بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

16 مايو 2025 / شبكة الصين / في ظل عالم يشهد تغيرات غير مسبوقة، أصدرت الصين في 12 مايو 2025، " كتاب أبيض بشأن الأمن الوطني للصين في العصر الجديد"، لتوضيح الرؤية الصينية لحماية أمنها الوطني وضمان الاستقرار الداخلي والخارجي. حيث تقدم الصين من خلال هذا الكتاب مفاهيم وممارسات ذات خصائص صينية تهدف إلى تحقيق الأمن على العديد من الأصعدة، وتُقدم نموذجا لتوفير التوازن بين التنمية والأمن الذي يشمل العديد من المجالات المختلفة. ويقدم الكتاب المكون من ستة أجزاء المفاهيم الصينية في ضخ اليقين والاستقرار والنهج الشامل تجاه الأمن الوطني، وتوفير دعم راسخ من أجل التقدم المستمر وتعزيز التنمية وتنفيذ مبادرة الأمن العالمي والأمن المشترك ودفع منظومة الأمن الوطني عبر تعميق الإصلاحات.

تقوم الصين بتطبيق استراتيجيات متعددة من أجل تعزيز أمنها الوطني والذي يعمل على توفير الاستقرار الداخلي ويساهم أيضا في الاستقرار العالمي. حيث تعمل الصين على مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، وتقوم بالتعاون مع عدة دول في هذا المجال، ويساهم الاستقرار الداخلي الصيني في تعزيز سلاسل التوريد العالمية وتنمية الاقتصاد العالمي، وتتعاون الصين مع العديد من الجهات من أجل توفير أمن البيانات والتكنولوجيا وحماية الفضاء السيبراني من أي تهديدات. فالأمن الوطني في الصين يشمل أيضا الأمن السيبراني والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي وأيضا الأمن التكنولوجي.

يضمن الأمن السيبراني السيادة الصينية في مجال الانترنت وأيضا تعزيز الأمن الرقمي من خلال حماية البيانات والمعلومات العامة والخاصة، وتتعاون الصين مع العديد من الدول المجاورة خاصة من أجل مكافحة الجرائم الإلكترونية. ومن بين أهم اتفاقيات التعاون في هذا المجال، أقامت الصين وروسيا اتفاقية التعاون السيبراني بين البلدين منذ عام 2015، وذلك من أجل أمن المعلومات، وتبادل المعلومات والتعاون لمكافحة الأنشطة التخريبية عبر الإنترنت. كما أقامت الصين العديد من الاتفاقيات الهامة مع دول منظمة شانغهاي للتعاون من أجل تبادل المعلومات حول الجرائم الإلكترونية والتهديدات الرقمية. وقامت الصين أيضا بالتعاون مع دول جنوب شرق آسيا من بينها تايلاند وكمبوديا ولاوس، وذلك من أجل التعاون لمكافحة الجرائم السيبرانية العابرة للحدود مثل القمار الالكتروني غير المشروع والاحتيال عبر الإنترنت، وقد نجحت الصين بالتعاون مع هذه الدول بالقبض على عصابات متعددة.

تهتم الصين أيضا بالتعاون مع الدول الأفريقية من أجل التعاون في مجال الأمن الرقمي، حيث وقعت عدة اتفاقيات تعاون مع الدول الأفريقية في هذا المجال، وتقوم أيضا بالتبادلات المشتركة من أجل تدريب الفرق المحلية لرصد الجرائم الإلكترونية مع إقامة مشاريع هامة لتوفير بنية تحتية رقمية متطورة في هذه الدول. وعلى الصعيد العالمي، تعمل الصين أيضا على مشاركة خبرتها المتطورة في مجال الأمن الإلكتروني مع بقية العالم، وهو ما يتبلور في المنتدى العالمي للإنترنت في "ووتشن" الصينية والذي يُقام منذ عام 2014 ويستضيف خبراء من كافة دول العالم لتقديم إستراتيجيات عالمية للتعاون العملي في مجال المعلومات وطرح الرؤية الصينية في هذا المجال.

تعمل الصين أيضا على المساهمة بشكل نشط في حفظ السلام العالمي، وذلك من خلال إرسال فرقها لبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وهو ما يُبرز التزام الصين بالمسؤولية العالمية لتحقيق الأمن. وتساهم الصين أيضا من خلال مبادرتها وجهودها الخاصة بالأمن الغذائي في توفير الاستقرار المحلي وأيضا العالم. وقد اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ إستراتيجية من أجل تعزيز الأمن الغذائي، فمحليا تعتمد الصين على مبدأ الاكتفاء الذاتي في الحبوب، من خلال تطبيق عدة خطط موجهة للقطاع الزراعي وتوفير التكنولوجيا المتطورة لخدمة هذا القطاع والاستثمار في "الزراعة الذكية" والمتطورة، وتعزيز إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة المحاصيل. وكل ذلك جعل من الصين تمتلك أحد أكبر مخزونات الحبوب في العالم. أما على الصعيد العالمي، فتقيم الصين العديد من المشاريع في الزراعة وتربية المواشي مع دول أفريقية وآسيوية وحتى أمريكا اللاتينية. كما قدمت الصين مساعدات زراعية وفنية للدول النامية ضمن برنامج "التعاون فيما بين بلدان الجنوب"، وإرسال فرق مختصة من الخبراء لتحسين الزراعة في الدول الأفريقية.

إن الأمن الداخلي للصين لا يقتصر فقط على الشأن المحلي، بل ينعكس ذلك بشكل مباشر على الأمن العالمي والاستقرار الدولي. وهو ما تؤكده الصين ضمن رؤيتها وإستراتيجيتها الشاملة لحماية أمنها الوطني والاستقرار العالمي. وذلك ما يقدمه الكتاب الأبيض من خلال توضيح مدى التزام الصين بتعزيز المنظومة والقدرات الصينية من أجل التعاون العالمي وتحقيق أمن متعدد الأوجه على المستوى العالمي، والدمج بين الأمن والتنمية والتعاون.

_______________

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة