تقريبا بالكامل نحو التصدير. وكانت سياسة التوجه نحو التصدير هذه تعني أنه على الرغم من كون البلاد من كبار منتجي البن، فقد ظل الاستهلاك المحلي ضئيلا.

وفي أوغندا، لا يزال إرث الاستعمار البريطاني يؤثر في التصورات المرتبطة بالبن. وتحمل إحدى علامات البن التجارية هناك اسم "كيبوكو"، والتي تعني "فرس النهر" باللغة السواحيلية، وتشير أيضا إلى سوط يتم صنعه تقليديا من جلد فرس النهر.

خلال الحقبة الاستعمارية، كان المشرفون البريطانيون يستخدمون مثل هذه السياط لإجبار العمال على العمل في مزارع البن، مما أدى إلى ربط القهوة بالعمل القسري بين الأوغنديين.

لقد ساهم هذا السياق التاريخي في ترسيخ تصور القهوة في أوغندا باعتبارها "مشروب الرجل الأبيض". ولطالما نظر الكثير من السكان المحليين إلى البن كمحصول نقدي معد للتصدير أكثر من كونه مشروب يستهلك محليا.

-- الاستقلال والكفاح

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شهدت أفريقيا موجة متصاعدة من حركات التحرر الوطني.

وفي 12 ديسمبر 1963، نالت كينيا استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني. مع ذلك، فإن رحيل المستعمرين لم يسفر عن تفكيك الهياكل الاقتصادية التي أنشأوها.

وأصبح البن، الذي تم جلبه خلال الحقبة الاستعمارية بوصفه محصولا نقديا رئيسيا، سيفا ذا حدين في مسار التنمية الاقتصادية لكينيا بعد الاستقلال.

بينما حقق عائدات من العملات الأجنبية، إلا أنه ساهم أيضا في انعدام الأمن الغذائي، وانتشار الفقر في الأرياف، وتعميق التفاوتات الراسخة داخل سلسلة القيمة الزراعية.

وخلال السنوات الأولى التي تلت الاستقلال، واصلت الحكومة الكينية العمل بالنموذج الاقتصادي الاستعماري وخصصت مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة المحاصيل النقدية مثل البن والشاي.

وقد جلب هذا التركيز على الزراعة الموجهة نحو التصدير إيرادات بالعملات الأجنبية ولكنه همش إنتاج الغذاء، مما أدى إلى انخفاض الإمدادات الغذائية المحلية.

وبينما جنى التجار والمصدرون الأرباح، ظل العديد من المزارعين يعانون من الفقر. وفي المناطق الريفية في كينيا، كثيرا ما اندلعت الاحتجاجات بسبب تدني الأسعار المعروضة لشراء البن مما يعكس حالة الاستياء الواسعة بين صغار المزارعين.

في قلب العاصمة نيروبي، لا يزال المبنى المرتفع المطلي باللونين الأبيض والأخضر، الذي يضم مقر بورصة نيروبي للبن، قائما. وتأسست هذه المؤسسة في عام 1935 إبان الحقبة الاستعمارية، ولا تزال تهيمن على صادرات البن في كينيا.

وذكر دينيس مونيني موانيكي، المدير التنفيذي لمركز الصين-أفريقيا في معهد سياسات أفريقيا في كينيا، "ما زلنا نعتمد بشكل كبير على الأسواق الدولية، حيث نصدر غالبية حبوب البن في صورة شبه معالجة. نتيجة لذلك، يستحوذ الوسطاء والدول المتقدمة على الجزء الأكبر من الأرباح، بينما لا يحصل مزارعونا إلا على جزء ضئيل فقط من القيمة النهائية للبيع بالتجزئة".

وأضاف أنه يتم تصدير غالبية البن الكيني في شكل شبه معالج عبر بورصة نيروبي للبن، وهو نظام تم تأسيسه خلال فترة الحكم الاستعماري، مشيرا إلى أن هذه الهيكلية تحد من قدرة كينيا على التحكم في سلسلة قيمة البن والتأثير فيها.

وقال إن "هذا النهج هو أحد الأسباب الرئيسية وراء التحديات التي تواجهها صناعة البن في كينيا اليوم".

ويتم تحديد الأسعار في بورصة نيروبي للبن إلى حد كبير من قبل عدد قليل من المشترين الدوليين والوسطاء المحليين، الأمر الذي يترك مزارعي البن المحليين أمام خيارات محدودة لا تتعدى القبول بالأسعار المعروضة عليهم.

ووفقا لمقال رأي نشر على موقع ((ذا كونفيرسيشن)) الأسترالي، فإن نموذج العمل الخاص بصناعة البن يقوم على نوع من الاستعمار الجديد تهيمن عليه قلة من التجار الدوليين للبن الذين يحققون أرباحا طائلة.

وجاء في المقال "أكثر من 80 في المائة من البن في العالم يتم إنتاجه من قبل 25 مليون من صغار المزارعين، و60 في المائة يُزرع من قبل مزارعين يعملون في مساحات تقل عن 5 هكتارات. وكثير منهم يكافحون لتأمين عيش كريم".

