بقلم د.أُنس الزليطني، خبيرة في السياسة الدولية

7 مايو 2025 / شبكة الصين / يتابع العالم التطورات التي تشهدها العلاقات التجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية والصين، حيث فرضت إدارة ترامب منذ فبراير 2025 تعريفات جمركية إضافية على الواردات الصينية، بمزاعم عدم توفر جهود كثيرة من الصين لمكافحة تهريب الفنتانيل وهي مادة صناعية خطيرة والتي تنتشر في الولايات المتحدة وتقتل جرعات مخدر الفنتانيل الزائدة عددا كبيرا من الناس سنويا. وقد أصدر دونالد ترامب هذه التعريفات الإضافية بالاستناد على قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية، مؤكدا أن فشل الصين في منع تصدير المواد الكيميائية الأولية للفنتانيل يشكل تهديدا كبيرا على الأمن القومي الأمريكي.

في المقابل أكدت الصين أن أزمة الفنتانيل هي مشكلة داخلية للولايات المتحدة الأمريكية ولا علاقة للصين بها، كما أن الولايات المتحدة هي المسؤولة المباشرة عن حل هذه المشكلة، وقد عملت الصين سابقا على المساهمة في الحد من هذه المشكلة بشكل ودّي، لكن بالمقابل فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية على السلع الصينية، وهذا التوجه الأمريكي لا يمكن اعتباره حلا للمشكلة، بل يُعمق الفجوة في التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات.

لم تتوقف الولايات المتحدة عن "معاقبة" الصين إلى رفع العقوبات إلى حدود 145% على بعض الواردات الصينية، بل فرضت أيضا تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، مع توجيه اتهامات أمريكية للبلدين بعدم اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تهريب مادة الفنتانيل عبر الحدود مع الولايات المتحدة، وهو ما زاد من الاستياء العالمي من التوجه الأمريكي الفردي والأحادي. وسرعان ما تحولت الأزمة الصحية لهذه المادة المخدرة إلى ورقة ضغط اقتصادية وأصبحت الحماية الصحية أداة لفرض الضغوطات "غير المعقولة" على مختلف الدول وخاصة منها الصين. وكان الرد الصيني على هذه التعريفات، أن الصين لم تخلق هذه الأزمة ولم تعلن الحروب التجارية والتعريفية بل تسعى إلى حلول مناسبة للطرفين مع ضرورة التعاون على قدر المساواة والاحترام بين الطرفين، وقد ردت الصين بفرض رسوم تصل إلى 125% على السلع الأمريكية، مع مطالبة الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات فعلية تشمل تصحيح ممارساتها الخاطئة ورفع التعريفات الجمركية الأحادية الجانب.

أثارت هذه التعريفات الجمركية مخاوف عديدة على نطاق واسع في جميع الأسواق العالمية والتي ترتبط بشكل مباشر باستقرار السلع الأمريكية والصينية، ولهذه الأزمة تداعيات ومخاوف عالمية كبيرة، إذ تتسبب في تعرض عديد من الشركات الصغيرة والتي تعتمد بشكل كبير بالصادرات الصينية نحو بقية العالم لخطر الإفلاس. أما في الأسواق العالمية، فتتسبب هذه التعريفات إلى انخفاض النشاط الاقتصادي، بل وتسجيل ركود في العديد من القطاعات، فالعديد من الشركات الأمريكية تعتمد على الصين بشكل رئيسي لتوفير مكوناتها ومنتجاتها الأساسية، ومع ارتفاع الرسوم الجمركية سترتفع تكاليف التصنيع والسلع المستوردة، وهذه التكاليف تُؤثر على المستهلكين بشكل مباشر. إن الصين ليست مجرد مصدر للسلع الأمريكية، بل هي جزء هام من سلاسل التوريد العالمية وتوفر العديد من المواد الخام الأساسية للعديد من المنتجات، وكل الصعوبات التي تضعها الولايات المتحدة أمام الصين، تؤدي إلى تأخير في الإنتاج وارتفاع التكلفة العامة لهذه المنتجات.

تبرز آثار "الحرب التجارية" بين الولايات المتحدة والصين على العديد من الأصعدة، حيث تستخدم أمريكا التعريفات الجمركية كوسيلة للضغط على الصين وبقية دول العالم، وقد تحولت قضية الفنتانيل من مشكلة احتكار وضغوطات تجارية إلى أزمة عالمية، وقد أثرت السياسة الأمريكية على العديد من القطاعات أهمها التكنولوجيا وسلاسل التوريد العالمية، وانكماش في بعض الأسواق مع ارتفاع في تكاليف السلع للمستهلكين وخاصة الأمريكيين وتباطؤ في التجارة العالمية. فالسياسة التي تستعملها الولايات المتحدة كأداة للحماية من أزمة الفنتانيل تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية، كما أن فرض التعريفات الجمركية لن تساهم في حل المشاكل الاقتصادية الأمريكية، بل تزيد من تعميقها، وقد أصبحت هذه الأزمة وسيلة مزدوجة العواقب، ذات توجه اقتصادي وسياسي على الصعيد العالمي. ومع تصاعد التوترات التجارية تزداد حالة عدم الاستقرار واليقين وهو ما يُقلل من ثقة المستهلكين، واستقرار سلاسل التوريد ومختلف الشركات، وكل ذلك يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي ومن شأنه أن يتسبب في تحول جذري في مسارات النمو العالمي.

 ———————————

الآراء الواردة في المقال تعكس آراء الكاتب فحسب، وليس الشبكة