القاهرة 12 مارس 2025 (شينخوا) شكلت النتائج الإيجابية لمفاوضات جدة بين الجانبين الأمريكي والأوكراني "اختراقا كبيرا" نحو إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ فبراير 2022.

واستضافت مدينة جدة السعودية على ساحل البحر الأحمر جلسة مباحثات دامت أكثر من 8 ساعات أمس (الثلاثاء) بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، التي أعلنت استعدادها لقبول اقتراح أمريكي بوقف فوري ومؤقت لإطلاق النار مع روسيا لمدة 30 يوما قابلة للتمديد، مع "البدء فورا في المفاوضات من أجل التوصل إلى سلام دائم".

ومثل الجانب الأمريكي في جلسة المباحثات وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، فيما مثل الجانب الأوكراني مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك، ووزير الخارجية أندري سيبها، ووزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف.

وجاءت المباحثات الأمريكية الأوكرانية في جدة بعد نحو ثلاثة أسابيع من المباحثات الأمريكية الروسية في الرياض، والتي اتفق خلالها الطرفان على تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن وبدء العمل على إنهاء أزمة أوكرانيا، وذلك تمهيدا لقمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في السعودية لاحقا.

-- اختراق كبير

وقال الدكتور مختار غباشي الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات السياسية بالقاهرة، إن نتائج المباحثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية إيجابية ومبشرة، حيث استجابت أوكرانيا للمقترحات الأمريكية بوقف إطلاق النار على خط المواجهة مع روسيا لمدة 30 يوما.

وأضاف غباشي لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن ما تم التوافق عليه خلال مباحثات جدة مؤشر مهم، والكرة الآن في الملعب الروسي، قبل أن يتساءل "هل سيستجيب الروس إلى الرؤية الأمريكية في هذا الشأن؟"

وأشار إلى أن هناك مكاسب جيوسياسية سوف تجنيها روسيا في حال الموافقة على وقف الحرب ضد أوكرانيا.

وتابع أنه من الواضح أن أوكرانيا تريد إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أو بآخر، لذلك استجابت للمطالب الأمريكية، ما دفع واشنطن في ختام مفاوضات جدة إلى الإعلان عن استئناف تقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا ورفع التجميد عن تبادل المعلومات الاستخباراتية.

وأردف أنه لا شك أن "نتائج المباحثات تمثل اختراقا كبيرا نحو إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والأمر الآن يتوقف على الروس".

بدوره، اعتبر الدكتور أحمد خليل أستاذ العلاقات الدولية والإعلام في كليات التقنية العليا بدولة الإمارات، أن المباحثات الأمريكية الأوكرانية في جدة "خطوة استراتيجية مهمة تعكس اهتمام الولايات المتحدة بتحقيق تسوية سلمية للأزمة" الروسية الأوكرانية.

وأضاف خليل لـ((شينخوا)) أن الاتفاق الأمريكي الأوكراني على وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما مؤشر إيجابي خاصة إذا قبلت روسيا بذلك، قبل أن يتابع أن هذه الخطوة تعكس رغبة الأطراف في الحوار وتخفيف التوترات.

وشاطره الرأى الكاتب السعودي خالد المعينا بقوله إن مباحثات جدة إيجابية ومثمرة، وتمهد الطريق لنتائج أفضل نحو السلام بين روسيا وأوكرانيا.

لكن السفير عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية قال إنه "يصعب تقييم هذه المباحثات طالما لا يوجد موقف روسي واضح" إزاء نتائج هذه المفاوضات.

وأضاف سعد "نحن نتحدث عن طرفين في هذا الصراع (روسيا وأوكرانيا)، طرف منهما جلس مع الولايات المتحدة في جدة، وطرف لم يكن حاضرا، وسوف تبذل الولايات المتحدة جهودا في هذا الأمر بحكم أنها وسيط في هذا الصراع، ووزير الخارجية الأمريكي قال إنهم سينقلون هذا العرض (وقف النار المؤقت) إلى الجانب الروسي، وأن الرئيس ترامب سوف يتحدث مع نظيره الروسي" بشأن ذلك.

وختم أن نتائج المباحثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية "مؤشر جيد من حيث المبدأ وإن كان علينا الانتظار لمعرفة الموقف الروسي".