ويجسد مزارعو البن في كينيا هذا التفاوت الصارخ. ففي حين يبلغ ثمن فنجان القهوة في المقاهي المتخصصة في أوروبا عادة حوالي 4 دولارات أمريكية، فإن الكثير من العاملين في مجال البن في كينيا لا يتقاضون في أحسن الأحوال أكثر من 2.3 دولار في اليوم.

بالنسبة لإثيوبيا، فعلى الرغم من الإشادة العالمية بالقهوة الإثيوبية وارتفاع أسعار مبيعها في أسواق التجزئة، فإن حوالي 5 إلى 10 في المائة فقط من السعر النهائي للبيع بالتجزئة يعود إلى إثيوبيا.

ويستولي الموزعون والوسطاء الدوليون على الجزء الأكبر من الأرباح. وبناء على ذلك، لا يتجاوز الدخل السنوي للعديد من مزارعي البن الإثيوبيين 500 دولار فقط على الرغم من عملهم طوال العام، بحسب بيانات من البنك الدولي.

في الوقت نفسه، في أوغندا، لا تختلف صناعة البن كثيرا عن نظيراتها في بلدان أفريقية أخرى، حيث لا تزال تعاني من إرث الهياكل الاقتصادية الاستعمارية.

وقال نيلسون توغومي، رئيس مجموعة "إنسباير أفريقيا"، إن هذا الغبن العميق لا يسبب إحباطا لدى مزارعي البن فحسب، بل يعيق أيضا التنمية المستدامة لقطاع البن في أفريقيا.

ودعا إلى توزيع أكثر عدالة ومنطقية للثروة الهائلة التي تُدرّها تجارة البن العالمية، مشددا على أن مزارعي البن الأفارقة يستحقون نصيبا أكثر إنصافا من الأرباح.

-- عدالة التجارة والتعاون

تتزايد الدعوات المطالبة بتجاوز دور أفريقيا كمجرد مورد للمواد الخام في صناعة البن العالمية، وخاصة في الدول المنتجة للبن مثل كينيا وإثيوبيا وأوغندا.

ومن بين الإستراتيجيات التي تعتمدها كينيا لتحقيق هذا الهدف تشكيل تعاونيات زراعية لصغار مزارعي البن.

ووفقا لجمعية البن الفاخر الأفريقية، يضم قطاع البن في كينيا نحو 800 ألف من صغار المزارعين الذين جرى تنظيمهم في حوالي 500 تعاونية.

من خلال القيام بذلك، يستطيع المزارعون الصغار تجميع الموارد وتبادل الخبرات وتحسين جودة البن واتساقه.

وقال كاروغا ماتشاريا، نائب رئيس الجمعية، إن هذا النهج الجماعي لا يمنح المزارعين تمكينا اقتصاديا فحسب، بل يساهم أيضا في تحقيق التنمية المستدامة لصناعة البن في كينيا.

وأوضح أنه بسبب محدودية الأراضي المناسبة لزراعة البن، يركز قطاع البن في كينيا على زيادة إنتاجية الشجرة الواحدة لتعزيز الإنتاج الكلي دون توسيع الأراضي الزراعية.

وأفاد ماتشاريا أن التعاونيات تعمل حاليا على مساعدة المزارعين في رفع إنتاجية الشجرة الواحدة، حيث تشير بعض التقارير إلى أن الأشجار التي تدار بكفاءة يمكن أن تنتج ما يصل إلى 40 كيلوغراما كل عام.

وفي مقاطعة كيرينياغا في كينيا، فإن جمعية مزارعي موتيرا التعاونية، التي تضم نحو 8 آلاف من صغار المزارعين، تستفيد من الطبيعة البركانية الفريدة لتربة المنطقة والمناخ الملائم لإنتاج بن عالي الجودة يحظى بطلب كبير في الأسواق الدولية.

وأشار فيكتور مونيني، وهو خبير زراعي يعمل مع التعاونية، إلى أن التعاونية توفر للمزارعين الأسمدة والمبيدات الحشرية بنظام الائتمان، مما يسمح لهم بسداد القروض بعد تسليم محاصيلهم من حبوب البن.

وقال مونيني إن "هذا النظام يضمن أن يتمكن المزارعون من الحصول على المدخلات الضرورية حتى في حال عدم توفر السيولة لديهم، مما يسهم في تحسين محصولهم من البن وجودته في آن معا".

وأكد أن التعاونية تقدم جلسات تدريبية عبر الإنترنت وبشكل حضوري، فضلا عن توفير استشارات هاتفية، لدعم المزارعين.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم التعاونية أيضا بتوظيف خبراء زراعيين بانتظام لإجراء أخذ عينات من التربة وتحليلها، مما يتيح التعرف بدقة على العناصر الغذائية المطلوبة لنمو المحاصيل بشكل مثالي.

