بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

26 مايو 2025 / شبكة الصين / شهدت الصين خلال العقود الأخيرة تقدما مهما في حماية التنوع البيولوجي، والعمل على تحقيق التنمية المستدامة والانسجام بين الإنسان ومحيطه. تتميز الصين بتنوع بيولوجي كبير على المستوى العالمي، حيث تضم العديد من الحيوانات والنباتات النادرة، وتنفرد الصين بنسبة 10% من الأنواع النباتية والحيوانية المعروفة عالميا، ما يجعل حماية هذه الثروة الطبيعية ضرورة وطنية وعالمية. ولتحقيق ذلك، أقامت الصين العديد من الأطر القانونية والمؤسسية المتخصصة مثل الإدارة الوطنية للغابات والمراعي وإقامة نظام قانوني متكامل لحماية البيئة وتعزيز التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى التعاون الدولي من أجل المساهمة في حماية البيئة.

قامت الصين بإنشاء شبكة تتكون من 11800 من المحميات الطبيعية، والتي تغطي أكثر من 18% من مساحة البر

بالصين، حيث تساهم هذه المحميات في حماية النباتات والحيوانات المهددة بالانقراض، ومن أهم هذه المحميات الرائدة، هي محمية "وولونغ" الطبيعية في مقاطعة سيتشوان والتي تُعتبر موطن الباندا في الصين وفيها مركز رئيسي للأبحاث والتكاثر. كما أن محمية "تشانغجياجيه" في هونان، تحتوي على أنواع نادرة من الحيوانات والنباتات النادرة وهي أيضا ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو. كما أن محمية "شننونغجيا" في هوبي هي منطقة جبلية تتميز بتنوع نباتي ضخم، مع وجود نمور الغابة الصينية في هذه المحمية. وتوجد أيضا محمية بحيرة "بويانغهو" والتي تُعتبر أهم محمية للطيور المهاجرة في آسيا. بالإضافة إلى ذلك، تتميز محمية "تشانغبايشان" في جيلين باحتوائها على النمر السيبيري والدب الأسود الآسيوي وأنواع فريدة وهامة من الأشجار والحيوانات الجبلية.

وقد أطلقت الصين أيضا نظام المنتزهات الوطنية منذ عام 2021، والذي يُعتبر خطوة كبيرة نحو حماية البيئة وتعزيز الاستدامة، ويقوم بحماية المواطن البيئية الحساسة وبحماية الغابات والأنهار والأراضي الرطبة والجبال، ويساعد على إنشاء ممرات بيئية شاسعة بين المحميات القديمة لتسهيل تنقل الحيوانات. كما تلعب هذه المنتزهات أيضا دورا مميزا، تتيح للسكان والزوار مساحات واسعة للتمتع بالطبيعة وتوفير هواء نظيف ومياه نقية، ومن أهم المنتزهات التي تخدم الإنسان والطبيعة بشكل كبير هو منتزه "سانجيانغيوان" الوطني والذي يُسمى أيضا "البرج الصيني للمياه"، حيث يحتوي على منابع ثلاثة أنهار رئيسية.

من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي، أقامت الصين العديد من السياسات الشاملة والمتطورة للحفاظ على الحيوانات والنبتات المهددة بالانقراض، ومن أهم هذه السياسات "قانون حماية الحياة البرية" والذي تم إطلاقه منذ عام 1988، ويمنع صيد وبيع الأنواع النادرة دون ترخيص رسمي، ويشمل أكثر من 700 نوع من الحيوانات والنباتات وتم تعديله لمرات، وذلك بعد تفشي فيروس كورونا، حيث حظرت الصين تجارة الحيوانات البرية للاستهلاك البشري وذلك بهدف حماية الصحة العامة والطبيعية. كما أطلقت الصين عددا من البرامج لتربية وإعادة إدماج الحيوانات في البرية، مثل مراكز الباندا العملاقة والظباء التبتية التي ارتفعت من عشرات الآلاف سابقا إلى أكثر من 300 ألف. وبفضل هذه السياسات نجحت الصين في الحفاظ على عدد كبير من الحيوانات التي كانت مهددة بشدة بالانقراض أهمها الباندا العملاقة، حيث كان يوجد فقط 1100 من حيوان الباندا البرية عام 1980 ليصبح العدد حوالي 1900 باندا برية في عام 2024 مع تحقيق استقرار ونجاح في برامج التكاثر وإعادة إدماجها، وقد أصبحت حيوانات الباندا منذ عام 2021 "مهددة" بالانقراض وليست "مهددة بشدة"، إذ تمتلك الصين أكثر من 60 محمية طبيعية مخصصة للباندا.

لم تقتصر الجهود الصينية للحفاظ على التنوع البيولوجي على الجانب الوطني والمحلي، بل شملت أيضا التعاون الدولي والمبادرات العالمية، أهمها إقامة مؤتمر "كوب 15" لاتفاقية التنوع البيولوجي في مدينة كونمينغ عام 2021، وأيضا إطلاق مبادرة "الحزام والطريق الأخضر" التي تعمل على تعزيز التنمية المستدامة في مختلف الدول الشريكة. كما تساهم الصين أيضا في التعاون البيئي الدولي من خلال التعاون مع الأمم المتحدة والدول النامية في مجال حماية الأنظمة البيئية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين أيضا عضو مهم في عدة اتفاقيات بيئية دولية مثل "اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة"، و"اتفاقية التنوع البيولوجي".

تُبرز الجهود الصينية في حماية التنوع البيولوجي التزامها الجاد لتحقيق التوازن بين التطور الاقتصادي وحماية البيئة وتوفير محيط منسجم بين الإنسان والطبيعة. كما تُمثل هذه الجهود الصينية في حماية التنوع البيولوجي نموذجا عالميا متطورا يجمع بين السياسات والقوانين الصارمة والابتكار العلمي والتعاون الدولي. ومن خلال جهودها، استطاعت الصين أن تساهم في إنقاذ العديد من الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات، وهذه المبادرات والجهود الرائدة لا تحمي الطبيعة فقط، بل تساهم في توفير بيئة مستقبلية مفيدة للإنسان والطبيعة معا.

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة