بقلم بان خه لين*

20 مارس 2025 / شبكة الصين / لفقت شركة "أوبن إيه آي" في رسالة سُلِّمَت إلى البيت الأبيض في 13 مارس الجاري جملة من التهم ضد منافستها الصينية الصاعدة "ديب سيك"، ورددت فيها عبارات "المنافسة بين الصين والولايات المتحدة" و"تهديد الصين"، وروجت لما أسمته "أمن البيانات" و"الملكية الفكرية" و"الدعم الوطني" و"الأمن القومي" وغيرها من الحجج، كما طالبت الإدارة الأمريكية بحظر نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني وفرض قيود على توجه تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الصين وغيرها من الدول.

وكان رئيس شركة "أوبن إيه أي" قد أغدق في وقت سابق الثناء على أداء نموذج "ديب سيك" المميز، ولكنه سرعان ما تحرك لمواجهة صعود "ديب سيك"، والسبب وراء هذا التغيير يرجع إلى مخاوفه من فقدان الهيمنة التكنولوجية.

ويمثل "أوبن إيه آي" نمطا تقليديا لتطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات هائلة في قوة الحوسبة التي تؤثر مباشرة على مستوى نموذج الذكاء الاصطناعي وتدريبه، بمعنى أن هذا النموذج يحتاج إلى ميزانية ضخمة تُعتبر أساس شركة "أوبن إيه آي" للحفاظ على مكانتها المهيمنة.

ومع نجاح نموذج "ديب سيك" في قلب هذا النمط، وتقليص الفجوة الناجمة عن تباين قوة الحوسبة بين مختلف نماذج الذكاء الاصطناعي، ومساهمة نموذج "ديب سيك" المفتوح المصدر في تطوير مزيد من نماذج الذكاء الاصطناعي، أصبح نموذج "أوبن أيه آي" المغلق المصدر يشبه "جزيرة منعزلة".

وترجع أسباب السعي الأمريكي لفرض حصار تكنولوجي على منافسيها إلى الحفاظ على مكانتها المهيمنة في الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات المتقدمة، وقمع صناعات التكنولوجيا والابتكار في الدول الأخرى، وبالتالي فرض رسوم مرتفعة على الشركات الأجنبية من منطلق احتكاري ناجم عن قوة الولايات المتحدة الابتكارية. في حين أن هذه الممارسة لا تتسبب إلا في إلحاق الضرر بالقدرت الابتكارية الأمريكية، كونها تخالف القواعد الخاصة بتخصيص الموارد الابتكارية.

ويُعتبر "المصدر المفتوح" منطقا حاسما في تطوير الذكاء الاصطناعي، ولن تؤدي جهود الولايات المتحدة الرامية إلى فرض حصار تكنولوجي سوى إلى "حصار" نفسها، إذ يسمح "المصدر المفتوح" للمطورين من أنحاء العالم بالمشاركة في بحث تقنية الذكاء الاصطناعي وتعديلها، وبالتالي تسهم الخوارزميات والأدوات المحدثة في خلق مزيد من الأرباح الاقتصادية، لتصبح ركيزة مهمة لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي جديدة. وفي الوقت نفسه، يساعد "المصدر المفتوح" على خفض تكلفة وعتبة تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وتعميم الذكاء الاصطناعي.

ويفاقم "الحصار التكنولوجي" عدم المساواة من حيث الموارد، ويتسبب في اتساع فجوة التقنية، ورفع تكلفة بحث وتطوير التكنولوجيا للشركات، وتقييد استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وفي النهاية المطاف، يفرض قيودا على تطوير الذكاء الاصطناعي.

و يعزز "الحصار التكنولوجي" وحده عزم الصين الثابت للابتكار التكنولوجي المستقل، ويدفع التكنولوجيات الصينية المتقدمة لتتطور.

وعلى المدى القصير، فقد يشكل الحصار التكنولوجي الأمريكي صدمة على قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين، ويتسبب في زيادة تكلفة البحث والتطوير للشركات والمؤسسات المعنية، وعرقلة التعاون الدولي في مجالات بعينها. ولكن، على المدى البعيد، فقد يمثل الحصار التكنولوجي فرصة مميزة لشركات الذكاء الاصطناعي الصينية لرفع قدرات الابتكار المستقل.

وسوف تعزز الصين دعم البحث والتطوير التكنولوجي في المجالات المعنية، وتعمل على توجيه تخصيص الموارد في هذه المجالات من خلال وضع خطط إستراتيجيات طويلة المدى، بهدف تشكيل قوة متضافرة. ومن ناحية أخرى، فإن الحصار التكنولوجي يمكّن شركات ومؤسسات الذكاء الاصطناعي الصينية من أن تصبح أكثر انفتاحا، ما يسهم في تشكيل سلسلة صناعة الذكاء الاصطناعي، وإذكاء حيوية تطوير الذكاء الاصطناعي.

ولا يؤدي الإحجام عن التقدم إلا إلى التخلف عن ركب العصر، ووحدها المنافسة المفتوحة تحقق الحفاظ الدائم على أوجه التقدم. وفي ظل الموجة التكنولوجية العالمية الداعية إلى دفع الابتكار، فإن الجهود الأمريكية الرامية للحصار التكنولوجي لن تصبح سوى عامل محفز لتقدم الذكاء الاصطناعي في الصين.‏

*يعمل الكاتب عضوا في لجنة خبراء اقتصاديات المعلومات والاتصالات التابعة لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات

الأراء الواردة في المقالة لا تعكس بالضرورة موقف موقع شبكة الصين الإخباري