وفي السنوات الأخيرة، كثف الحكومة الكينية من جهودها لدعم قطاع البن الوطني وإصلاحه من خلال عدة مبادرات رئيسية.

ومن أبرز هذه المبادرات إنشاء وتوسيع صندوق السلف المتجددة لثمار البن، الذي يوفر قروضا غير مؤمنة لصغار المزارعين لتسهيل حصولهم على التمويل.

كما أطلقت الحكومة ضمان "الدفع خلال ثلاثة أيام" في إطار نظام التسوية المباشرة، مما يضمن حصول المزارعين على مستحقاتهم خلال 72 ساعة من تسليم ثمار البن، وهو تحسن ملحوظ مقارنة بفترة الانتظار السابقة التي كانت تتراوح بين 5 إلى 14 يوما.

وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت عدة إدارات حكومية بشكل مشترك سياسات جديدة تهدف إلى تحسين تقنيات زراعة البن وتوسيع زراعته إلى مناطق غير تقليدية وتعزيز الشفافية في نظام المزادات.

ووفقا لمكتب الإحصاء الوطني الكيني، ارتفع حجم صادرات البن في البلاد بنسبة 12 بالمائة في عام 2024، ليصل إلى 53519 طن. كما زادت عائدات التصدير، حيث ارتفعت من 251 مليون دولار في عام 2023 إلى 296 مليون دولار في عام 2024.

-- أسواق وفرص جديدة

إلى جانب تنظيم صغار المزارعين في تعاونيات لتعزيز قوة التفاوض الجماعي، تعمل عدة دول أفريقية أيضا على تعزيز القيمة المضافة في قطاع البن من خلال تطوير علامات تجارية محلية.

وتعتبر إثيوبيا حاليا أكبر منتج للبن في أفريقيا، وخامس أكبر منتج عالميا، حيث تنتج حوالي 600 ألف طن من البن سنويا.

وفي السنوات الأخيرة، اتخذت البلاد خطوات كبيرة لإعادة هيكلة صناعة البن، بالتحول من تصدير حبوب البن الخام إلى منتجات مخصصة ذات قيمة مضافة، في سعيها للتقدم على سلم سلسلة القيمة.

ولمساندة هذا التحول، طبقت الحكومة الإثيوبية مجموعة متنوعة من السياسات، من بينها تسجيل العلامات التجارية الوطنية للبن ضمن الأسواق الدولية الرئيسية، والترويج النشط للعلامات التجارية للبن الإثيوبي عالميا.

في عام 2004، وبعد أن أدركت الحكومة الإثيوبية أن الغالبية العظمى من منتجي البن هم من صغار المزارعين، بادرت بإطلاق مبادرة العلامات والتراخيص للبن الفاخر الإثيوبي.

وسجلت هذه المبادرة علامات تجارية لثلاثة مناطق مشهورة بإنتاج البن: يرغاشيفي وسيدامو وهارار.

كما قامت أوغندا ببذل جهود متواصلة لتعزيز القيمة المضافة في قطاع البن لديها.

وقد شدد الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني باستمرار على أن زيادة القيمة المضافة تمثل محورا أساسيا في تطوير صناعة البن في البلاد.

وفي عام 2024، وقع قانون التعديل الوطني للبن ليصبح ساريا، ويشجع هذا القانون إرساء نظام مزادات شفاف للبن يحمي المزارعين من استغلال الوسطاء ويعزز نمو المؤسسات المحلية لمعالجة البن التي تركز على تصنيع منتجات البن ذات القيمة المضافة.

كذلك تعمل كينيا وإثيوبيا وغيرها من الدول الأفريقية المنتجة للبن على تعزيز التعاون بين دول الجنوب بهدف دعم مكانتها في صناعة البن العالمية من خلال توسيع شبكات مبيعاتها عبر المعارض التجارية ومنصات التجارة الإلكترونية، مع التركيز على أسواق ناشئة مثل مصر ونيجيريا والصين.

وفي كتابها "الخروج من أفريقيا" كتبت بليكسن، "إذا كنت أعرف أغنية عن أفريقيا، عن الزرافة والهلال الأفريقي الوليد المستلقي على ظهرها، عن المحاريث في الحقول ووجوه قاطفي حبات البن المتعرقة، فهل تعرف أفريقيا أغنية عني؟ ..."

لو كان بمقدور حبة بن بسيطة أن تشدو الأغاني، لكانت أغنيتها صدى يردد مرارة الماضي الاستعماري وكفاح الاستقلال والروح المستمرة لنضال أفريقيا في سبيل الإنصاف والاعتماد على الذات. /نهاية الخبر/

   يمكنكم مشاركتنا بتعليقاتكم عبر فيسبوك و تويتر
 
انقلها الى... :

مقالات ذات صلة

China Internet Information Center E-mail: webmaster@china.org.cn Tel: 86-10-88828000
京ICP证 040089号 京公网安备110108006329号