-- ضغط أمريكي

وجاءت مباحثات جدة في أعقاب مشادة نادرة وقعت في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أواخر فبراير الماضي، ما أدى إلى إلغاء اتفاقية ثنائية للمعادن، وتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا .

وقال سعد إنه "بدون شك المشادة التي حدثت بين ترامب وزيلينسكي شكلت ضغطا على أوكرانيا، وكان هذا واضحا من ردود فعل الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي والناتو، التي نصحت زيلينسكي بإيجاد طريقة لاسترضاء ترامب، لأن هذه الدول تدرك أنها لن تكون قادرة على تعويض أوكرانيا عن ما كانت توفره لها أمريكا".

واتفق معه في الرأى غباشي، بتأكيده أن "هذه المشادة شكلت ضغوطا على أوكرانيا، التي شعرت أنه ربما تتخلى عنها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي عليها أن تستجيب إلى المطالب الأمريكية".

ووصف غباشي، هذه المشادة بأنها "استهتار من قبل الإدارة الأمريكية وإهانة شديدة" لأوكرانيا.

أما المعينا، فقد رأى أن "ما حدث في البيت الأبيض كان ضغطا واضحا بصورة مباشرة وغير مباشرة (على أوكرانيا)، وهذا ما مهد لقرار وقف إطلاق النار".

وأردف أن الأسلوب الذي تعامل به ترامب مع نظيره الأوكراني كان "رسالة واضحة للرئيس والشعب الأوكراني لاتخاذ خطوات لحلحلة الأزمة" مع روسيا.

-- صراع شديد التعقيد

وقال سعد إن الأزمة الروسية الأوكرانية "صراع شديد التعقيد ومن السابق لأوانه أن نجزم بأن مباحثات السعودية سوف تنجح في حل هذه الأزمة لأن الصراع ليس سهلا أو بسيطا".

وتابع "قد يتفق الطرفان علي وقف مؤقت لإطلاق النار لكن القضايا الجوهرية سوف تظل قائمة، وتصريحات كل جانب من طرفي الصراع تشير إلى أنه هناك فجوة كبيرة في المواقف بين الجانبين".

بينما رأى خليل أن نجاح مباحثات السعودية في حل الأزمة الروسية الأوكرانية يعتمد على التزام الأطراف بالمفاوضات واستعدادها لتقديم تنازلات.

وأردف أنه إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، فقد تسهم المباحثات في تخفيف حدة النزاع، لكن التحديات ما تزال قائمة.

في حين عبر المعينا عن تفاؤله بأن مباحثات السعودية تسير في الطريق الصحيح قبل أن يستدرك "لكن المشكلة الأوكرانية الروسية معقدة وتاريخية، وليس من السهل حلها في اجتماع واحد أو أكثر، لذا الأمر يحتاج لمباحثات طويلة وعديدة".

-- رجل صفقات

وقال مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية إن انعقاد المباحثات الأمريكية الأوكرانية والأمريكية الروسية في السعودية بالتأكيد يقوم بتعظيم الدور السعودي.

وأضاف "لكن علينا أن ندرك أن الرئيس ترامب رجل صفقات وسياسته الخارجية موجهة في هذا الاتجاه، وهو لم يختر السعودية بدون سبب، فهو منذ حملته الانتخابية وبعد نجاحه يتحدث عن استثمارات سعودية في أمريكا، ثانيا: ترامب ما يزال علي أجندته أولوية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية"، على حد قوله.

وأردف أنه "رغم جرائم إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، والموقف السعودي الواضح والحاسم فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية إلا أن ترامب ما يزال يعتقد أن هناك إمكانية اتمام صفقة التطبيع ومحاولة إدماج إسرائيل في المنطقة، في إطار ترتيبات أمنية في المنطقة، وهذا سبب اهتمامه بأن تكون المباحثات في السعودية".

من جهته، قال خليل إن عقد المباحثات في السعودية يعزز من دور الرياض كلاعب رئيسي في الساحة الدولية ووسيط مؤثر في القضايا الدولية.

وأضاف أن هذه المباحثات يمكن أن تسهم في تعزيز مكانة السعودية في الساحة السياسية العالمية، وتظهر استعدادها لدعم جهود السلام في العالم.

بينما رأى المعينا أن استضافة السعودية لهذه المباحثات يسلط الضوء على دورها كدولة محايدة لحل المشاكل في العالم. /نهاية الخبر/